ففي كلتا الحالتين يجب أن تسخر من نفسك! فأما إن كنت مغروراً فتلك أجلى وأدعى إلى أشد عواطف السخر المجتاح، لماذا يا سيدي تسحب أذيال الغرور؟ من أنت؟ لتكن من تكون بسطوة جاه أو سعة نفوذ، أو غزارة علم، أو قوة ذكاء، أو جمال أدب، أو كثرة مال، ولكن على شيء من هذا، أو عليه كله مجتمعاً -إن اجتمع لإنسان- فيم كل هذا الغرور؟ قصر عمرك أم طال، فما المآل؟
باعان من الأرض في ارتقابك، يرحبان بمصيرك ترحيباً ساخراً مؤلماً، فاكفف من غلواء غرورك أيها المغرور، واسخر من نفسك إن كنت متواضعاً، فلا سبيل إلى الخيلاء والتطاول، ما دمت تعرف بدايتك ونهايتك، وما دمت تفهم أن أكبر جهلك في أعظم علمك، وأن فرط جمالك هو السر في قبحك، وأنك -كيفما كنت- لا يمكن أن تعدو طورك إلا بوهم، ولا يسعك أن تتجاوز حدك إلاّ بزيف! تتواضع؟ ماذا يسعك -يا إنسان- غير هذا؟ أتريد أن تتكبر؟ على من؟ أعلى أمثالك من الناس؟ فلعلك شرهم، أم على الجماد والحيوان؟ فهذان لا يحفلان بك، ولا يشعران بوجودك، فعلى من تسوق غرورك المغرور؟
ما أضعف الإنسان، وما أقواه!
وما أعطله، وما أحلاه! لو عرف كيف يأخذ من كل شيء بنسب صحيحة، وكيف يستفيد بعد ذلك -من كل ذلك- استفادة صحيحة.