شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هل أنت في دارك (1)
هذا المكان الضيق أو الواسع، والعالي أو الواطئ والجميل أو الرميم، الذي تحيط به حيطان أربعة وتتخلل تلك الحيطان نوافذ وأبواب.. هذا هو مكانك، أو تلك هي دارك.. التي تتصرف فيها، وتعمل بين جدرانها ما تشاء بدون تحفظ ولا قيد، وهي المكان الذي تأمر فيه وتنهى فتسمع وتطاع أو تدعو فيه من شئت من لدات وخلطاء، وتتحكم فيه التحكم المطلق وتخلع فيه لباس الزينة والمجاملة، فلا تبقي عليك إلاّ لباس "التفضل" كما يقول امرؤ القيس (2) ، وأرجو ألاّ أكون سهوت كما سها الأستاذ المغربي في نسبة فرحة الأديب بالأديب إلى المازني، في حين أنها لأبي تمام (3) .
دارك على هذا النمط مثل الفلاة، وهو شبه دقيق يدلك على قيمة هذا الحطام الفاني مما تملك في هذه الحياة، بل من أعز ما تملك، وهل أعز عليك من دارك؟ ولكنك تستطيع أن تصنع في الفلاة ما تصنع في دارك على سواء، وتلك هي المفارقة المؤلمة التي تبرهن على تفاهة كل ما يمتلك المرء في عمره!
ومع ذلك، فهذا هو كل الفرق بين دارك العامرة وبين الشارع، فإنك لن يسعك أن تتحرر من قيودك، وتلقي عن وجهك قناعك الاجتماعي المموّه، وتنطلق على سجيتك في الشارع أو فيما ينعطف عنه من أزقة ودروب..!
فإن كان هذا صحيحاً، وهو صحيح على الأرجح، فهل يمكنك أن تعطي نفسك كامل حريتها في دارك؟
أغلب الظن أن هناك أكثر من 60% لا يستطيعون ذلك، لأسباب تتراوح بين الخفاء والظهور، وتتفاوت بين العوامل النفسية، وغلبة الطباع الأصيلة على الطباع المستعارة، وما يؤخذ من هذا وذاك من بواعث المزاج وتأزم الظروف وتغلب الحالات وما إلى ذلك كله!
بعض الأسباب، وإن تكن رفيع المقام أو ذائع الصيت، ولكنْ هناك أبوك وأمك أو أحدهما فعندئذٍ لا بد من الاحتشام والتأدب، أو تكون زوجتك على غير وفاق معك في مذهبك ومشربك، فلا مناص من مراعاة اتجاهها، وقد يكون هناك أولادك، فلا تحب أن يأخذوا عنك ما يشتم منه رائحة التحلل في الأرباق، أو يكون لديك خدم، فلا يجوز لك أن يتعلموا منك ما يمكن أن ينتهي بك إلى فضيحة، ولو على القياس العام الذي قل أن يؤبه له في المقاييس الصحيحة، أو تلتفت إلى جيرتك، فتخرج عن جماعهم التام ولو في ملبس مخالف أو مظهر منحرف!
فهل أنت في دارك حقاً تفعل ما تشاء؟ لن يكون هناك جواب يمكن أن يُتفق عليه بإجماع كامل..!
وقد يكون هناك ما هو شر من ذلك، وأنكى للجرح وآلم للنفس، وأدل على ضآلة قيمة الحياة في مظانها الحقيقية، من حيث أثرها في الإنسان في عقر داره الوحيدة..!
فقد تأخذ حريتك الكاملة في دار صديق -أو شبيه بصديق- أكثر جداً مما تأخذها في دارك -وما أزال أرجو أن تكون عامرة- في الوقت الذي تجد فيه نفس هذا الصديق لا يمكنه أن يحقق حريته أيضاً إلاّ في دار صديق آخر..!
ويصح في ذلك ما قاله الأعشى -على الفارق بين المعنيين:
عُلِّقتُها عَرَضاً، وعُلِّقْت رجلاً
غيري، وعُلِّق أخرى [غيرها] الرجلُ (4)
أفليس ذلك من العجائب؟
ولن أبحث عن الأسباب أو العناصر التي أدت إلى اختلال هذا الوضع، فقد تكون مفهومة بعد أن أشرت إلى بعضها أو قبل ذلك، فأجبني، ولكن بصراحة تامة: هل أنت في دارك؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :478  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 35 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج