شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذة الدكتورة أولريكا فرايتاج))
سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه، سعادة السيدة دلال ضياء، الأساتذة والزملاء الكرام، سيداتي وسادتي..
أخجلتموني بهذه الكلمات الجميلة جداً، وأتمنى أن يتحقق في المستقبل بعض ما تحدثتم به من أوجه التعاون، وأن أفرغ من كل هذه المشاريع الكبيرة، لكني أشعر بأنني ما زلت في بداية هذا المشروع لا في نهايته. ربما تتساءلون ما الذي يدفع بألمانية أن تأتي إلى جدة وتدرس التاريخ؟ سأشرح لكم: تخصصي هو التاريخ، لذا تعلمت اللغة العربية بداية، وكان أستاذي فلسطينياً وهو من أعطاني حب هذه اللغة الجميلة، فشكراً له لأنه لفت نظري إلى الاهتمام بالتاريخ العربي العميق. هناك كثير من الصدف التي دفعتني لدراسة تاريخ جدة، لأني بدأت -كما تفضل دكتور أبو بكر باقادر- بدراسة تاريخ سوريا، وهذا أيضاً كان نتيجة لصدفة: إذ كانت توجد منح دراسية، وتعرفون أن الطلاب من الفقراء في كل البلدان ينتهزون هذه المنح الدراسية، وكانت آنذاك في دمشق، فدرست كتابة التاريخ السوري واستمتعت به جداً، وتعلمت كثيراً في جامعة دمشق التي درست فيها سنة كاملة، وبعد انتهائي من الماجستير والدكتوراه كنت أبحث عن مشروع بحث جديد، وخلال دراستي للدكتوراه زرت اليمن لمرات عديدة، إحداها كانت في العام 1990 سنة الوحدة اليمنية والألمانية، وكان اليمنيون فخورين جداً بتحقق وحدتهم قبل الألمان، فهذه الوحدة أتاحت للمؤرخ الذي جاء من غرب أوروبا، فرصاً جديدة ليست فقط لليمن الشمالي وإنما أيضاً لليمن الجنوبي، وكانت دور الوثائق الجنوبية تفتح تقريباً لأول مرة للباحثين القادمين من الغرب، فلذلك بدأت أقرأ في تاريخ اليمن الجنوبي، وبالفعل أحببت تاريخ حضرموت بسبب الهجرة الحضرمية إلى كل أنحاء العالم وربما توافق هذا مع حبي للاطلاع وللسفر، وأيضاً مع حبي للتعايش بين الشعوب، ورأيت في الهجرات الحضرمية وتأقلمهم في بلدان من سواحل أفريقيا الشرقية إلى سواحل أقصى الهند، رأيت فيها نموذجاً للحياة النموذجية، لهذا صرت أبحث في هذا التاريخ وبالفعل ألّفت حوله كتابين. ومن خلال دراسة الهجرة الحضرمية، أرسلني الحضارمة أنفسهم من حضرموت ومن سنغافورة ومن جاكرتا وسوربايا إلى جدة لأنهم قالوا إنهم اشتكوا من قلة وثائقهم التاريخية، لكن الحضارمة في الحجاز وخصوصاً في مكة والمدينة وجدة هم من يحفظون التراث الحضرمي، لذا فكرت في الرحلة إلى جدة والبحث فيها، ربما يكون مشروعاً خيالياً، ولكن د. أبو بكر ساعدني في تحقيق هذا الحلم، وهو والأستاذ الفاضل سلطان غالب القايدي وعائلتهما ساعدوني في الدخول إلى المجتمع الحضرمي أولاً، وحينما أتيت مرة ثانية وثالثة إلى المجتمع الجداوي تواصلت بعدها الشبكة والاتصالات، وهنا لا أستطيع أن أذكر كل الأسماء ومنهم من يوجد بيننا الآن.
فلماذا انتقلت من دراسة حضرموت إلى جدة؟ أول قدومي إلى جدة لم تكن لدي توقعات كبيرة، كانت لدي صورة عادية يعرفها أكثرية الأجانب الأوروبيين وربما حتى العرب عن المملكة العربية السعودية، وهي أنها تتكون من النفط والرمل، ولم أكن أعرف الكثير عن عمق تاريخ للمملكة العربية السعودية، لاسيما منطقة الحجاز عموماً ومدينة جدة تحديداً، فربما تأثرت كثيراً بحماسة المهندس سامي نوار بالبلد القديم -الذي زرناه خلال تلك الزيارة- وبكلامه عن تاريخ هذه المدينة، وهو نجح في تحويل اهتمامي من الحضارمة إلى المدينة، ومن المهاجرين إلى المستوطنين في مدينة معينة وهي جدة، ولكن في ذلك الوقت وقد انتقلت من لندن إلى برلين، لم يكن البحث في المملكة العربية السعودية واضحاً للغربيين وللأجانب بشكل عام، ولحسن الحظ، عقد في عام 2005 مؤتمر في الرياض عن التعاون الأكاديمي بين المملكة العربية السعودية وبين ألمانيا، وكنت محظوظة بالمشاركة في هذه الندوة، وكان مركز الملك فيصل هو الجهة المسؤولة عن الجانب السعودي، وعن طريق هذا المركز، نجحت في الحصول على إجازة الزيارة لأكثر من أربع مرات، ثم صار لي اتصال بجامعة عفت وتسهلت الأمور كثيراً بعدها. قبل أن أتحدث أكثر عن مشروعي للبحث عن مدينة جدة، أريد فقط الرجوع إلى هذا الكتاب الذي تفضلتم بذكره عن المملكة العربية السعودية؛ ليس لأنني من قام بتأليف الكتاب فحسب، وإنما لأنه كان مبادرة طلابية من الطلاب الذين جاؤوا بدعوة من وزارة التعليم العالي في السنة الأولى، وفي السنة التي تلتها جاؤوا بدعوة من الأميرة لؤلؤة الفيصل وجامعة عفت، وكثير من الطلاب لم يأتوا لزيارة واحدة فحسب بل لزيارتين أو أكثر، فبعضهم عمل بالشركات الألمانية أو بالقنصلية الألمانية ولذلك نجحوا في التعمق المعرفي بالمملكة واثنان منهم درسا في جامعة الملك عبد العزيز، وكانت تجربة جميلة، وهما الآن في المرحلة النهائية في بحث الماجستير، فأتمنى بالفعل لا أن تزداد أعداد الطلاب الألمان في المملكة فحسب، وإنما أيضاً العكس، أن يأتي الطلاب العرب إلى الجامعة الحرة ببرلين أو مركز الدراسات الشرقية الحديث، أن يساعدوا في هذا الأمر وهذا يسرني جداً.. أعتقد أن هذا هو المهم في هذا الكتاب. الآن أتكلم قليلاً عن مشروعي الشخصي عن مدينة جدة، وأطلب الإذن من الأستاذ عبد الله مناع لأقول إني لم أكمل هذا المشروع بعد، ولدي فقط بعض المقالات الضعيفة ربما عن تاريخ مدينة جدة، لكني أتمنى أن أكمل هذا المشروع مستقبلاً.. لقد لفت نظري كما ذكرت جمال عروسة البحر الأحمر من ناحية، وأفرح جداً أنها اقترحت لتكون تراثاً عالمياً، وأتمنى أن تنجح جدة في هذا، لكن ما لفت نظري أيضاً إلى مدينة جدة هو تاريخ هذه المدينة الجميلة وبالذات مسألة التسامح والتعايش السلمي بين الشعوب والأجناس، وهذا هو المهم على ما أعتقد في تاريخ مدينة جدة، وقد سمعت من الكثيرين من الناس الذين التقيتهم خلال زياراتي إلى جدة أن هذه الظاهرة أيضاً موجودة بمكة المكرمة والمدينة المنورة، لكنني كأجنبية لا أستطيع عمل دراسة عن هاتين المدينتين، وأترك الأمر لأبناء هذا البلد الجميل.. وأعتقد أيضاً أن موقع جدة على البحر له تأثير على هذا التسامح الخاص، والجدير بالذكر، أنه كان يوجد بالعالم الإسلامي مفهوم لهذا التعايش السلمي الذي لم يوجد في المسيحية في العصور الوسطى، وقد بدأ في أوروبا فقط قبل مائتي عام، ولكن من ناحية أخرى مختلفة عن المفهوم للتعايش السلمي بين الشعوب وبين الأديان، كانت هنالك فوارق بين المدن في تعاملها مع الرحالة، والجدير بالذكر في هذا المجال، ملاحظات الرحالة الألماني كاستين نيبو الذي زار جدة عام 1175هـ. هذه صور لبعض الطلاب الذين زاروا جدة وقصر خزام، وهذه صورة قديمة لجدة، وهذا هو كاستين نيبو الرحالة الذي سأتكلم عنه، فهو جاء عن طريق القاهرة، وعن طريق السويس وينبع، وكانت له تجارب سيئة في هاتين المدينتين، وقال: لم نكن نخاف من سكان أي مدينة مثلما كنا نخاف من سكان مدينة جدة، بسبب الكراهية التي واجهتنا في مصر، ولذلك كنا نعتقد أن غضب المسلمين على المسيحيين يزداد طرداً مع اقترابهم من المدن المقدسة، لكنه اندهش واكتشف أنه كان مخطئاً."كنا نزور في جدة -يكتب- الأسواق والمقاهي ونتجول على ساحل البحر من دون أي إزعاج، وكنت مندهشاً جداً من هذه الظاهرة". يتابع القول: يريد عامة الناس من الأجنبي أن لا يقترب من باب مكة (لأن مكة يمنع دخولها لغير المسلمين)، فكان من العادي أن نحترم هذا الكلام، ثم يعطينا صورة جميلة عن مدينة جدة في ذلك الوقت، قبل مائتي عام، طبعاً كانت الانطباعات تختلف من رحالة إلى آخر، وكانت تختلف أيضاً حسب الأوقات التي أتوا فيها والظروف السياسية، إلا أنني أعتقد أن الأحداث السياسية خلال القرن الثالث عشر الهجري هي التي أدت إلى تغير الأوضاع وأثرت على هذا التعايش السلمي، ولكني قبل أن أتابع الحديث حول التطورات السياسية اسمحوا لي أن أذكر بعض الأمور عن تاريخ جدة، والتي يمكن استخراجها من الخرائط العثمانية ومن تقارير الرحالة، وأنا هنا أتحدث عن تاريخ جدة الحديث فقط، وليس عن تاريخها البعيد الذي ربما يعود إلى ما قبل الإسلام. كان لمدينة جدة دوران مهمان في التاريخ: الأول هو أهمية المدينة بالنسبة للحج، وهذه الصورة تظهر وصول المحمل إلى المدينة قديماً، وهذا الدور موجود حتى الآن، عن طريق الميناء وأيضاً عن طريق المطار في هذه الأيام. والدور الثاني لمدينة جدة هو وضعها (كميناء) كصلة وصل بين المحيط الهندي وكل البلدان المطلة عليه، وبين البحر المتوسط والدولة العثمانية وأوروبا من جهة أخرى؛ فدور جدة قبل ظهور البواخر تأثر بالرياح لأن السفن كانت تغير اتجاهاتها بسببها، ولذلك فالسفن الكبيرة تصل إليها وتنقل البضائع إلى سفن أصغر ميناء جدة من مشكلتين كبيرتين: الأولى هي الماء، وقد كانت الصهاريج تساعد قديماً في حل هذه المشكلة، والمشكلة الثانية هي الشعاب المرجانية التي كانت قبل الميناء، فتغيرت أهمية مدينة جدة خلال الأزمنة، حتى في العهد الإسلامي يتحدث بعض الرحالين كيف أن المدينة كانت كبيرة ومهمة وأكبر مدينة بعد مكة المكرمة، وبعضهم الآخر -مثل ابن بطوطة- يقولون إنها كانت صغيرة جداً، وهذا تبعاً للظروف السياسية السائدة في ذلك الوقت. حين ننظر إلى سكان جدة فإن ما يلاحظه حتى الآن أي زائر لهذه المدينة هو التعدد السكاني، وهذا يراه البعض منفعة ويراه الآخرون نقصاناً، وأنا أعتقد أن هذه التعددية السكانية هي التي كونت الشخصية الخاصة لهذه المدينة وهي التي سمحت بالتعايش السلمي بين سكانها. ومن الملاحظ أيضاً، حين نقارنها بالمدن الشامية مثلاً، أن السكان لا يسكنون بحسب الأجناس والأديان كما كان عليه الأمر في مدن بلاد الشام على سبيل المثال، وهذا ربما بسبب الحج وقلة الفوارق بين من عبروا جدة إلى مكة وبين من استوطنها، لأن كثيراً ممن قدموا إليها كانوا يتجهون إلى مكة، ولكنهم استوطنوا لسبب من الأسباب في جدة نفسها. من تقارير الرحالين تعتبر العلاقة بين الأجناس عادة ذات شكل جيد، لكننا حين ندرس هذه الصور التاريخية في نهاية القرن التاسع عشر، نرى فارقاً ملحوظاً بين الموظفين العثمانيين -وقد كانت جدة ولاية من الولايات العثمانية- وبين السكان الأصليين أو العرب؛ فالموظفون العثمانيون كانوا يرتدون اللباس الأوروبي، والصورة السفلى على اليمين تظهر الوالي العثماني مع الجالية الأوروبية من القناصل.. وفي أعلى اليمين، الوكلاء باللباس العربي الحديث، وهذا يبين الفارق الحضاري بين العثمانيين والعرب. الموظفون العثمانيون هم ممثلو دولة جابية للضرائب بعسكرها أما مشاكلها فمثل المشاكل التي توجد بأي مكان، من هذه الجهة، حين أتحدث عن التعايش، ربما خصوصية جدة بالمقارنة بالمدن العثمانية الأخرى، هي قلة الجالية غير المسلمة، وهذا لقربها من المدن المقدسة، ما يؤدي إلى منع وجود المسيحيين في فترات معينة، وذلك قد انتهى مع حكم محمد علي قبل قرنين تقريباً، إذ بدأت الجاليات الأوروبية تزداد خلال هذه الفترة؛ فجاء ممثل شركة الهند الشرقية عام 1246 (والأول كان عراقياً) في العام 1253 جاء أول إنجليزي وأقام في مدينة جدة، وجاء بعده القنصل الفرنسي، وفي بداية القرن الرابع عشر كانت هنالك سبع قنصليات أوروبية وقنصلية فارسية، وهي القنصلية الشرقية الأولى التي وجدت بجدة. ومن المطلوب دراسة الوثائق الإيرانية التي توجد بطهران من قبل أحد المتخصصين وهذا فصل شيق من تاريخ المدينة. كانت توجد بجدة جالية أفريقية وهي مكونة من عدة أجناس من بينهم التكارنة الذين جاؤوا من غرب أفريقيا؛ بعضهم أتى للحج، وبعضهم فر من التوسع الإمبريالي الفرنسي في أفريقيا، جنوب الصحراء، فكثير منهم استوطنوا داخل المدينة القديمة وبعضهم خارجها في العشش كما هو موضح في هذه الصورة.
أين استوطن الحجاج؟ كانوا يستوطنون في عدة مناطق: في الوكالات والبيوت، على الدكك والمقاهي، وبعض الرحالين شرح كيف كانوا ينامون في مثل هذه المقاهي في أوقات الحج.
بالنسبة للخرائط العثمانية فهي تدل على بعض الظواهر الشيقة حينما نفكر في التاريخ العمراني لمدينة جدة. ها هي خريطة للرحالة كستيبو الذي تحدثت عنه من قبل. الشمال في هذه الخريطة يقع في الأسفل، أما الجنوب فهو فوق، والبحر منعكس قليلاً. تبين هذه الخريطة أن عدد البيوت المغربية محدودة، وهي البيوت الكبيرة التي توجد على البحر، وأن أكثرية المنازل بجدة في ذلك الزمان الذي كان يشهد توترات سياسية كانت من العشش الصغيرة. أتأسف لعدم جودة هذه الصورة، ولكن هذه الخريطة العثمانية شيقة من ناحيتين، الأولى: أنها توضح كيف أخذ العثمانيون جزءاً من البحر وبنوا فيه، وهذه دلالة على ظهور التطور الحديث للمدينة في العهد العثماني وهذه ليست ظاهرة حديثة جداً، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهي تدل على عادة بناء الأبنية الرسمية في البحر كما تدل على تطوير شمال مدينة جدة، وبالذات حارة الشام التي تعتبر من أحدث حارات المدينة القديمة، وهذا لعدة أسباب، منها عدم وجود البيوت فيها، إذ كان هناك مكان كافٍ للبيوت الكبيرة والفاخرة، وربما بعامل من الرياح الشمالية الجالبة للبرودة يجعلها مفضلة للبناء، وأيضاً وجود الثكنة العثمانية التي بنيت في عهد محمد علي باشا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، ووجود موقع الوالي العثماني، فلذلك انتقلت ليس فقط البيوت التجارية الكبيرة إلى حارة الشام ولكن أيضاً القنصليات الأجنبية، وهذا بسبب الأمن.
حين أتحدث عن التسامح والتعايش، لا بد من ذكر التوترات والمشاكل التي حدثت مثل أحداث عام 1274، وأتمنى أن يكون هذا التاريخ صحيحاً، لأنني أخذته من الحاسوب.. حينما قتل اثنان وعشرون من المسيحيين والقناصل في مدينة جدة، كيف لي أن أتحدث عن التسامح ويحدث مثل هذا؟ لكني أقول إن هذه الأحداث هي نتيجة التطورات السياسية المحلية والدولية خلال القرن الثالث عشر. إن الأحداث المحلية جاءت أولاً نتيجة التنافس بين أشراف مكة والولاة العثمانيين، الذين كانوا تأتي ليس فقط على الحكم، بل أيضاً على الضرائب والموارد التي تأتي من الميناء. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كان الجانبان يلعبان بورقة البدو ويحاولان استمالتهم كل إلى جانبه. أما السبب الثاني فهو التوسع الاستعماري الأوروبي والضغط على الدولة العثمانية الذي اتخذ أوجهاً عدة؛ كالمنافسة التجارية والضغط لمنع تجارة الرق، وهذه ساعدت في إشعال هذه المشاكل، لذلك أقول إن هذه المشاكل التي كانت موجودة والتي لا أنفيها كانت نتيجة التطورات السياسية أكثر مما هي نتيجة حقد الأديان بعضها على بعض، وحين أتحدث أخيراً عن القرن الرابع عشر، فقد شهد تغيرات كثيرة في السياسة وهي ليست مجالي، حيث انتقلت البلاد من الحكم العثماني مروراً بحكم الأشراف إلى حكم آل سعود. بالنسبة للمدينة ربما أهم ما حدث فيها إزالة أو تدمير السور في عام 1366 بسبب زيادة التعداد السكاني والاضطرار إلى توسعيها، فتم تدمير الكثير من البيوت القديمة لبناء الشوارع والطرق الحديثة في البلد. ومع هذا التوسع السكاني ومع الطفرات النفطية زال أيضاً كثير من نواحي الحياة التقليدية في الحياة الاقتصادية كالحرف، والعادات والتقاليد. ولذلك كنت أسأل عن العادات والتقاليد القديمة بالمدينة لأن الكثير منها لا يوجد إلا عند قليل من الناس الذين يتذكرونها، لذلك فإنني أحاول في هذه الزيارة والزيارات القادمة إن شاء الله، أن أجمع من هذه العادات والتقاليد ما أمكنني، كما أحاول أن أجمع من تاريخ العوائل التي استوطنت بالبلد، لذا أطلب منكم المساعدة في هذا المشروع. لقد أصبحت البلد مسكناً للفئات الفقيرة، حتى أكثرية السكان أصبحت من المهاجرين. هذه صورة من حارة الشام، وفي الأيام الأخيرة كانت هنالك سيول وحرائق هدمت كثيراً من هذه البيوت الرائعة، وهنا أتمنى بالفعل النجاح لمشروع التراث العالمي، لأن جدة من الأمثال النادرة اليوم للمدن حول البحر الأحمر مثل الحديدة، سواكن، ومصوع، وما عاد منها إلا القليل جداً وأعتقد أن جدة أجمل وأكبر مثال يوجد اليوم.
أعتقد أن تراث هذا البلد يمثل بالفعل الحياة ليس بوجهها التقليدي فحسب لكن أيضاً لجهة التسامح والتعايش، لذلك فهو مهم لشخصية جدة ولو زال فستفقد جزءاً كبيراً من شخصيتها، وهذا يحتاج إلى الجهود المشكورة للأمانة وللهيئة العامة للسياحة والآثار ولكن يحتاج أكثر لجهود أصحاب هذه الأملاك القديمة والجميلة وأتمنى أن يهتموا بها أكثر في المستقبل مما كانوا يفعلون في الماضي، أتمنى لجدة وللمملكة العربية السعودية وللعالم العربي أن يلتفت إلى هذا التراث المهم، وشكراً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :481  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 139 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.