شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ترى الفتيان كالنخل (1)
لي ولع قديم بالمشي سبهللا في الأسواق، والجلوس أمام الدكاكين واستعراض وجوه الناس بين ذاهب وآيب، وما من قصدي أن أتهكم على عباد الله، فإن عباد الله هؤلاء قد كفوني المؤونة، وأوسعوا أنفسهم تهكماً من حيث لا يشعرون، ولكني أريد أن أخص الفتيان بشيء من عنيف العتاب.. هؤلاء الفتيان على اختلاف طبقاتهم بين موظفين وأرباب دكاكين وعمال وغيرهم، أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين سن الرشد والثلاثين.
ولست أدري كيف يذهب بي الفكر البعيد فأستعرض هذه الأسماء في جاهلية العرب من أمثال عمرو بن معد يكرب وربيعة بن مكدم ودريد بن الصمة وتأبط والسليك والمهلهل وابن كلثوم وعامر بن الطفيل وهانئ بن مسعود وغيرهم، وهذه الأسماء في الإسلام من علي بن أبي طالب والزبير وسعد بن أبي وقاص والقعقاع بن عمرو وأبي دجانة الأنصاري ومئات الأسماء أو آلافها إلى آخر عصور بني العباس.
ثم أنظر في وجوه فتياننا اليوم فأجد وجوههم بيضاء مياه وجوههم رقراقة وعرانين أنوفهم شُمّاً، وجباههم زهراً، وقدودهم كالرماح في مشتجر الأسواق لا في مشتجر المعارك.. وتوثبهم في خطواتهم القوية.. إنهم يهزون الأرض فتميد تحت أقدامهم أيما ميد!
ولكن ما هي أهدافهم، وإلى أين يبلغ مدى طماحهم، وفيم يفكرون، ولأي شيء يستعدون، وبأي أمر يعنون؟
بل ما هي أعمالهم التي تدور عليها رحى ذكرهم، وتبلغ بهم منتهى أمرهم؟
وأنظر إلى علي بن أبي طالب -هو غلام- وقد قتل مرحباً، وأطاح برؤوس صناديد قريش!
وأنظر إلى طرفة بن العبد، وقد برع في الشعر وتفرس وتمرس وسخر بعمرو بن هند ثم قتل قبل أن يبلغ الثلاثين!
وأنظر إلى محمد بن القاسم بن محمد، وقد قاد الجيوش وفتح السند، وهو لم يتجاوز سبع عشرة سنة من عمره!
أنظر إلى المتنبي، وقد عتا على من عتا وتسنم ذروة الحكمة والتجارب في شعره، ثم اصطلمه قبل أن يبلغ الأربعين!
ثم أنظر -حسيراً كسيراً- إلى فتياننا على رواء وبهاء وسناء فيهم، فماذا أنظر؟ حطام من الدنيا وتكالب عليها؛ وقصور وحدائق ومراكز ولذائذ يغري بها الشيطان، واستبسال في الحصول على كل ذلك أو على شيء منه، ثم يرتد إليك الطرف خاسئاً وهو حسير!
إن شجاعة العرب وبراعتهم وتفوقهم لا يستشهد بها لأن عمراً بن كلثوم قتل ابن هند الملك في بلاطه، ولا لأن جساساً بن مرة قتل كليب وائل على بساطه؛ فتلك أشياء قد يغلب عليها الغدر والختل، ولكن شجاعة العرب وسائر ما امتازوا به من مزايا، تؤخذ من انطباق أقوالهم على أعمالهم؛ فقد قال أحد قائلهم في فتيان مثل فتياننا اليوم:
ترى الفتيان كالنخلِ
وما تدري عن الدَّخلِ (2)
ترى هل يفكر شبابنا اليوم في أنفسهم، وهل ينظرون إلى أبعد من أنوفهم؟ وأي خطار يمكن أن يقتحموه لو مهدت لهم وسائل الخطار؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :450  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 21 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج