شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أبنَاء الأفَاعي
الأستاذ سعد جمعة
مؤلف هذا الكتاب القيم سياسي عربي مرموق مارس السلطة في بلاده في فترة من أحرج الفترات.. وكان له دوره البارز في المعركة.. وهو في كتابه هذا النابض يطالعنا بآرائه في أكثر من ناحية من نواحي كفاح الأمة العربية والإسلامية اليوم وهي تواجه معركتها الكبرى مع الصهيونية والاستعمار.
مع الأستاذ سعد جمعة، رئيس وزراء الأردن الأسبق وفي كتابه هذا الفريد سوف نطالع خلاصة تجارب رجل من رجال النضال.. ومن رجال الحكم في نفس الوقت، ومن هنا تظهر أهمية ما اشتمل عليه الكتاب من آراء سديدة وحقائق ومعلومات قلّ أن نصادفها في كتاب آخر.
لقد كان مخطط الصهيونية العالمية منذ استشرى أمرها، يقوم على سبب محدد واضح، لا لبس فيه ولا غموض، يتلخص في كلمتين: التجمع والاقتحام، ولذا كان "تكتيكهم" الذي يمارسونه خطوة وراء خطوة، كلما جمعوا أمرهم لقفزة جديدة، هو افتعال المعارك في الظرف المناسب للاقتحام والتوسع.
والظرف المناسب كان وما يزال فترة تمزق الصف العربي.. وانشغال العرب بتناقضاتهم الداخلية عن الخطر الجائح. الذي يستهدف بقاءهم كأمة.. ووجودهم كحضارة، والتناقضات بين الأنظمة العربية التي نمت وربت، منذ تقسيم التركة التركية بين الحلفاء في أعقاب الحرب العالمية الأولى وغذتها المؤامرة الضارية ضد الحضارة العربية الإسلامية، بغية إعداد المناخ الملائم والأرض الخصبة لغرس البذرة الصهيونية في قلب بلادنا، تنفيذاً للمخطط الجهنمي في حماية أوروبا من وحدة دول الشرق الأوسط، ووفاء بوعود الدول الاستعمارية الصهيونية العالمية بإقطاعها أرضاً عربية بعد اقتلاع أهلها منها. والقذف بهم في متاهات الضياع، في أبشع وأقذر مؤامرة عرفها التاريخ..
وكانت تلك المتناقضات، تبرز في صور شتى مع بقاء المضمون الواحد..
ومن الظواهر الغريبة أن الأنظمة العربية، ما انطوى منها وما استجد منذ سنة 1948 إلى سنة 1967 تاهت في دوامة تلك التناقضات المفتعلة المجلوبة المصنوعة في دوائر الإمبرالية ودهاليز الصهيونية.. حتى لقد كان بعضها ينظر إلى بعضها الآخر قولاً وممارسة "نظرة عداء أزلي" وينظر إلى إسرائيل نظرة تعاطف على أساس المذهبيات الوافدة التي ترى أن المعركة الأساسية في المنطقة هي المعركة بين ما يسمونه التقدمية وما يسمونه الرجعية.. سواء أكانت هذه أو تلك عربية أو إسرائيلية، وإن انتصار العقائديات الهدامة في الشرق الأوسط منوط بالتفاهم بين "البروليتاريا" العربية وبين شقيقتها الإسرائيلية، في وجه الرجعية التي تحول دون وحدة القوى التقدمية!
وقد ساعدت الانحرافات بين العرب والتنكر لتراثهم وأصولهم الحضارية، وينابيعهم الروحية على تصعيد تلك النظرية بأقلام عربية لتحويل القلق إلى ضياع، والتوتر إلى استخذاء في غياب المسؤولية، وغياب العقل والمنطق، وغياب الثقة والشرف والضمير.. بسبب تجهيل المواطن وتضليله وسلخه عن إيمانه بربه وأرضه ومقدساته.. حتى تمت لهم تعريته من كل أسلحته، وفي وجه الهجوم الشرس الدؤوب..
ولذا رأينا الساحات العربية تصخب وتضج بدعاة المصالحة والاستسلام، بل التآخي والتعاون بين الجماهير العربية والجماهير الإسرائيلية في نطاق وحدة النضال البروليتاري، ضد البرجوازية والرجعية والتخلف والإقطاع.. وهدفها الوحيد من كل ذلك هو القضاء على مقومات الأمة، وقيمها الروحية، وتدمير أمضى أسلحتها وهو الإيمان..
وأعتقد مخلصاً، أن الخلل الذي اعترى مسيرتنا يرجع في علله وأسبابه إلى صخب الأقلية الكاذبة وصمت الأكثرية الصادقة.. وإلى تقسيم الجبهة العربية إلى محاور تقدمية ورجعية وبين يسار وبرجوازية صغيرة، وأخرى كبيرة بديلة لوحدة متلاحمة في إبعاد الخطر الذي يهددها جميعاً.. حتى لقد عمينا عن التفكير في جدوى أي ثورة اجتماعية مما يدعون.. طالما أن تلك الثورة وأرضها وسماءها وأبطالها مهددة كل لحظة بالإبادة والتدمير..
إن مناقشات الإيديولوجيات المتصارعة في مياديننا يضيق بها كتاب، غير أني أسرع لأقول لرسل الثورة الاجتماعية ودعاياتها ودعاتها:
إن التقدمي الحقيقي هو المؤمن بالله.. إذ أن من لا دين له.. لا عهد له.. ولا ذمة له.. بل لا شرف له.. وإن نقيض ذلك هو أحط وأبشع صور الرجعية على الإطلاق.. وإن معركتنا الأولى التي تقودنا إلى النصر هي معركتنا مع أنفسنا.. معركة دين أو لا دين.. إيمان أو لا إيمان.. وإن الأمم كالأفراد، إذا مسها قرح فزعت إلى بارئها تستمد منه القوة المعنوية الجبارة لمواجهة مكارهها بالعزم والعلم.. والإرادة والتصميم..
كما وأن الثورة الاجتماعية قد انتهت بمجيء الإسلام، ونحن لو هدانا الله للالتزام بعقيدتنا وشريعتنا كما طبقها أبو بكر وعمر خليفتا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعظم وأعدل تجربة حكم عرفتها الدنيا منذ كانت الدنيا لما أصبحنا أيتاماً على فتات موائد الشرق والغرب، ولما أصابنا هذا الذل الذي نرتع فيه.
والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. ولا يصلح آخر هذه الأمة إلاّ بما صلح به أولها.. وكل ما عدا ذلك هراء فارغ.. ولغو من سقط المتاع.
وحين نقرر أن من لا دين له لا مروءة له.. وأنه لا يكون شرف دون إيمان، ولا يصدق جهاد أو فداء دون عقيدة.. ندرك عمق الهوة التي نغوص فيها.. ونحن لا نطالب أحداً بالتسليم الأعمى.. ذلك أن التصديق المرتجل كالانكسار المفتعل كلاهما ليس بحجة.. إنما الحجة هي مقارعة رأي برأي.. وبرهان ببرهان.. هي في الحق الذي لا يجيء في الباطل مثله.. وما أضر بأمتنا شيء كالإرهاب الفكري الذي يصنع القوالب الجاهزة كما يحلو لذويه.. ويصبها كرهاً في أذهان الناس وعقولهم فمن آمن بها عن جبن أو تخاذل.. أو تزلف أو مماراة انضم إلى ركب الهتافة، وأصبح رقماً في القطيع..
ومن كفر بها عن معرفة ويقين انصب عليه البلاء من كل جانب وانهالت عليه تهم العمالة والخيانة والرجعية وأصبح مصداق الآية الكريمة: هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ (المائدة: 59) وتظل الأكثرية الصامتة -مذبذبة بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء..
الإيمان بالله إذن هو ضرورة حتمية فوق أنه فطرة بشرية لحماية المصير الإنساني من الدمار..
فهو الضابط الأخلاقي للفرد والجماعة.. وهو الوازع الشرعي.. عن الإثم والكبائر يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينظم علاقات الأفراد بالأفراد وعلاقتهم مع المجتمع تنظيماً متناسقاً يقيم التوازن والتكافل والتلاحم.. والمؤمن لا يهادن في دينه.. ولا يساوم على شرفه.. ولا يفرط بحقه.. ولا يرضى الظلم ولا يقبل الهوان.. ذلك أن الحياة عنده برزخ جهاد موصول لقمع شهوات النفس.. ودفع الشر.. ورفض العار..
- والإنسان بلا إيمان يصبح دابة تحكمها الغرائز الحيوانية وتوجهها الضرورات المادية، وكل ما يقال ويزعم بأن ضابط المرء ضميره، هو خدعة الطبع اللئيم، كما وأن القوانين الوضعية إنما تمس وتشرع لقمع المنكر بعد اجتراحه -لا لتغرس في نفس المخلوق المنهج الإلهي الذي يردع بأمر القرآن قبل أن يردع بسيف السلطان.
- ولولا الإيمان بالله، لما قامت حضارات.. ولا استقامت مجتمعات.. والبرهان القاطع على ما نقول ما تتردى فيه البلدان الأوروبية اليوم من فلسفة رفضية صارمة، وفوضى خلقية عامة.. تتحلل من كل وازع، وتتنكر لكل قيمة.. وتفهم الحياة على أنها خبز.. وجنس.. وأفيون!!
- إن تفوق الحضارة الغربية في الإبداع المادي والكشوف العلمية، لا جدوى له ولا طائل وراءه إذا لم يستند إلى خلفيات أخلاقية.. ومثل عليا.. ذلك أن العلم طاقة محايدة يتوقف نفعه وضره على اليد التي تستعمله، فاليد المؤمنة تحيله إلى طاقة خيرة لخدمة الإنسانية.. واليد الفاسقة تحيله إلى قنبلة ذرية تسقط على هيروشيما!!
- إن الحضارة في المفهوم العلمي تقوم على ركنين متوازيين مترابطين: إبداع مادي.. وقيم أخلاقية، ليس يغني أحدهما عن الآخر شيئاً..
ولا يستقيم مسار التقدم البشري إلاّ إذا اجتمعا.. وتعانقا.. وانطلقا من نبع واحد إلى مصب واحد.. والتصور الإسلامي للدنيا والناس، أعلن ذلك وباركه وزكاه وحض عليه، ووضع له المبادئ المشعة.. والقواعد المضيئة الصالحة لكل زمان ومكان.
وليس سبب ما نعانيه هو نقص الإسلام، كما يزعم أعداؤه، بل هو نقص المسلمين من جراء تفريطهم بدينهم وتنكرهم لتراثهم، وجهل علمائهم بحقيقة شريعتهم السمحاء.
- لقد كان هدف الغزو الثقافي إعدادنا للهزيمة، وفق منهج مدروس يسلخنا عن ديننا، ويقتلعنا من أصولنا الحضارية.. وقيمنا الروحية.. ومبادئنا الأخلاقية.. ليسهل افتراسنا واصطنعت المؤامرة لهذا الغرض أحزاباً فينا.. يقومون عنها بالمهمة ويتولون لها كبر الدعوة الملطخة لإقصاء العقيدة عن حركة المواجهة مع إسرائيل والاستعمار، وينفثون فينا سموم الفساد والإلحاد.. حتى لقد أظلنا زمن أصبح القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر.. وحتى لقد أصبح من أخطر أمراض أمتنا "أنصاف المتعلمين" الذين يسهل استدراجهم للعمالة.. فيعتنقون مبادئ لا يفهمونها ويمارسون صناعة لا يحسنونها تؤدي كلها إلى تفسخ الأمة وضياعها بين الصراعات الإيديولوجية ومعارك الشعارات.
- وإذا كانت الدول العربية تحارب الأمية فإن واقعها يقتضيها أن تستدل وتتعرف على "أنصاف المتعلمين!".. الذين يستوردون لنا القاذورات الفكرية، من "مزابل الغرب" ومستنقعاته تحت ستار "العلمانية" و "الليبرالية" وحرية الفكر.
- يتسول الواحد منهم كتاباً.. أو كتابين عن المذهبيات الرفضية العدمية المصنوعة عن سبق قصد وإصرار وتصميم لإلهاء وإفساد مجتمعاتنا الغارقة في الضلالة والجهالة.. ويتصدر فينا ليبيعنا تجارته المسمومة وجهله المفضوح.
- ولقد -والله- نجحت المؤامرة الثقافية بقدر ما نجحت المؤامرة السياسية.. في غزو عقول مفكرينا حتى ليخجل الواحد منهم من دينه وكأنه وصمة عار.. فإذا جاء ذكر الكارثة على قلمه أو لسانه أورد لك ألف سبب وسبب.. وألف تحليل وتعليل متجنباً الإشارة إلى أمضى سلاح في معركة مصيرنا، وهو: سلاح العقيدة والإيمان خشية الاتهام بالتخلف والرجعية!!
ولست أدعو القارئ هنا إلى مقارنة هذا الفسوق المدمر بما يفعله العدو مقارنة واعية وئيدة.. بل أدعوه للاستماع إلى الندوات الإذاعية والتلفزيونية التي تعقد في إسرائيل كل صباح وكل مساء.. لتؤكد على دور الدين والعقيدة في قيام إسرائيل، وتلاحم المجتمع الإسرائيلي.
المؤامرة والغزو الفكري
يهدف البعض منا في كل مناسبة، أن معركتنا مع إسرائيل هي: معركة حضارية..
ونقول نحن لهم: قلنا وصدقنا.. صحيح أنها معركة حضارية.. ولكن دعونا نتفق أولاً على تعريف محدد للحضارة كما يفهمها الناس..
لقد أوضحنا في فصل سابق أن الحضارة -أي حضارة أغنت الإنسانية- قامت دائماً وأبداً على العلم والإيمان.. الإبداع المادي من جهة، والقيم الروحية من جهة أخرى، وقد وعت إسرائيل معنى العلم ومعنى الإيمان وتسلحت بكليهما فانتصرت.
وأنكرنا نحن قيمة العلم.. كما أنكرنا نعمة الإيمان فانهزمنا..
وما لم نتسلح بما تسلح به عدونا فلا جدوى من كل تحركاتنا ونشاطاتنا، ولغطنا الفارغ.. وتناقضاتنا المسعورة ومنطق التاريخ يؤكد هذه البديهية.
* * *
ولقد كان هدف المؤامرة الصهيونية الاستعمارية منذ بداية القرن، تقويض معالم الحضارة الإسلامية في نفوس أبنائها، بالتشويه والتزوير والتزييف، فوضعوا لنا البرامج التعليمية التي تشكك المسلم بقوميته وعقيدته، وتجعله مطية للتضليل والتجهيل.. وفريسة للشوائب والشبهات.. وعادت إلينا بعثاتنا العلمية التي أوفدناها إلى الجامعات الغربية محملة بخمائر المذهبيات المنحولة بدل التزود بالمعرفة الصحيحة.. والثقافة المبدعة.. والعلم الخلاّق.. وعادت إلينا لتشارك في معركة الغزو الفكري..
فنشأ فينا ما يسمى بحركة التجديد في الفكر الإسلامي، وقامت الأحزاب المتصارعة تستجدي من الغرب منحل الشعارات.. وتتسول قشور الثقافات.. وتهتم بالحوار المذهبي.. والصراع الأيديولوجي.. والنقاش البيزنطي.. تعويضاً عن اهتمامها بالعلم والتقنية.. وبديلاً عن مبادئ عقيدتها.. وقواعد شريعتها.. ومقومات حضارتها.. وأصبحت دساتير تلك الأحزاب تقوم على أسس ضالة محددة الأهداف واضحة المعالم..
تنظر إلى الإسلام نظرة مشحونة بالكره والأحقاد.. وكأنه وصمة عار.. فالإسلام عندها هو سبب التخلف.. ووحدة الدين لا تصلح أساساً لوحدة سياسية.. ومحمد مصلح سياسي!!
والقرآن صناعته بشرية.. والإسلام دين لا دولة.. والفضائل والقيم والمثل العليا تخضع لناموس التطور.. فليس هناك قيم ثابتة.. بل تتغير مقاييس الخير والشر والرذيلة والفضيلة وفق النواميس الاقتصادية..
- "وهكذا ذهبنا إلى قدرنا نواجه العلم والإيمان.. بلا علم وبلا إيمان.. فكانت هزيمتنا قضاء مقضياً".
ولو شئت أن أقيم الدلالة على أبعاد المؤامرة، وما يدبر لنا علانية وفي الخفاء.. ونحن عما يراد بنا ساهون لاهون.. لملأت المجلدات، لكنني أكتفي بإيراد مثلين لأستاذين من أساتذة مدارسنا الفكرية تصفع حملة الحجة الداحضة فينا الذين يتاجرون بشرف أمتهم ولا يستحون..
يقول المستشرق لورانس براون: "الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وفي قدرته على الإقناع والإخضاع.. وفي حيويته المتجددة على الزمان فهو الصخرة الصلدة في وجه الاستعمار الأوروبي.
وإذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم.. وإذا بقوا متفرقين كانوا بلا قوة وبلا تأثير!!".
ويقول القس "كالهون سيمون": "إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الملونة وتساعدها على التخلص من السيطرة الأوروبية".
ولذا كان التبشير عاملاً مهماً في كسر شوكة هذه الحركة.. فهو يظهر الحضارة الأوروبية في ثوب جذاب!! ويسلب الحركة الإسلامية عنصر القوة والتمركز.
المؤامرة وحرية الإلحاد
أسبقت القول في فصول مضت بأن معركتنا مع إسرائيل هي معركة جهل تجاه إسلام.. وكفر إزاء إيمان!!
والأمثلة على مواقف العدو ومواقفنا في هذا المضمار أكثر من أن تحصى..
وأرجو من القارئ أن يمعن معي النظر فيما سأقوله.. فهو حقاً مذهل رهيب..
1- حينما ذهب "شازار وبن جوريون" إلى لندن للمشاركة في احتفال دفن "تشرشل" صادف الاحتفال يوم سبت.. فأبى الشيخان اللذان جاوزا السبعين، ركوب العربات كغيرهما من الوفود.. بل سارا على الأقدام حفاظاً على شعائرهما الدينية.. التي تحرم استخدام وسائل النقل ذلك اليوم مسافة طويلة تزيد على كيلومترين.. فلم يُتهما بالرجعية.. والتخلف.. بل استحقا احترام المشتركين.. وأثبتا للعالم أن العقيدة مقدمة عندهما على كل شيء!!
2- حينما احتل اليهود القدس في حرب الأيام الستة كان أول من وصل إلى حائط المبكى الحاخام الأكبر ليصلي بالجنود الخاشعين الناحبين.. ووقف "شازار" يبكي ويدس في شقوق الحائط ورقة كتب عليها أمانيه كما تفعل العجائز.. وهتف "أشكول": "اليوم ثأرنا لخيبر..." ومضت الجماهير المنتشية بخمرة النصر الذي صنعناه لها تشتم الإسلام وبني الإسلام!
3- صرح شمويل يوسف عجنون الأديب الإسرائيلي الحائز على جائزة نوبل بأنه يأبى أن يكتب بغير العبرية لأنها لغة الله!! وما يزال يقاوم بضراوة فكرة انسحاب الجيش من الأراضي التي احتلها لأن ذلك مخالف لخرافات التلمود!!
* * *
يقول المؤلف: إذا تتبعت أقوال القادة والمفكرين والفلاسفة اليهود وجدتهم لا يستشهدون إلاّ بكلام أنبيائهم.. ولا تسمعهم مرة واحدة يستشهدون بأقوال "كاسترو" و "جيفارا" و "ماوتسي تونج".
ثم يقول: سمعت بن جوريون يقول في حفل بلوغه سن الخامسة والثمانين: إن الدين هو الذي وحد شمل اليهود.. وحفزهم على بناء دولة صهيون.. الخ.. الخ..
هذه بعض أقوال تحضرني الآن أوردتها في مجال المقارنة بينها.. وبين مواقفنا نحن من تمسكنا بعقيدتنا وإيماننا بالله!
لقد كان الفكر اليساري المستورد الغريب على تراثنا ومعتقداتنا وينابيعنا الفكرية والروحية والخلقية.. هو الصوت الجهير في الساحة العربية قبل معركة 1967 وبالرغم من كل العثرات التي أنهكت قوانا بعد تلك المعركة المذلة ما زال ذلك الصخب المنكر يمزق الصف العربي شر ممزق ويسلخ المواطن من قيمه التراثية وإيمانه بالله.. ليسهل للعدو افتراسنا بعد عزلنا عن مقوماتنا الحقيقية التي هي أمضى أسلحتنا في معركة مصيرنا.
ويتابع المؤلف الحديث في هذا الموضوع إلى أن يقول:
يا أخي القارئ! لعلّك ترى معي بعد هذا الحديث الذي سقته لك أن الصهيونية والاستعمار في معركتهما الضارية ضد حضارتنا وعقيدتنا وبقائنا.. لم تكتف بالغزو العسكري والغزو الفكري.. والغزو الخلقي.. بل هي قد اصطنعت نفراً منا يؤدون عنها المهمة.. ويعدون لها معاول الهدم والتخريب.
أبناء الأفاعي
إن ما أنفثه في هذه الكلمات هو صبابة أمل في قرارة يأس.. هو محنة أوقد علينا نارها ما نراه من ظلم يجر ظلماً.. وفساد يلحق بفساد..
غرضي الدائم.. ويقيني الذي لا يتزعزع أن لا بقاء لنا إذا لم نجعل علاقتنا بهذه الأرض الطيبة -ما بقى لنا وما فقدناه- علاقة وله شغف ومحبة.. فإن المرء لا يعذر عمن يهواه.. وأن لا خير فينا إذا لم نرتفع بأنفسنا في معاناتنا سواء أكانت عامة أم خاصة؟ حكومية أم شعبية.. إلى مستوى الإيمان والقداسة والفناء التام..
إننا بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن نستبسل فتكون لنا فرصة أهل الحق.. وإما أن نسقط في سبيل الكرامة.. وبين هذه وتلك مواقف كثيرة.. فيهوى رجال.. ويسمو رجال.. ويبين في مثار النقع من يجاهد في الله.. ومن يصانع في الطاغوت.
لقد آن لنا أن نعي أن عقيدتنا تقوم على: حماية المصالح العامة من الأمزجة والأهواء.. فمسؤولية المؤمن أن يكشف الحقائق مهما تكن مرة.. فكشف الحقائق أولى بنا وأهدى لنا من التستر على المخزيات!
إن معالجة قضايا المجتمع لا تكون بالهروب من الواقع بل بمواجهته.. لا بمراوغة الناس بل بهدايتهم.. لا جذباً لنفع أو طمعاً في شهرة أو التماساً لمتعة.. أو رغبة في التبجح والاستعلاء!
إن المنحرف والفاسد والفاسق هم وحدهم الذين يخافون كلمة الحق.. خاصة حين يشاء القدر أن يصبح أمثال هؤلاء هم حملة الحجة الكاذبة.. والماضون على منهاج الباطل دون حياء.
إن من نوافل القول.. وبداهته في مثل حالنا ونحن نواجه أشرس هجمة عرفناها في تاريخنا..
إن النظافة والأمانة والكفاءة والإيمان هي أولى الخطوات لإعداد المواطن الصالح والاستعداد للمعارك الآتية..
أليس من المستهجن إننا في مجتمعاتنا العربية لم نفهم للآن كيف نتعظ بالكوارث المستفظعة التي نزلت بساحتنا.. ودمرت حقوقنا؟
الدور الطليعي للطلاب العرب
في ضوء الثورة الطلابية في العالم
يقول المؤلف في محاضرة تحت هذا العنوان ألقيت في مدرجة الجامعة الأردنية ووردت في هذا الكتاب:
الدور الطليعي للطلبة العرب أن يعكسوا آلام أمتهم وآمالها وأن يكونوا نبض المأساة وجذوتها المطهرة.. وأن يمتلئوا يقيناً صارماً بأن لا أمل في النصر ما لم يحتل الإيمان مكانه كعنصر رئيسي في المعركة..
الدور الطليعي للطلبة العرب أن يدركوا أن سلاح المعركة هو العلم والإيمان لا يغني أحدهما عن الآخر شيئاً.. وكلاهما أساس وضروري في مواجهتنا الضارية لإسرائيل ومن هم وراء إسرائيل.
* * *
إن أول ما يجب أن يدركه الشباب العرب أن الإسلام يواجه اليوم بسبب جهل أبنائه وعجز علمائه أشرس حملة واجهها في تاريخه الطويل.
إن الصهيونية استطاعت أن تقتحم معاقل الإيديولوجيات كلها.. ولم يبق صامداً في وجهها غير الإسلام!
جميع الأحزاب اليسارية قامت في الأساس لمحاربة الإسلام!
جميع الحركات القومية وجدت في الأساس لمناهضة الإسلام!
لقد حاولت الصهيوينة والشيوعية والاستعمار منذ مطلع هذا القرن أن تلفق لأهل كل قطر مسلم "قومية وهمية" لتجعل منها فسيفسائية معزولة عن الجامع الذي يؤلف بينها.. وحين لم تنجح تلك الدعوات الإقليمية لجأوا إلى فكرة القومية العربية.. يريدون بها أن تكون بديلاً للإسلام!
إننا من دعاة الوحدة العربية ولسنا من الغفلة بحيث نحسب أن في الإمكان قيام وحدة فورية مرتجلة بين الأقطار الإسلامية.. لكن حين ندعو إلى الوحدة العربية ندعو إليها في إطار الإيمان بضرورة التضامن بين الدول الإسلامية.. ذلك لأننا نعتقد أن الإسلام الصحيح هو ثورة دائمة على الجهل.. وعلى التخلف الحضاري.. والجنوح الفكري.. ثورة على الظلم.. والذل والفساد.. ولذا كان هدف الغزو الفكري والخلقي والثقافي والسياسي في هذه المنطقة إفراغ المواطن العربي من هويته الدينية لإعداده للهزيمة.. وهكذا كان..
فيا أيها الأخوة والأبناء:
إن ما سقته باختصار.. ليس ينبغي له أن يظل في حدود الأحلام والأوهام.. ولا خير فيكم أنتم إذا لم تكسوا هذه الأفكار اللحم وتجروا فيها الدم وتمزجوها بنفوسكم مزجاً عضوياً بحيث تصبح دستور حياتكم لأنها ضمان بقائكم.. ولا يكون مؤمناً صادقاً من يسلم على أرضه ومقدساته في سبيل نزوة عابرة ومتاع إلى حين.
إن الذل قد ساوى بين العرب.. كبيرهم وصغيرهم.. غنيهم وفقيرهم.. صعلوكهم وأميرهم.. حتى اختلط الحابل بالنابل.. إن التاريخ بأسره بكل ما فيه من حقائق وشجون يلتفت صوبكم اليوم ويرنو إليكم. وأنا التفت إليكم بوجهي وبصدري وبكياني كله قائلاً لكم: إن مستقبل الأجيال المقبلة بأسرها أمانة في أعناقكم!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :547  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 39 من 49
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالله بلخير

[شاعر الأصالة.. والملاحم العربية والإسلامية: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج