شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فقدان التوجيه (1)
أبسط لمحة من تفكير.. تريك أن الحياة الاجتماعية عندنا مضطربة متقلقة، إنها كالموجات التي تتداخل في بعضها، ثم تتفرق بأسرع مما تداخلت، ولا شك أن هناك أسباباً كثيرة منها الخفي العميق، ومنها الظاهر القريب، ومنها ما يسهل علاجه، ومنها ما يستعصي على كل علاج.
إن حالة المجتمع لدينا من التعقد والقلقلة بحيث تستدعي أن نفكر فيها أنجع التفكير وأصدقه، فإن حالة المجتمع هي حالة الفرد مكبرة، وما يعتور المجتمع في حدوده الهائلة، لا بد أن يكون قبل ذلك قد أصاب الفرد منه بالنصيب الموفور.
وفقدان التوجيه عنصر أساسي من العناصر الكثيرة التي أدت إلى اضطراب المجتمع، وجعلته لا يعرف تقدمه من تأخره، ولا اسبطراره من ارتكاسه.
ولن تستثني فرداً من الأفراد لو تتبعت السلسلة من أولى حلقاتها إلى أخراها، ولا هيئة من الهيئات لو درت فيها كل مدار.
وتستطيع أن ترقى من الطبقة الدنيا إلى الطبقتين الوسطى والعليا، أو تتدلى -إذا شئت- فلن تجد فيها ما يشذ عن القاعدة إلاّ أقل القليل، وهي ندرة لا يقاس عليها ولا يكاد يؤبه لها.
فكم من نجار أو حداد، أصبحوا سائقين، أو فتحوا (دكاكين)، أو انخرطوا في سلك الموظفين، ويحدث العكس أيضاً بسهولة، وتستدير الأشياء والحركات والظلال تبعاً لمصادرها عكساً وطرداً ويمنة ويسرة وأمام ووراء، وهكذا!
وتُدخل أبناءك المدرسة أو المكتب مدة من الزمن، ثم تعيدهم إلى مكانك، أو ما يشبه مكانك من عملك، وقد يكون أحدهم طماحاً كبيراً فيلتحق بوظيفة ثقيلة أو خفيفة.
وقد يكون أحدهم مختصاً -ولو بعض الاختصاص- في عمل ما، فإذا به يشتغل بغيره، أو يذهب غير مذهبه، وقد رأينا من اختص بالزراعة فأصبح ضابطاً -مثلاً- ومن جاء مهندساً فأصبح يدير عملاً لا يتصل بفنه من قريب أو بعيد، ولست أعني ذلك على التحقيق، ولكن الأمثلة لن تعييني إذا التمستها.
وقد يكون أحدهم كاتباً مجيداً، فيعمل في المحاسبة -مثلاً- ويصح العكس كذلك كل الصحة، وقد أصبح كل إنسان لا يبحث إلاّ عن مصلحته الخاصة، ويذهب يجري لتحقيقها حتى ينال منه النصب أو يموت، ولا يعنيه إن انتفعت به أمته أم لم تنتفع، ولا يبالي هل أدى عمله على الوجه الأكمل، أم لم يؤده، ولكنه باذل جهده، ومنفق عمره، وحاث خطاه إلى ما ينفعه هو وحده، وإن أدى ما ينفعه إلى مضرة الآخرين.
هذا هو "فقدان التوجيه"، وتلك هي آثاره الذميمة، وحيث لا يكون توجيه، لا تكون هناك غاية مثلى صحيحة، وعندما تنعدم الغاية؛ فلا حضارة ولا تقدم، ولا حياة.
تصور أنك أطلقت خطى مليون من البشر، كل فرد منهم ذاهب في اتجاه غير اتجاه الآخر، فأين يجتمعون، وعلى أي غاية يتفقون؟
إن الروح الجماعية موجودة في الحيوان، وحسن النظام ووحدة التوجيه توجد في النحل والقرود، وغير ذلك من فصائل الحيوان.
فكيف يعدم الإنسان ما بلغه الحيوان ووصل إليه منذ آلاف السنين؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :433  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 18 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج