شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
دكتور محمَّد حسين هيكل
ما من شك في أنه في غنى عن أي تعريف.. يكفي أن نقول عنه: محمد حسين هيكل، السياسي والمؤرخ والأديب، صاحب "حياة محمد" و "في منزل الوحي" و "الصديق أبو بكر" و "الفاروق عمر" وغيرها.
وكتابه هذا هو أحد كتبه التي ظهرت بعد وفاته، وقد ضمنه مباحث في موضوعين أساسيين: أولهما نظام الحكم في الإسلام، وثانيهما الأماكن المقدسة في الشرق الأوسط.
ويقول الأستاذ أحمد محمد حسين هيكل ابن المؤلف في مقدمته للكتاب: "كتب والدي الدكتور هيكل هذه المباحث وأذاعها في سنة 1942، ثم ظلت منذ ذلك الحين مطوية بين أوراقه إلى أن اختاره الله إلى جواره. كما أنه لم يفكر في جمع أو نشر أي من مقالاته ومباحثه العديدة، اللَّهم إلاّ النزر القليل منها".. الخ.
ويتصل موضوع هذه الفصول اتصالاً مباشراً بمرحلة فكرية رئيسية في حياة الدكتور هيكل: تلك مرحلة دراساته الإسلامية التي احتوتها كتبه "حياة محمد" و "في منزل الوحي" و "الصديق أبو بكر" و "الفاروق عمر" التي ظهرت جميعاً في الفترة ما بين سنة 1935 وسنة 1945م.
يتحدث المؤلف في القسم الأول من كتابه عن أسباب قوة الإمبراطورية الإسلامية، بل إنه يصف قيام هذه الإمبراطورية بأنه حادث فذ في تاريخ الإنسانية.. فقد بدأ الغزو العربي للشام والعراق سنة خمس وثلاثين وستمائة لميلاد السيد المسيح، وبعد خمس عشرة سنة من هذا التاريخ كانت الإمبراطورية الإسلامية قد اشتملت على فارس ومصر وشمال أفريقيا، وامتدت إلى حدود الهند وتاخمت الصين.. وقيام إمبراطورية بهذه السعة في هذا الزمن القصير معجزة لذاته، لكن من حوادث التاريخ ما يشبه هذه المعجزة..
وحسبنا أن نشير -يقول الدكتور هيكل- إلى حروب الإسكندر وإلى حروب المغول.. امتدت حروب الإسكندر مشرقة من مقدونيا إلى الهند، وتناولت مصر. وامتدت حروب المغول غرباً من قلب الصين إلى أوروبا.. لكن حروب الإسكندر وحروب المغول لم تكد تنتهي حتى تناثر عقد الإمبراطورية التي نشأت بسلطانها وعادت الدول التي انتظمها الغزاة إلى نظامها الأول.
أما الإمبراطورية الإسلامية التي مدت لواءها في هذا الزمن القصير، على هذا الجانب الكبير من العالم فقد استقرت قروناً امتدت أثناءها إلى الأندلس، وانتشرت في الهند، وأظلت جانباً من الصين، وهي إلى ذلك قد أقامت حضارة سادت شؤون العالم كل هذه القرون، فلما آن للإمبراطورية الإسلامية أن تنحل بقيت هذه الحضارة تناضل عن نفسها وهي اليوم تبعث من جديد..
هذه هي المعجزة حقاً!
وقد حاول كثيرون تأويلها والتماس أسبابها، ولما يبلغوا من ذلك غاية يطمئن الباحث المنصف إليها كل الاطمئنان.. فإذا صح أن كانت عبقرية الإسكندر الحربية سبب فتوحه العظيمة وأن تنسب فتوح جنكيزخان ونابليون إلى مثل هذه العبقرية، فمن العسير أن ينسب قيام الإمبراطورية الإسلامية إلى عبقرية حربية من هذا القبيل!
ويمضي الدكتور هيكل في تحليله هذا.. ثم يقول:
لا بد إذن أن نلتمس لقيام الإمبراطورية الإسلامية ولاستقرارها سبباً غير السبب الذي أقام إمبراطورية الإسكندر وغير الإسكندر من عباقرة الحرب.. وأن نلتمس هذا السبب -أو هذه الأسباب إن شئت تعبيراً أدق- عن طريق التحليل الاجتماعي لحياة العصر الذي قامت الإمبراطورية الإسلامية فيه، والعوامل الظاهرة التي أدت إلى قيام هذه الإمبراطورية واستقرارها.
يذكر المؤرخون أن بعث النبي العربي -صلى الله عليه وسلم- ودعوته هما اللذان أقاما هذه الإمبراطورية، وهذا تعليل صحيح لا ريب، فقيام النبي العربي بالدعوة إلى الإسلام وانضواء جزيرة العرب كلها إلى ولائه، ذلك هو الذي دفع العرب إلى ما وراء حدودهم، وجعلهم يغنمون العراق والشام.. ويغزون الإمبراطوريتين الرومية والفارسية.
استقرت الإمبراطورية الإسلامية قروناً عديدة.. فكيف استقرت كل هذه القرون؟ نعم -يتساءل المؤلف- كيف استقرت؟ ويتساءل: ما بالها لم تهب عليها ريح الفناء التي هبت على إمبراطورية الإسكندر، وعلى إمبراطورية المغول؟
ثم يقول في الإجابة على ذلك: ليس تفصيل هذه الأسباب مستطاعاً في مثل موقفي هذا.. لكني أستطيع أن أجمل هذه الأسباب في سبب واحد، ذلك أن العرب لم يندفعوا إلى الغزو تحركهم مطامع مادية صرفة، بل اندفعوا إليه مؤمنين بأن القدر ألقى عليهم رسالة،. وأوجب عليهم تبليغها للناس كافة لخير الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها.. وهذا الإيمان هو الذي أقام الإمبراطورية وهو الذي أبقاها ما بقيت من القرون، فلما اضمحل هذا الإيمان، بدأ الانحلال يدب في أرجاء الإمبراطورية، يمزقها وينتهي بها إلى مثل ما انتهت إليه الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الفارسية.
لم تكن هذه الرسالة التي آمن العرب بأن القدر ألقى عليهم تبليغها للناس كافة شيئاً آخر غير رسالة الحرية والإخاء والمساواة، في أسمى صورة يدركها العقل لمعاني الحرية والإخاء والمساواة..
فإله الناس إله واحد..
والناس متساوون أمام هذا الإله الواحد، لا فرق بين عربي ولا عجمي إلاّ بالتقوى، وهم إخوة في هذه المساواة يشد بعضهم أزر بعض، وهم مع هذا الإخاء وهذه المساواة أحرار لا سلطان عليهم لغير الله، أما وهذه المبادئ مقدسة، فكل نظام يوضع للجماعة يجب أن يقوم على أساسها..
المبادئ السامية سر القوة..
انتشرت هذه المبادئ في شبه جزيرة العرب لعهد النبي العربي صلى الله عليه وسلم فحطمت في النفس العربية تقاليدها البالية التي أورثتها إياها عبادة الأصنام، وردت إليها هذه الحرية الروحية العزيزة على نفس العربي، فاندفع إلى الشام وإلى العراق مؤمناً بها، وهناك على ضفاف دجلة والفرات، وعلى ضفاف بردى، وبين جبال لبنان الرفيعة لقي العرب نظاماً اجتماعياً، ونظاماً سياسياً بلغا من الهرم والانحلال مبلغاً صرف الناس عن التحمس لهما والدفاع عنهما، لذلك لم تحرك فرق الجند من الفرس ومن الروم فكرة تدافع عنها في قتالها للعرب.
فلما استقر المسلمون في البلاد التي فتحوها، أقروا هذه المبادئ السامية بين أهلها.. جعلوا التسامح الديني أساس حكمهم حيثما نزلوا، فلم يكرهوا أحداً من أهل البلاد المفتوحة على الإسلام.. وأباحوا للناس من ألوان الحرية ما كان معروفاً في ذلك العهد.. واحترموا شعائر الجميع وعقائدهم وجعلوا العدل بين المسلم وغير المسلم أساس الحكم..
فلما رأى الناس ذلك، ورأوا المسلمين أنفسهم يستمتعون من ألوان الحرية العقلية والحرية العامة، بما لم يكن له وجود من قبل في بلاد الروم ولا في بلاد العرب، كان ذلك داعياً لهم إلى الدخول في الدين الجديد، والتمتع بما قرره من مبادئ الحرية والإخاء والمساواة.
وقد كان للحرية العقلية ولحرية الرأي من القدسية ما يشهد به اجتهاد المشترعين والفقهاء في القرون الأولى.. ظلت الإمبراطورية الإسلامية قائمة قوية ما جعلت هذه الرسالة الإنسانية السامية غايتها.. ولقد كانت موشكة أن تنشئ على أساس من هذه الرسالة دولة عالمية تنتظم أمم ذلك العهد جميعاً، لكن دورة الفلك دارت فإذا الحرية انقلبت جموداً، وإذا الإخاء والمساواة يذبلان أمام سلطان الباطشين!
عند ذلك بدأ تدهور الإمبراطورية وانحلالها.. ولم يكن ذلك عجباً.. ولحياة الإنسانية فكرة ورسالة.. والحياة الإنسانية القائمة على الفكرة مثمرة دائماً موجهة أبناءها جميعاً إلى ألوان من النشاط تزيدها قوة وتدفع إليها كل يوم حيوية جديدة!
فإذا أنطفأ نور الفكرة لم يبق للرسالة وجود.. وآن للحياة الإنسانية أن يتوارى كل ما فيها من ضياء، فلا يبقى منها إلاّ المظهر المادي، أو المظهر الحيواني للوجود! ولا قيام لإمبراطورية على أساس من المادة.. ولذلك انحلت الإمبراطورية الإسلامية لأن الرسالة التي آمن بها المسلمون الأولون توارت وراء الحجب!
أفقدر لها أن تبعث من جديد؟ ذلك ما أعتقده، وعلمه عند ربي!
المبادئ الأساسية في الحكم
إن القواعد الجديدة التي جاء بها الإسلام لتنظيم السلوك والمعاملات، كانت مقدمة لتنظيم سياسي لا مفر من استقراره.. وقد اطمأنت قواعده بالفعل شيئاً فشيئاً، متأثرة بالبيئة وأحداث التاريخ، وفي مقدمة القواعد التي تأثر بها النظام السياسي للإسلام: الإيمان بإله لا إله إلاّ هو، وبأنه وحده تجب له العبادة.. فقد أدى هذا الإيمان إلى تقرير قواعد المساواة والإخاء والحرية، فالمؤمنون جميعاً سواسية أمام الله، تجري عليهم جميعاً سننه بالقسط لا تفرق بين أحد وصاحبه ولا فضل لعربي منهم على عجمي إلاّ بالتقوى، وهم لذلك إنما يجزون بأعمالهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.. والناس إخوان يجب أن تقوم المحبة بينهم مقام القانون، فلا يكمل إيمان أحدهم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والناس أحرار في كل شيء..
كانت هذه هي المبادئ الأساسية في الحكم في العهد الإسلامي الأول، وكانت لذلك واضحة الأثر في تطور نظام الحكم في بلاد العرب تطوراً بدا للعيان إثر حروب الردة.. وقد أكملت القواعد الاقتصادية والاجتماعية هذه المبادئ.. وأسرعت بالنظام الإسلامي إلى أن تنضج صورته، وأن يستقر..
ويمضي المؤلف بعد وصفه هذا للصورة التي استقر عليها نظام الحكم الإسلامي في الصدر الأول.. فيصف ما أعقب ذلك من أحداث، وما تخلل هذه الأحداث من عوامل أجنبية مختلفة كان لها معظم الأثر في ما وقع من تفكك واختلاف، وطبيعي أن ينشأ من ذلك أن تتغير تلك الصورة المثالية لنظام الحكم الإسلامي!
أثر الحضارة الغربية!
ثم يقول: ظل الأمر كذلك حتى بدأت الحضارة الغربية تظلل العالم بنفوذها، وتوقظ الراقدين من سباتهم، وكان ذلك منذ النصف الأخير للقرن الثامن عشر المسيحي.. ومن يومئذ بدأت الأمم الإسلامية تفيق شيئاً فشيئاً، وينظر حكماؤها ومفكروها في ما آل إليه أمرها.. أحق أنها هوت إلى المنحدر الذي هوت إليه بسبب عقائدها، أم بسبب نظام الحكم فيها؟
هذه أمور تناولها أولئك الحكماء والمفكرون بالبحث والنظر، وفيما كانوا ينظرون كان غزو الحضارة الجديدة يسير بأسرع من تفكيرهم ومن نظرهم، وكانت نظم الحكم الغربية تنتقل مع هذا الغزو إلى الأمم الإسلامية المختلفة، وكان من المسلمين من يقول إن هذه النظم التي كفلت سبق الأمم إلى مضمار الحضارة هي وحدها التي تتفق مع روح الإسلام وقوائم تعاليمه..
على أن أحداً من فقهاء المسلمين في العصر الحديث لم يتجه نظره إلى تصوير الفكرة الإسلامية في الحكم تصويراً كاملاً، وتطبيق هذا التصوير على الأمم الإسلامية في هذا الزمن الذي نعيش فيه.
مبادئ أساسية في الحكم الإسلامي
إن الإسلام لم يضع للحكم نظاماً مفصلاً، ولكنه وضع قواعد للسلوك في الحياة وللمعاملات بين الناس كانت مقدمة لنظام للحكم تطور على الزمان.. وتأثر أثناء تطوره بعوامل إسلامية أخرى خارجية، تباينت ومبادئ الإسلام في بعض الأحيان أشد التباين، وهذا الوضع الشاذ هو الذي أدى إلى تدهور الأمم الإسلامية بعد قرون معدودة من انتشار الحضارة الإسلامية في ربوع كثيرة من العالم..
ولئن لم يضع الإسلام للحكم نظاماً مفصلاً فقد وضع مبادئ أساسية لحضارة الإنسانية.. والأساس الإسلامي للحضارة الإنسانية روحي، وعلى هذا الأساس الروحي يجب أن ينظم الإنسان سلوكه في الحياة على مبادئ الأخوة والمحبة والبر والتقوى وعلى أساس هذه المبادئ يجب أن ينظم الحياة الاقتصادية للجماعة الإنسانية.
وعلى هذا النمط من التحليل والتركيز يتابع المؤلف حديثه في هذا الموضوع.
ثم يمضي إلى القسم الثاني من كتابه حيث يتناول حديثه الأماكن الدينية المقدسة في الشرق الأوسط فيعرض لها في إسهاب مفيد من ناحيتها التاريخية البحتة، وقد تحدث في فصل من فصول هذا القسم عن الأماكن المقدسة الإسلامية: الكعبة المشرفة فالمسجد الحرام ومشاعر الحج، ثم المسجد النبوي وأخيراً المسجد الأقصى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :988  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 29 من 49
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج