شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خصائص الأدب العربي في مواجهة
نظريات النقد الأدبي الحديث
الأستاذ أنور الجندي
أمام الغزو الثقافي الوافد كان لا بد أيضاً -بالنسبة لأدبنا العربي- أن يكون من حديث الكتب.
فالأدب وهو عنصر ثقافي أساسي ولغته لغة القرآن، وهويته الإسلامية هي الجوهر لم يكن مناص من أن يغدو هو الآخر هدفاً من أهداف هذا الغزو.. إن لم نقل أهمها جميعاً!!
وليست قضية اللغة العربية -وهي أشهر من أن تذكر في مجال كهذا- أعني ليست محاولة محوها وإقصائها، وإبدالها باللغات العامية الكثيرة، أعني ليست محاولة إلغاء الحرف العربي وإبداله باللاتيني في الربع الأول من القرن.. نقول: لم تكن هاتان المحاولتان وحدهما "العمل الرهيب" الذي حاوله الغزو، وما زال.. برغم إخفاقه المريع!
نعم، لقد نجح الغزو الثقافي -لسوء حظه- نجح في أن يفشل فشله الذريع.. في معركته العنيفة مع اللغة العربية ومع الحرف العربي في العالم العربي!! وعلى العكس كانت معركته مثمرة في أكثر من مجال..
لقد أثمرت حركة التغريب فعلاً في النواحي الفنية والنقدية في الأدب العربي الحديث..
وكان للاستشراق ثم من بعده كوكبة من أدباء ونقاد أتيحت لهم شهرة ونفوذ.. النصيب الأوفر في نجاح التغريب
* * *
وفي هذا الكتاب الجديد يتناول مؤلفه الفاضل هذا الموضوع بأوفى تفصيل ومن الحق أن نقول: إن للأستاذ الجندي جهاده المتتابع في هذا المجال.
فقد سبق له نشر العديد من الكتب في موضوعات، (التغريب) و (الغزو الثقافي) وغيرهما من محاولات الاستعمار الغربي من أجل السيطرة والاحتواء أو التذويب بالنسبة لكل ما هو إسلامي وعربي! فلا غرو أن يجيء كتابه هذا شاملاً مستوفياً لنقاط البحث في عرض منسق جميل.
* * *
يتحدث المؤلف في أول أبواب كتابه عن خصائص الأدب العربي وبيئته التي نشأ فيها.. ثم الفكر الذي تشكل في إطاره.. والأصول التي استمد منه وجوده.. وأخيراً التحديات التي واجهته في مساره الطويل..
يقول المؤلف.. لا ريب أن خصائص الأدب العربي التي تميزه عن الآداب العالمية، ترجع إلى البيئة التي نشأ فيها، والفكر الذي تشكل في إطاره، والأصول التي استمد منها وجوده.. والتحديات التي واجهته في مساره الطويل.
ولا ريب أن أدب أي أمة مرتبط دائماً بلغتها، فهو في المصطلح الفني أدب لغة.. وهو بالنسبة للأمة العربية أدب اللغة العربية..
وأدب أي أمة هو نتاج عواطفها ومشاعرها وعقولها، وهو عصارة مزاجها النفسي، وطابع روحها، وهو في نفس الوقت مرتبط بهذه الأمة: أرضها، وسمائها، وقيمها وتقاليدها، أحداثها ومجتمعها.. فهو عصارة وجهة نظرها في الحياة، مستمدة من داخلها.
ومن هنا كان الاختلاف والتباين بين أدب أمة وأدب أمة أخرى.. ومن هنا كان الأدب أدب أمة.. وأدب لغة.. لأنه يستمد وجوده من مشاعر هذه الأمة وطوابعها الروحية والعقلية والنفسية ويستمد وجوده من اللغة التي تكتب بها، ولكل لغة مفاهيمها وتاريخها ومعاني كلماتها وخصائصها الذاتية.
والأدب الأصيل عالمي بطبعه من حيث نزعته الإنسانية لا من حيث انصهاره في نموذج واحد.. والطابع الإنساني للأدب لا يخرجه عن ذاتيته كأدب أمة خاصة.. ولا يبدو في غيره من الأدب.. تحت ما يسمى عالمية الأدب!
والأدب العربي أدب أمة عريقة وأدب لغة عريقة أيضاً.. وهو أدب لم يتشكل في صورته الحقيقية إلاّ منذ ظهور الإسلام، الذي جمع العرب في الجزيرة العربية، فكان عاملاً في تحويل القبائل العربية إلى "أمة تامة".. وبذلك يمكن القول بأن الأدب العربي قد تشكل في صورته الحقيقية بالإسلام.. ولا يمنع هذا من وجود ديوان الشعر القديم وما يتصل به من أسجاع الكهّان وهي في مجموعها لا تشكل صورة الأدب بمفهومه الفني.. ولا بمعالمه الأصلية التي وضحت بعد نزول القرآن الذي كان هو العامل الأعظم في بناء الأدب.. وظهور فنونه وعلومه ومناهجه.. واللغة العربية سابقة على الإسلام.. وهي عماد وجود الأمة العربية.. وهي لغة تطورت ونمت خلال مئات السنين حتى وصلت إلى صورتها التي عرفت بها قبيل الإسلام.. وإن ظلت لهجاتها المختلفة المتعددة.. فلما نزل القرآن.. انصهرت اللغة العربية في لهجة واحدة ثم كان أن أعطاها القرآن -كما أعطى الأدب العربي- هذا البيان المعجز الفائق الذي فهمه العرب وأعجبوا به.. وعجزوا -في نفس الوقت- عن الإتيان بمثله..
إذن يمكن القول بأن أدب أي أمة إنما يشكله ضمير الأمة + القيم الفكرية + الروحية التي تعتنقها + جوهر اللغة..
ثم يقول..
كل هذه العوامل أعطت أدب اللغة العربية (ذاتية خاصة) وطبعته على نحو خاص يختلف به عن آداب الأمم الأخرى فظهرت فنون لم توجد في الآداب الأخرى واختفت فنون وجدت في الآداب الأخرى، وظهور هذه الفنون فيه، واختفاء تلك الأخرى منه لا ينقص من قدره، ما دام يصدر عن أعماق روحه الطبيعية، ومقوماته الخاصة.
إن مذاهب الآداب التي يحاول النقاد محاكمة الأدب العربي عليها، هي في جملتها مذاهب غربية وضعت مسمياتها ومناهجها بعد قيام ظواهرها في الآداب الأوروبية..
وهي في الحق ليست مذاهب.. وإنما هي أسماء عصور: كالكلاسيكية والرومانتيكية.. وغيرهما وهي تتصل في مجموعها بتاريخ الأمم التي وضعت هذه المذاهب.. فلماذا تنقل لتكون قوانين يخضع لها أدبنا.. الذي يختلف من حيث تكوينه وطابعه وتاريخه وبيئته ومظاهر حياته عن هذه الآداب؟!
* * *
وعلى هذا النحو يمضي المؤلف في سائر أبواب الكتاب الخمسة، متحدثاً في الباب الثاني منها عن مذاهب تاريخ الأدب ومذاهب النقد الأدبي.. ثم عن فساد نظريات النقد الأدبي الوافدة.. وغير ذلك، وعن إحياء الأدب العربي في الباب الثالث وفي الباب الرابع يتحدث عن أثر الآداب الغربية في الأدب العربي.. وفي الباب الخامس والأخير يتحدث إلينا عن مناهج الأدب العربي بين التبعية والأصالة وكل باب من أبواب الكتاب يشتمل على فصول عدة.. يختص كل فصل منها بموضوع، وأكثر هذه الأبواب فصولاً الباب التاسع وهو في تسعة فصول تحدث فيها عن أثر الآداب الغربية في الأدب العربي وفي هذا العرض نكتفي بالحديث عن: "أثر الاستشراق في الأدب العربي.. ثم عن الترجمة من الآداب الغربية، وفيه يشير إلى القصة الغربية وما تهدف إليه.. وأخيراً نذكر لمحات من حديث المؤلف عن الأدب المهجري..
ومعذرة إن طال هذا العرض -على ما فيه من اختصار واقتصار- لكتاب صفحاته أكثر من 400.
أثر الاستشراق في الأدب العربي
للاستشراق في الأدب العربي أثران واضحان:
الأثر الأول: هو توجيه الدارسين العرب والمسلمين في معاهد الغرب إلى اتخاذ مناهج الأدب الغربي أساساً للبحث والتماس أسلوب النقد من نظريات الأدب الأوروبي.. كذلك التماس أسلوب التاريخ والبحث جميعاً.. وهذا هو ما ظهرت نتائجه في وضوح مما قام بتطبيقه أحمد ضيف، وطه حسين، ممن درسوا في فرنسا أو عبد الرحمن شكري ممن درسوا في إنجلترا.. أو ما أخذه من اتصل بالمستشرقين خارج المعاهد كأمين الخولي.. أو من نقلوا هذه المذاهب من غيرهم كالمازني والعقاد..
ومن الأدب الفرنسي نقلت أساليب (سانت بيف) و (برونتير) و (تين) ومن الأدب الإنجليزي نقلت أساليب (هازلت) و (ماكولي).
وهي آراء خضعت في أصولها إلى نظريات التطور لـ "اروف" والتحليل النفسي لـ "فرويد" والتفسير المادي للتاريخ لـ "ماركس" والعلوم الاجتماعية لدوركايم و "ليفي بريل".
الأثر الثاني: هو آثار المستشرقين أنفسهم ونظرياتهم في الأدب العربي، التي جاءت نتيجة دراساتهم له من أمثال "مرجليوت" و "جب" و "بروكلمان" و "بلاشير" و "جان بيرك" ويتصل بها ما كتبه العرب من الذين درسوا في معاهد الغرب من رسائل وأطروحات خضعوا فيها لمناهج أساتذتهم، أو تأثروا فيها بمفاهيمهم.
* * *
وفي أغلب أبحاث من اشتغلوا بالأدب -وأيضاً بالتاريخ- تجد تبعيتهم للمستشرقين واضحة.. وخضوعهم ليس لمناهجهم في البحث وحدها.. بل حتى لآرائهم..
ويعد المستشرق "مرجليوت" اليهودي الدين.. الإنجليزي الأصل.. أول من أثار الشك في الشعر الجاهلي، وقال إنه منحول.. وقد سار طه حسين على نفس الطريق.. وكان "مرجليوت" قد نشر بحثين في هذا الموضوع في الجمعية الملكية الآسيوية أحدهما عام 1916 والآخر في يوليو 1925 -أي قبل صدور كتاب طه حسين الذي صدر عام 1926- وقد رجح مرجليوت في بحثيه أن هذا الشعر الذي يقرأ على أنه شعر جاهلي إنما نظم في العصور الإسلامية ثم نحله هؤلاء الوضاعون المزيفون لشعراء جاهليين.. ويقول الدكتور ناصر الأسد في أطروحته عن مصادر الشعر الجاهلي إن الدكتور طه حسين استقى أكثر مادته حيث يستشهد ويتمثل بالأخبار والروايات من العرب القدماء وسلك سبيل مرجليوت في الاستنباط والاستنتاج.. وتعميم الحكم الفردي الخاص واعتباره قاعدة عامة..
كذلك في كتاب بروكلمان المشهور الذائع الصيت (تاريخ الأدب العربي) نجد هذا المستشرق يقف من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن الإسلام موقفاً شائناً يقوم على إنكار الرسالة وإنكار القرآن، ومثله في هذا جميع المستشرقين قاطبة.. ودون استثناء.. وهم درجات في الإنكار، وفي الإشارة إليه، ومن أشدهم جرأة في هذا "نولدكه" و "بروكلمان".
* * *
ويمكن أن يعد كتاب (هاملتون جب) عن الأدب العربي الذي أصدره عام 1926 نموذجاً صحيحاً لكل ما ردده المستشرقون الذين اشتغلوا بدراسات الأدب العربي.
ففي هذا الكتاب يقسم (جب) العصور تقسيماً جديداً..
أولاً: لا يصف عصر ما قبل الإسلام بمثل ما يصفه به المسلمون: العصر الجاهلي.
ولكنه يصفه بأنه "العصر البطولي" وذلك جرياً وراء النظرية المكذوبة.. في القول بأن العرب كانوا قد استعدوا للنهضة قبل الإسلام.. ولم يكن عمل محمد صلى الله عليه وسلم إلاّ أن قادهم للنهضة.. وقد أشار (جب) إلى أن المستشرقين وفي مقدمتهم (نيكلسون) رفضوا (مصطلح العصر الجاهلي) وهذا الرفض مبني على إنكارهم فكرة الجاهلية الضالة.. عابدة الوثن والصنم.. والتي قامت على قتل الموؤدة والظلم والشرك..
أما عصر صدر الإسلام فيطلق عليه عبارة عصر التوسع.. ارتباطاً بفكرته عن (بطولة الجاهلية).
ثانياً: اعتبار القرآن الكريم من كلام محمد صلى الله عليه وسلم.. وهذه ظاهرة يشترك فيها (بروكلمان) و (نيكلسون) وغيرهم، والمستشرقون لا يقبلون ولا يريدون لأتباعهم أن يقبلوا الحقيقة الإسلامية التي تقوم على أساس أن القرآن وحي من عند الله..
ثالثاً: يركز (جب) على أثر الثقافة اليونانية على الأدب العربي.. ويرجع إليها كل ما في الأدب العربي من تقدم.. ويرد لها تأثرات النحو والبلاغة والبيان.. ويرى أن النثر الفني العربي فارسي الأصل.. ويعتبر الفلسفة الإسلامية فلسفة يونانية المصدر متابعاً في هذا "رينان" وغيره..
ويستند إلى هذا التفاعل في تقدير الخطوة الكبرى التي خطاها الشعر في عصره الذهبي.. وهذا العصر الذهبي هو عصر أبي نواس وبشار وغيرهما ممن أولاهم عنايته التامة الدكتور طه حسين..
كذلك فهو يركز على المأمون وأثره في ترجمة الفلسفات اليونانية والفارسية ويقف وقفة خاصة عند أبي نواس وبشار وهو اهتمام جميع المستشرقين.. وكذلك الاهتمام بالحلاج.. وابن عربي وغيرهما من الخارجين على مفهوم التوحيد والمتأثرين بالفلسفات اليونانية والمسيحية في وحدة الوجود..
رابعاً: التركيز على أن الذين رفعوا لواء الفن والفكر في العصر العباسي كانوا من أصل أعجمي وهي المحاولة المعروفة في رد نتائج الفكر الإسلامي إلى العناصر والدماء بينما الحقيقة أن الفكر الإسلامي قد تكون في إطار العقيدة والفكر والثقافة الإسلامية.. وكتبه أصحابه باللغة العربية ولم تكن تأثراتهم عنصرية مرتبطة بأجناسهم أو أعرافهم القومية.
خامساً: العناية بالمعتزلة.. وشرحها شرحاً مستفيضاً وذلك على أساس الاعتبار بأن الاعتزال مصدره يوناني تماماً..
سادساً: الاهتمام بانتصار البويهيين والباطنية، ويرى أن ذلك كله هو نتيجة "الخميرة الهيلينية"..
وهكذا يرد (جب) والمستشرقون كل ما يرونه من المنجزات إلى التأثير الأجنبي واليوناني أصلاً.. وليس إلى الإسلام نفسه.. وهناك الإشادة الدائمة بتلاميذ الثقافة اليونانية في كل ميدان.
وأيضاً: الإساءة إلى العصر العثماني، ورد كل عوامل الضعف والتخلف إلى الخلافة الإسلامية والجامعة الإسلامية والإمبراطورية العثمانية، ورد النهضة كلها إلى الحملة الفرنسية والإرساليات.. وهذا كله زائف ومضلل وليس صحيحاً على إطلاقه..
* * *
ويمضي المؤلف في حديثه إلى أن يقول أما "بلاشير" في كتابه عن المتنبي الذي أصدره عام 1928 فإنه يحمل على هذا الشاعر حملات عنيفة.. ويهاجم كل من كتب عنه في العصر الحديث.. وقد جرت كل محاولات (بلاشير) و (ماسينيون) و (فون كريمر) و (دي ساسي) من منطلق الحقد على مكانة هذا الشاعر عند العرب، وعند الأدباء المعاصرين.. إذ يعتبره العرب أبين منطقاً عن الشخصية، وأشدهم اعتزازاً بها.. وتقديراً لها.. وسعياً لإنهاضها على حد تعبير محمود محمد شاكر.
وما تزال طلائع الاستشراق تحاول أن تحفر في الأدب العربي مجرى زائفاً تعلي به بعض التابعين والممرورين من أدباء الرفض والحاقدين على العرب والإسلام وقد جمعهم "جان بيرك" في كتابه (مختارات من الأدب العربي) الذي أصدره عام 1964 حين تجاهل عمداً كل أصحاب الأصالة والنتاج المتحرر من شبهات التغريب وتبعية الانحراف نحو مناهج الاستشراق والتغريب، وهو في كتابه يجري مع منطق (جب) و "نيكلسون" وغيرهما فيعلي شأن ما وصف بأنه النهضة التي قامت بها الإرساليات في بيروت، ويتجاهل ما سبقها من أصول اليقظة الحقيقية برجالها ودعواتها..
ويركز -كعادة الاستشراق- على البستاني، واليازجي، وجرجي زيدان والذين أوفدتهم الإرساليات.. ثم ينتقل إلى جيل المهجر "جبران" و (نعيمة) ثم يصل إلى (طه حسين) الذي وصفه بأنه قام بدور البطل.. وحمل لواء النزعة العقلية في أدب البحر المتوسط.
ولم تكن رؤيا جاك بيريك صادقة
ومن الحق أن نقول: إن رؤيا "جاك بيرك" لم تكن صادقة، وأن الأيام القليلة التي أعقبت كتابه ورؤياه كشفت عن زيف ما ذهب إليه، وأنها كانت مضللة لم تصل إلى الأبعاد الحقيقية.. أو أنها كانت مغرضة متعصبة.. تقصد إلى ما تريد من تزييف الواقع.. وتفرض على الأدب مجموعة من (الشعوبيين) ليسوا أهلاً لتلك المكانة التي حاول أن يضفيها عليهم.. وقد سقطت هذه الواجهة بمجرد أن تغيرت الظروف..
لقد كشف (جاك بيرك) عن الهوى وضيق النظرة، حين ترك مجرى النهر، وذهب مع الروافد التي ماتت..
* * *
ويرد كثير من الباحثين قصور المستشرقين -في الفهم العام- بصرف النظر عن وجهة النظر الغربية المفروضة، إلى اختلاف المزاج النفسي والثقافي.. واختلاف البيئة وجذور الثقافة والتباين الواضح بين طبيعة العربي.. وطبيعة الغربي.. وبين الأصول الإسلامية للتوحيد.. والأصول الأوروبية للوثنية اليونانية.. والمسيحية الغربية.. يضاف إلى ذلك الغاية والهوى!!
الترجمة من الآداب الغربية
عني الأدب العربي الحديث بأمرين: أحدهما إحياء الأدب العربي القديم، والثاني: الترجمة من الآداب الأوروبية وغير العربية بصفة عامة.
وفي كلا الأمرين تدخل منهج النقد الغربي الوافد.. وسيطر.. وحال دون الانطلاق الصحيح والاتجاه الأصيل إلى الهدف بما يحقق إغناء الأدب العربي الحديث وربطه بجذوره.. واستخلاص أجود ما في الآداب الأجنبية وفق قاعدة التلقي والتقبل والإفصاح التي عرفها الأدب العربي.. والفكر الإسلامي منذ قرون.. دون أن يكون ذلك عاملاً على هدم شخصيته أو تذويب وجوده أو صهره في بوتقة آداب أخرى..
وكان قوام الترجمة والاقتباس، في مفهوم الأدب العربي دوماً: الحفاظ على ذاتيته أساساً، واستمداده من جوهره وضميره.. وفق مزاجه الاجتماعي.. وذوقه النفسي.. دون التفريط في قيمه الأساسية.. والمستمدة من الإسلام والقرآن.. والقائمة على التوحيد والعدل الاجتماعي، والأخلاقية التي هي القاسم المشترك الأعظم.. على مفاهيمه وقيمه.. وكذلك في ظل القاعدة الأصيلة له.. وهي التكامل والوسطية.. ومن الحق أن يقال إن حركة الإحياء قد أصابها الاضطراب نتيجة فرض منهج النقد الغربي عليها..
وهو منهج قد انبثق من الأدب الغربي نفسه.. واستمد مقوماته من الذاتية الغربية.. بكل مقوماتها ومزاجها وطبيعتها.. وارتبط بالمذاهب المادية الحديثة من آثار دارون وفرويد وتين.. وديكارت.. ودوركايم.. وهي في مجموعها لا تمثل النفس العربية ولا تستوعب الذاتية العربية.. بل تبدو غريبة عنها كل الغرابة متباينة معها كل التباين.. من حيث إن النفس العربية قد أقامت الأدب العربي وفق قيم يترابط فيها الروح والجسد والمادة.. والدنيا والآخرة.. وقوامها نظرة وسطية متكاملة.. تصدر عن طبيعة مشرقة واضحة، تطلع فيها الشمس باهرة للضوء.. ومن نفس عربية عرفت بالصراحة والوضوح.. والإيمان بالله!
* * *
وفي المجال الثاني مجال الترجمة من الآداب الأجنبية فقد سارت الحركة في أول أمرها على نحو طبيعي، التمس مفهوم الترجمة الأصيل.. وهو الإضافة البناءة للآداب والثقافات بما تحتاج إليه هذه الثقافة أو ما يتفق مع روح هذه الآداب.. غير أن النفوذ الاستعماري الوافد ومعه مؤسسات التبشير.. ومدارس الإرساليات ومطابعها، قد سارع فقذف الأدب العربي بقدر ضخم من المترجمات الهزيلة الأسلوب.. الفاسدة المضمون.. التي أغرقت القارئين بقيم ومفاهيم لا تقدم إيجابيات المجتمعات الغربية، بل ترسم أسوأ مظاهرها وأخس جوانبها.. فيما يتصل بالفسق والفاحشة والإثم.. على نحو يحسن هذه المعاني.. ويرسمها كأنما هي أمور طبيعية بسيطة.. ليست محرمة.. ولا هي انحراف في هذه المجتمعات نفسها.. ولم يقف انحراف الترجمة عند القصة وحدها.. بل امتد الانحراف إلى مختلف فنون الترجمات من الأدب والشعر والعلوم والمباحث النفسية والاجتماعية والفلسفة.. فقد قدمت هذه المترجمات مذاهب وآراء وعقائد مختلفة مضطربة متباينة فيها القديم الذي تحول عنه أصحابه.. ومنها الجديد الذي ما زال لم يتضح بعد.. ومنها ما يتصل بالبيئات الغربية.. وما يتصل بالإلحاد والإباحة والشك والمادية.. وقليل منها ما يحمل الطابع الإنساني.. ولم تكن هذه الترجمات قائمة على الاختيار الصحيح.. ولم يكن من ورائها ضمير يؤمن بالأمة العربية وفكرها وقيمها في الأغلب.. "وإنما كانت الترجمة في الأغلب تستهدف إغراق الفكر الإسلامي والأدب العربي في ذلك الزكام المتباين المتضارب..".
* * *
وإذا قيس ما ترجم إلى ما لم يترجم اتضحت أمور كثيرة منها:
1- أن ما ترجم هو الجانب الحسي المتصل بالأذواق والأخلاق.. وهذا جانب خاص بكل أمة.. وليس جانباً عاماً.. ولسنا إليه في حاجة..
2- أن ما أهمل كان هو الجانب الذي تتطلع إليه الأمم، وهو جانب العلوم والتكنولوجيا والثقافات الخاصة بالفلك والهندسة والطب والصناعة.
3- أن ما ترجم من الفلسفات والمذاهب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.. لم يعرض على أنه نظريات وفروض قابلة للنقض والنقد أو أنها نظرية عصر وبيئة قابلة للتحول والتغير.. وأنها تصلح لأمة دون أمة.. وبيئة دون أخرى.. بل عرضت على أنها (علوم) قيلت فيها الكلمة الأخيرة.. وأخذها الذين قرأوها مترجمة على أنها (أصول) مقررة.. وقد حدث ذلك بالنسبة لمذهب فرويد في علم النفس ومذهب ماركس في الاقتصاد.. ومذهب دوركايم في الاجتماع.. ومذهب دارون في العلوم الطبيعية.. ومذهب سارتر في الوجودية.. ومذهب ديوي في التربية!!
أما الصورة التي حرص (التغريب) و (الغزو الثقافي) على إقامتها فهو أن يفترض أساساً أنه لا وجود لفكر الأمة العربية وأن هذه الأمة تبدأ من نقطة الصفر.. بأن تتلقى الفكر الغربي في مختلف جوانبه النفسية والاجتماعية.. وفي مجالات السياسة والتربية والقانون.. دون اعتبار لقيم الفكر الإسلامي العربي الأساسي، ومن هنا كانت خطورة الترجمة في هذه المجالات.. وهي أشد وأقسى من خطورة الترجمة في مجال القصة التي استهدفت الجانب الأخلاقي والاجتماعي..
إن المترجمين إلى الأدب العربي، لم يعنوا بما تحتاج إليه الأمة العربية.. ولا ما يتفق مع كيانها وذوقها.. ولم ينصحوها -والمترجم مؤتمن- بأن هذا الذي ترجموه ليس إلاّ نظريات عرضة للصحة والخطأ.. صالحة لبعض البيئات وغير صالحة لغيرها.. متصلة ببعض العصور، ومنفصلة عن بعضها الآخر..
ترجمة القصة
بدأت حركة الترجمة في الأدب العربي من نقطة بناءة، حين حمل لواءها "رفاعة رافع الطهطاوي"، ومدرسة الألسن في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، وكانت هذه النهضة إيجابية الهدف.. ارتبطت إلى حد كبير بالمدرسة والعلوم والفنون والثقافة والقانون.. واستطاعت أن تحقق عملاً ضخماً. وتؤدي إلى نتائج بعيدة المدى.
غير أن هذا الاتجاه لم يلبث أن تحول ناحية الأدب والقصص تحت تأثير حركة الغزو الثقافي المبكرة في أواخر عصر إسماعيل..
فقد قذفت هذه المرحلة الأدب العربي بركام ضخم من القصص الفرنسية الخليعة.. وكان أن انحدرت إلى مجال المجتمع والثقافة من خلال ذلك موجة هائلة من القيم والمفاهيم الجديدة التي كانت غريبة على المجتمع وثقافته وعقائده.. ومتعارضة مع أدبه وأخلاقياته المستمدة من الفكر الإسلامي، والتراث العربي الإسلامي.. ولم تكن هذه الموجة إلاّ مرحلة مدروسة من مراحل التبشير والغزو الثقافي.. الذي بدأ من خلال حركة المرسلين الفرنسيين والأمريكيين.. التي قدمت بيروت.. وانطلقت تمد يدها إلى الأدب العربي كله.. واعتمدت أساساً على أمرين: إعادة طبع "ألف ليلة وليلة!" ترجمة (رباعيات الخيام) وترجمة وتعريب وتحضير مئات من القصص الفرنسي، وقد قدم هذه القصص في أسلوب رديء.. وفي طباعة رخيصة.
وكان سوء اختيار القصص، والتركيز على الأدب الفرنسي وحده في هذه الفترة سبباً في ظهور حصيلة ضخمة من هذه القصص التي فتحت له الصحف اليومية طريقه إلى النشر.. كما صدرت منه سلاسل متعددة متخصصة في القصص والروايات.. وكان (طانيوس عبده) و (نقولا رزق الله) أكثر هؤلاء المترجمين إسرافاً في الترجمة، فقد ترجم طانيوس عبده وحده ستمائة قصة وكتاب ما بين أقاصيص وقصص وروايات ودواوين شعر.
وقد عنوا جميعاً بنقل القصص التافهة، وكانت الترجمة بالنسبة لهم كسب عيش وليس عملاً فنياً، مع جهل أغلبهم بقواعد اللغة العربية.. وضعفهم في اللغة الفرنسية..
وقد امتدت هذه المدرسة، واتسع نطاقها حتى لفتت أنظار الباحثين الأجانب فقال (مرجليوت): إن أكثر ما ترجم إلى العربية من تأليف أهل الغرب إنما هو روايات مقصدها اللهو دون المنفعة وقل ما يوجد في أعمدتها من أسماء كتب جديدة موضوعها التاريخ أو الفلسفة أو فن من الفنون!
وقد لقيت هذه القصص نقداً عنيفاً من النقاد في مقدمتهم الأستاذ المازني والدكتور الغمراوي..
ولقد كان هذا الانحراف في الترجمة دافعاً إلى وقوع الأدب العربي تحت سيطرة الاستعمار والنفوذ الثقافي لفرنسا وبريطانيا.. ولعلّ هذا هو السر في تحول الترجمة عن أهدافها الأساسية إلى التسلية، وإرضاء رغبات القراء..
القصة الغربية
أحصى الأستاذ يوسف أسعد داغر، عشرة آلاف قصة أجنبية.. ترجمت إلى الأدب العربي منذ بدأت الترجمة حتى أوائل الحرب العالمية الثانية.. وهذا القصص المترجم كان يصدر في بيروت والقاهرة.. وكان متزايداً بإطراد.. حتى لقد لمعت بعض أسماء المعربين وقد أبرزت حصيلة الترجمة ثلاثة آثار واضحة:
1- إفساد اللغة.
2- نشر العامية.
3- نقل الإباحيات.
وقد نقلت هذه القصص باسم التعريب أو باسم التمصير..
وعرف التعريب بأنه نقل كما هو.. مع وضعه في إطار عربي وكان للتمثيل أثره السيئ في نقل هذه المسرحيات إلى اللغة العامية..
وساهم كبار الكتّاب في هذا المجال، فدعموا بعض الانحرافات، واهتم الدكتور طه حسين بترجمة القصص الإباحية.. وقد سجل عليه ذلك إبراهيم المازني حين قال: أقرأ للأستاذ قصصه التي ترجمها هل كان همه نقل الفصاحة الإفرنجية إلى قرّاء اللغة العربية.. أو نقل الصورة الفاضلة في ثيابها المصونة.. إنما كان همه: مدح الخيانة.. والاعتذار للخونة، وتصوير الخلاعة والمجون في صورة جذابة ليقضي بهذه الترجمة حق الإباحة لا حق اللغة.. ولا حق الفضيلة.
هدف القصة في الغرب
يرى كثير من الكتّاب أن هدف القصة في الغرب هو إعطاء الشعوب (جرعة) من الخيال.. للتعويض عن الواقع.. فحيث يعيش الناس في المناطق الباردة.. بين الغيوم والظلام والآلام، وبين الجبال الشاهقة، والشمس الغائمة يحتاج الناس إلى (مخدر!) وإلى (غيبوبة) وأن القصة الخرافية الوثنية المستمدة من الأسطورة.. هي اللذة الكاذبة التي تعطي الوهم بدلاً من إعطاء الحقيقة.. أما العربي فإنه يعيش في جو مختلف، ساطع، مضيئ، باهر، بعيد عن الظلام، والوحوش والأرواح الشريرة.
ولا يعرف الأدب العربي مثل الخلاعة والترف والرهبانية التي نجدها مثلاً في قصة (تابيس) وحين توضع أمثال هذه القصص في ضوء ذاتية الأدب العربي.. وقيم العقل العربي.. ومقاييس الفكر الإسلامي فإنها تنهار، وتسقط.. ولا يقر الأدب العربي بقيمه الإسلامية ما يجري عليه مؤلف (تابيس) "أناتول فرانس" في إشادته بالغرائز، والأبيقورية.. وإسرافه في اللا أدرية، ولا يقر قوله: (ولجسد أن يستسلم للشهوات.. وتبقى النفس طاهرة!!) فضلاً عن لذة الشك وصورة العهر، ومخاطبة الغريزة.. والوثنية ممتزجة بالمسيحية الغربية..
ولا يقر الأدب العربي رجلاً مثل جان فالجان يسرق رغيفاً ليعيش.. ويعجب كيف يحدث هذا في أوروبا.. وهو من المستحيل أن يحدث في أمة عنوانها في الجاهلية حاتم الطائي.. وأبسط عطائها في الإسلام: الزكاة..
وصورة طفل (دافيد كوبرفيلد) التي تصور الطفل ينتقل بين قسوة زوج أمه، وقسوة الناس، وقسوة اللصوص الذين سرقوا ملابسه ونقوده.. هي صورة غريبة عن مجتمعنا وأدبنا..
وليس العيب في هذه القصص أنها تصور مجتمعها.. ولكن العيب يكمن في ترجمتها والاهتمام بنشرها في محيط لا يتقبلها ولا يهضمها.. ولقد اهتم أصحاب مذهب النقد الغربي بترجمة هذه القصص، وإغراق الأسواق بها حرصاً على نقل مفاهيمها وقيمها، ومثلها إلى البيئة العربية، وتطعيم الأدب العربي بها.. بينما هي مما تنفر منه النفس العربية.. والذوق العربي..
ولقد حرص بعض دعاة التغريب إلى ترجمة "اعترافات فتى العصر" لدى موسيه، وهي قصة منصبة على إحياء الإيمان المسيحي في نفوس شباب أوروبا ودعوتهم إلى التشبث بفلسفتها.. وتتلخص فلسفة دي موسيه في عدة أسس، ليس واحد منها متفقاً مع ذاتية الأدب العربي، أو مفاهيم الفكر الإسلامي..
- يقول: ليس لعرض المرأة قيمة مادية ولا معنوية بالنسبة للمجتمع!
- ويقول: إذا شعر المدمن بدوار الخمر، فليملأ كأسه ثانية!
- ويقول: لكي يكون الرجل مؤمناً فليساعد المخطئين بالخطأ!
- ويقول: خير طريق للتخلص من الإلحاد أن يزداد المرء إلحاداً!
وإذا كان (موسيه) يقول هذا لشباب فرنسا في تلك الفترة التي نشر فيها قصته متصوراً أنه دواء ناجع لداء العصر.. فإن هذا لا يحقق شيئاً للمجتمع العربي اليوم.. وإنما يقف وراء مثل ترجمة هذه القصص دعاة التبشير، والغزو الثقافي، والنفوذ الأجنبي..
الأدب المهجري
مقياس أصالة أي لون من ألوان الأدب، هو اقترابه من مقومات الأمة وقيمها، واتصاله بذاتيتها ومزاجها النفسي.. فما موقف الأدب المهجري من هذه القاعدة؟ هل هو لون أصيل يمثل النفس العربية، ويصدر عنها ويعبر عن مشاعرها، ويلتمس خلفيته من قيمها وجوهرها؟
الواقع أن أدباء المهجر الثلاثة الكبار: جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وأمين الريحاني، هم القادرون على الإجابة عن هذا السؤال.
لقد اعتمد الأدب المهجري على عناصر ثلاثة:
أولاً: الحملة العنيفة على اللغة والدين ومقومات المجتمع العربي.
ثانياً: استمد المهجريون أسلوبهم من الشعر المنثور الأمريكي الذي يمثله "وايتمان" واستمدوا مفاهيمهم من (نيتشه) ومذهب (وحدة الوجود) و (اللاأدرية).
ثالثاً: الثورة على الألوهية، والإفراط في الإباحة، وإدخالها مرحلة التصوف.. ومهاجمة القيم الأخلاقية في الحب والزواج..
رابعاً: حاولوا تغيير قيم الأدب العربي بإدخال أسلوب جديد مستغرب، يصادم قيم البلاغة العربية، ويعلي عليه صيغة التوراة.. والمجاز الغربي.
خامساً: تغليب النظرة العالمية، المغرقة في الأممية والتبعية على النزعة القومية المناضلة في سبيل الحرية والقوة.
سادساً: الإسراف في الجانب الرومانسي.. المليء بالظلال، والحالم المهموم الرمزي المغرق في العاطفة والخيال.. المضاد لطابع النفس العربية الجادة العقلانية..
ويمكن القول إن المدرسة المهجرية الشمالية كانت ثمرة من ثمار الإرساليات التبشيرية التي وردت لبنان، وسيطرت على وجوه التعليم والثقافة فيه.. ثم كان لهذه الثمار اتصالها بالمدارس الغربية، وخاصة في مدينة بوسطن التي اتخذها المهجريون مقراً لهم.. وهي من قديم مقر الإرساليات التبشيرية في الولايات المتحدة، فلما صدرت عن أدبها الجديد.. تلقفته أيدي دعاة الغزو الثقافي، وعملت على إذاعته والدعوة إليه بوصفه لوناً جديداً من ألوان الأدب العربي، المتسم بالعنصرية والجرأة، وذلك في مواجهة المدرسة العربية الأصيلة التي كان يقودها المنفلوطي وغيره من الأدباء..
والواقع أن الأدب المهجري، إنما يمثل صرخة الغريب المهاجر، الأثير لقيم الغرب وفنون أدبه، وليس فيه طابع العربي المؤمن بوطنه وقيمه..
كما اتسم الأدب المهجري بطابع القلق والتمرد، والتحرر من قواعد اللغة العربية، ومن قيم المجتمع والتقليد المغرق للآداب الأجنبية، والمتأثر بالحملة الأجنبية، القائمة على الكناية والاستعارة والموسيقى والخيال والرمزية ولعلّ أصدق ما يمثله الأدب المهجري ما كتبه (جبران خليل جبران) نفسه عام 1919 بعد أربعة عشر عاماً من بدء كتاباته عام 1905 -قال في خطاب إلى أميل زيدان.. إن فكري لم يثمر غير الحصرم، "وشبكتي ما برحت مغمورة بالماء"..
ومن الحق أن أسلوب جبران قد بهر كثيراً من الشباب، وسرى سريان النار في الهشيم.. ولكن سرعان ما انطفأ وفقد أثره.. وذلك لمصادمته للنفس العربية، ومعارضته لمنهجها وتضاربه مع مزاجها النفسي والاجتماعي..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1328  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 48 من 49
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.