شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((الحوار مع المحتفى به))
الأستاذة نازك الإمام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والصلاة والسلام على النبي الأمين. أصحاب المعالي، أصحاب الفضيلة، أصحاب السعادة، الإخوة الحضور، الأخوات الكريمات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إنه ليسعدنا اليوم أن نبدأ انطلاق أولى أمسيات سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه لهذا العام، والذي عوّدنا من خلالها استضافة علماء الفكر والثقافة من داخل هذا الصرح الثقافي الكبير وخارجه، وتكريمهم، حيث طاب لنا في هذه الأمسية الكريمة أن نستضيف معالي الشيخ عبد الله بن منيع، عضو هيئة كبار العلماء، والمستشار بالديوان الملكي، ليحدثنا عن تجربته مع القضاء والإفتاء، ودوره البارز في إصدار فتاوى المصارف والبنوك التي تخصص فيها، فمرحباً بمعاليه، ومرحباً بحضور وحاضرات أمسيتنا الكريمة. بداية أرجو أن تسمحوا لي بطرح أسئلة الحاضرات بسؤال مني: توسعة المسعى كانت بادرة رائدة من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، وقد كانت فتوى الشيخ عبد الله بن منيع من المنع إلى الجواز، هل لنا أن نعرف أسباب هذا التغيير؟ وشكراً.
الشيخ عبد الله بن منيع: شكراً للأخت الكريمة على مشاعرها نحو أخيها. الأمر الثاني في طرحها مثل هذا السؤال.. في الواقع أنا قلت مثل ما قلت، أنني لا أتحرج من أن أبدي أو أن أرجع عما كنت أعتقد وبان أنه غير صحيح، أرجع وأقول رجعت، وأقول كما يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: "أخطأ عمر وأصابت امرأة"، فعلى كل حال ينبغي أن يكون هدف الإنسان ومطلبه الحق، والوصول إلى الحق. في الحقيقة أول ما عرض علينا الأمر -أقصد علينا نحن هيئة كبار العلماء، وأنا أحد أعضائها- عرض علينا الأمر وبحال فيها نوع من المفاجأة، لم يعدّ لهذا الأمر أي بحث، ولا شيء من هذا، كأن الأمر حينما فوجئنا به قابلناه بتعجل في منع ذلك. ثم بعد أن نظرنا إلى ما ذكره مجموعة كبيرة وصل بهم الحد إلى ثلاثين شاهداً، كلهم يشهدون على مشاهدة، ليس يشهدون على ما قاله أوائلهم بل يشهدون على مشاهدتهم أنهم شاهدوا جبل المروة -قبل الإصلاحات وقبل الهدم- متجهاً نحو المدعى أكثر من التوسعة التي قام بها خادم الحرمين الملك عبد الله، والأمر نفسه كذلك في ما يتعلق بجبل الصفا، الذي كان متجهاً نحو الشرق أو الشرق الشمالي أكثر من هذه التوسعة، فعلمنا ورأينا أن هذه التوسعة لم تتجاوز ما قاله الله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا (البقرة: 158) أي بينهما، سواء أكانت البينية مع الطرف من الجانب الشرقي، مع الوسط، مع الجانب الغربي مما يلي الحرم، في الواقع أن هذه التوسعة لا تتجاوز البينية، فهي بين الصفا والمروة، والحقيقة أننا نقول بأن هذه في الواقع تعتبر عزمة من عزمات خادم الحرمين الشريفين جزاه الله خيراً، وقد سمعنا مجموعة كبيرة من رجال العلم والفكر والنظر والتاريخ، يشيدون بهذه لا سيما في هذه السنة، حينما وجد زحمة عظيمة وكثرة حجاج، ووجدوا كذلك الزحام في المسعى نفسه، والحال أنه صار أربعة أدوار أو خمسة أدوار: الدور ما تحت الأرضي، والدور الأرضي، والدور الذي فوقه، والذي كذلك فوق ذلك، يعني خمسة أدوار ومع ذلك وجدت الزحمة. طيب لو لم تكن هذه التوسعة، وكنا في مثل هذا الوقت، فلا شك أن هذا سيشكل إشكالاً بالغاً، كالإشكالات التي كانت موجودة في رمي الجمار قبل وجود هذه العمارة، فنحن والحمد لله مطمئنون تمام الاطمئنان، والرجوع إلى الحق فضيلة، وكنا في الواقع حينما كان منا المنع، نقول لا يمكن، هذا المسعى محدد الآن، ولا يمكن الخروج عن حدوده، وما كنا نعرف أن جبل المروة ممتد شرقاً، وكذلك جبل الصفا ممتد شرقاً، وأن هذه التوسعة لم تخرج من البينية، بل إن مجموعة من الشهود الذين سجلت شهادتهم في المحكمة، وسيصدر بها صك، هؤلاء كذلك يقولون، ونحن نقول فيه ما لا يقل عن خمسة عشر متراً لا تزال إلى الآن وهي داخلة في البينية خارجة عن التوسعة من الناحية الشرقية. فإذاً الحمد لله، فأنا رجعت وتبين لي أنني مخطئ في الاعتراض، وأن هذه عزمة مباركة من الله سبحانه وتعالى لخادم الحرمين الشريفين حينما عزم، وحينما كان منه التصميم، الذي يعتبر في الحقيقة دفعاً من الله سبحانه وتعالى، جزاه الله خيراً، وجعله في موازين حسناته.
الدكتور يوسف العارف: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله. كنت أتمنى أن أقرأ المداخلة قراءة، ولكنني سأختصرها في دقيقتين، الدكتور ابن منيع حفظه الله، له كتاب ربما من أهم كتبه التي ألّفها وهو حواره الماتع والرائع مع المالكي رحمه الله، أتساءل مع شيخنا، لو استقبل من أمره ما استدبر مع هذه الأيام الشفافية، والانفتاح والحوار مع الآخر، هل يمكن للشيخ أن يكتب مثل ذلك الكتاب في مثل هذا الوقت، هل يمكن أن يعيد طباعة هذا الكتاب بشكل جديد يتمشى مع تطور هذا العصر؟ شكراً لك يا فضيلة الشيخ.
الشيخ عبد الله بن منيع: أولاً حفظكم الله، في الواقع إن الأمور الشرعية، والأمور المبنية على أصول عقدية، لا يمكن أن تتغير بتغير الزمن، ونحن حينما نقول ونكرر ونعتز بأن ديننا صالح لكل مكان وزمان، لا يعني بذلك أن كل مسألة وكل قضية يوجد نص فيها في كتاب الله وسنة رسوله، وإنما نعني بأن ديننا مبني على أصول وقواعد وكليات عامة تقتضي وتحصل المقاصد الشرعية، وبناء على هذا فديننا صالح لكل زمان ومكان، لأنه صالح لتطبيق جميع جزئيات الحياة العامة على هذه القواعد العامة، وبناء على هذا فنحن حينما ننظر الآن إلى الموالد وما يتعلق بها، وهي منتشرة مع الأسف الشديد في بلدان متعددة، أما بلادنا فهي أقل البلدان ولله الحمد، لكنها في غير بلادنا تأتي في الواقع بطريقة فيها الكثير من التجاوزات، فيها الكثير من الخلط، وفي الوقت عينه كذلك نحن نكرر ولا شك أن كل واحد منا مهما بلغ من التقى والصلاح، لا يمكن أن يجعل نفسه في مرتبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في مرتبة الأعزاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالعشرة المبشرين بالجنة، زوجاته وعماته، وبناته، كذلك آله، كلهم رحمهم الله رحمة واسعة ورضي عنهم، لا شك أنهم أكثر منا حباً ومودة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وبحب آله، ولكننا نقول هؤلاء الذين هم في الواقع أكثر منا محبة، وأكثر منا إخلاصاً، وأكثر منا تضحية في سبيل نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل كان منهم شيء من هذه الأمور؟ فطالما أننا نقول إن التاريخ لا ينقل لنا أي مظهر من مظاهر الموالد وما يتعلق بها، فإذاً ما الذي يجعلنا نأتي بشيء هو في الواقع لم يكن في عهد رسول الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحذرنا، ويقول: عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قلنا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي. إذاً ألا يسعنا ما كان عليه صلى الله عليه وسلم، وكان عليه أصحابه؟ ابن مسعود يكرر ويقول: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كُفِيتم. إذاً -حفظكم الله- أعود وأكرر الآن نفس ما كتبته في ذلك الوقت، والذي كان له ولله الحمد أثر في سبيل بيان أن الموالد لم يكن لها عمل في عهد رسول الله، ولا في عهد أصحابه، ولا في عهد أي قرن من القرون المفضلة، وبناء على هذا فلو أردت أن أكتب وأن أعيد النظر فيه لما استطعت أن آتي بشيء خلاف ما فيه، إلا إذا كان هناك بعض من عبارات تحتاج إلى شيء من التخفيف، فهذا ممكن أن يكون، حفظكم الله.
الدكتور عبد العزيز قاسم: بسم الله الرحمن الرحيم، سعدت كثيراً بهذا السرد التاريخي لمعالي الوالد الشيخ عبد الله بن منيع، والذي أزعم أن مجتمعنا والمجتمع الإسلامي عموماً مدين لفارس الاثنينية الليلة؛ ذلك أنه وكوكبة من سادة العلماء الذين اقتحموا مجال الصيرفة والاقتصاد، قد قدموا لنا رؤىً وحلولاً شرعية، ورفعوا عن الأمة حرج التعامل مع البنوك الربوية، فلنقلب المشهد البنكي بكامله بفضل الله، ثم بجهود هؤلاء العلماء ولله الحمد وبات معاليه المرجع الشرعي لأهل المال، والمرجع المالي لأهل الشرع. إن الوالد معالي الشيخ عبد الله بن منيع، يقود منذ سنوات مدرسة التيسير في مؤسستنا الرسمية، هذه المدرسة تميل إلى اختيار الأيسر في الأقوال الفقهية وسط معارضة كبيرة من علماء مدرسة العزائم، وسؤالي هنا لمعالي الوالد: بعض معارضيكم من طلبة العلم يلوحون بفتاوى جمال شحرور، وجمال البنا وحسن الترابي، وإن فقهاء التيسير المحليين في مشهدنا الشرعي المحلي، سينتهون إلى ذات الآراء الفقهية أولائكم، والتي يعرفها معالي الوالد، فهل من تعليق؟ شكراً جزيلاً.
الشيخ عبد الله بن منيع: شكراً لك على هذه المداخلة.. أولاً لا شك أن التيسير لا يجوز أن يكون على سبيل الانطلاق الكامل، لكن الأمر يجب أن يكون وفق ما ذكرته أمنا عائشة رضي الله عنها حينما قالت: "ما خيّر صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً"، ونحن نقول لا شك أن التيسير مطلب ومقصد وسمة من سمات ديننا، والله سبحانه وتعالى يقول: فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً (الشرح: 5-6)، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (الحج: 78)، لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا (البقرة: 286)، يَسّروا ولا تُعسّروا، ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: بَشّروا ولا تُنفّروا، فلا شك أن التيسير مطلب، لكن ينبغي في الواقع أن يكون مبنياً على النظر في المقاصد الشرعية، لا يتجاوز المقصد الشرعي، ينبغي أن يكون مبنياً على المصالح، أي أن نحقق مصالح المسلمين. الأمر الثالث ينبغي أن لا يكون متجاوزاً ما أجمعت عليه الأمة، فالأمة والحمد لله لا تجتمع على ضلالة، فالتيسير نقول إنه مقصد وسمة من سمات ديننا، لكننا في الواقع نؤكد على أنه يجب أن يسلك الطريق الذي لا يتعارض مع أي نص من النصوص الشرعية، من كتاب الله، أو من سنة رسول الله، أو من إجماع تام أو من قياس صحيح.. إذا تم ذلك فالتيسير لا شك أنه متعيّن، وفي الوقت نفسه نحن كذلك ننظر إلى ما اتفق عليه، أو كاد الإجماع أن يتفق عليه، على أن الأصل في العبادات الحظر، والأصل في المعاملات الإباحة، فأي معاملة تقول بأنها مباحة، ويأتي من يقول بأنها غير مباحة، يجب عليه أن يأتي بالدليل بعدم الصحة، لأنك وأنت تقول إن هذه المعاملة الصحيحة فأنت إذاً مع أصل، فالتيسير -حفظكم الله- مطلوب، وهو مبدأ من مبادئ ديننا، لكنه يجب أن لا يتعارض مع أي نص من النصوص الشرعية، ومن المعلوم بأنه لا يمكن أن يوجد تيسير مع معارضة نص، لا يمكن لأن الدين مبني على التيسير، فمعارضة النص هو أن يكون التيسير ليس تيسيراً، وإنما هو تجاوز للمقاصد الشرعية، وبناء على هذا نقول التيسير مقصد ومطلب، ولكن ينبغي أن يكون مقيّداً للضوابط التي من شأنها أن تكون ميسرة وفي الوقت نفسه متفقة مع المقاصد الشرعية.
سؤال من الأستاذة ميس أبو دلبوح -مستشارة قانونية:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على حبيب الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. البحث العلمي والتطبيق العملي للمصرفية الإسلامية، يتطلب اللجوء إلى مصدر موثوق به من أجل الرجوع إليه، وذلك للحصول على فتوى سواء بالإجارة أو بالمنع، وذلك لدعم البحث العلمي أو التطبيق العملي للمصرفية الإسلامية، ولكنني أجد عند البحث العديد من الفتاوى من أكثر من مصدر، فهل يوجد مصدر واحد موثوق برأيه، يمكن الرجوع والاستناد إليه؟ وشكراً.
الشيخ عبد الله بن منيع: الجواب عن هذا السؤال أنه حينما وجدت والحمدلله المصرفية الإسلامية، لاقت تفاؤلاً من المجامع العلمية؛ فأمامنا المجمع الفقهي التابع لمنظمة الدول الإسلامية، وقد صدرت منه مجموعة قرارات يمكن أن نقول بأن نسبة لا تقل عن خمسين في المائة منها تتعلق بالقضايا الاقتصادية، كذلك مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي، وكذلك الآن هيئة المراجعة والمحاسبة الإسلامية، ومقرها البحرين، لكنها منبثقة من نشاط المنظمة الإسلامية، هذه أوجدها المجلس الشرعي الذي أصدر أكثر من أربعين معياراً شرعياً، هي في الواقع مصادر للمصرفية الاقتصادية، فنقول بأن مصادر المصرفية الاقتصادية، أولاً الفتاوى الصادرة من الهيئة الشرعية، كذلك مجموعة البركة نفسها لديها الآن ندوات اقتصادية تجاوزت الثلاثين ندوة، كذلك في ما يتعلق بالمجامع الفقهية، ولديها القرارات الصادرة عنها، وكذلك المجلس الشرعي التابع لهيئة المراجعة والمحاسبة، وهذه كلها تعتبر من المصادر التي تتجه إليها وتستنير بها الهيئات الشرعية.
سؤال من الأستاذة نورة تركي القحطاني، مساعدة مشرفة بالتطوير الإداري بقسم التطوير التربوي بوزارة التربية والتعليم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عوداً حميداً يا صرحاً للعلا يرتقي.. أرحب بالجميع في دار الجميع، وأول الحضور والدتي التي يمثل لها الشيخ عبد الله نبراساً للحياة، سماحة الشيخ، لما لوحظ وتم لمسه من كثرة حالات الطلاق في مجتمعنا، أرجو من سماحتكم كثرة النصح لشابات وشباب هذا البلد وذلك من خلال برنامجكم في القناة الأولى الذي نحضره ونتابعه كل يوم أحد. وشكراً للجميع، وأثاب الله الشيخ عبد المقصود خوجه، وحرمه، وجعله بيتاً عامراً بالفرح من بعد الحزن، والسلام عليكم.
الشيخ عبد الله بن منيع: أولاً فيما يتعلق بكثرة الطلاق والنصح والتشديد وإنكار هذه الظاهرة السيئة، على كل حال أنا وزملائي القائمون بالمشاركة في القنوات الفضائية سواء أكانت القناة الأولى أو كانت "دليل" أو "الرسالة" أو "المجد"، كلهم جزاهم الله خيراً، يتحدثون ويكثرون الحديث، لكننا نأمل في الواقع من إخواننا الذين مع الأسف الشديد لا يجدون وسيلة للتعبير عن مشاعرهم الإنكارية فيما يتعلق بسوء التفاهم فيما بينهم أو فيما بين الآخرين إلا الطلاق، وهذا يعتبر من أسوأ ما يمكن أن يلجأ إليه، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والعتاق. فينبغي أن يتقي إخواننا الله سبحانه وتعالى، وأن يحموا بيوتهم من الأخطار التي هي من أسباب التفرق ومن أسباب هدم البيوت، وفي الوقت نفسه أشكر الأخت على هذا السؤال وعلى هذا الطرح، ونعدها بمضاعفة ما نقول، وحفظ الله الجميع.
سؤال من الشيخ محمد علي الصابوني:
بسم الله الرحمن الرحيم، كنت قرأت لفضيلتكم مقالاً تبيحون فيه أنواعاً من التأمين؛ لا أقول التأمين على الحياة، ولا التأمين على الجمال، ولا التأمين على أصوات المغنيات، هذا التأمين معروف ومشهور بأنه حرام، لكن التأمين الشامل على السيارات، وقد أصدرت مجامع البحوث الفقهية تحريماً له، واليوم أصبح شبابنا يستهترون بأرواح البشر.. قبل أيام انقلبت سيارة كبيرة من السرعة في أماكن ضيقة، وصاحبها فرحان لأنه قد أمّن عليها تأميناً شاملاً، فهل رأيكم ما زال على أن التأمين على السيارات -واحد يدفع خمسة آلاف كل سنة، عشر سنوات خمسين ألفاً، عن عشرين سنة بيطلع له مائة وعشرين ألفاً- يجب أن يرد إلى صاحبه إذا لم يحدث حادث، ولم يقع معه شيء يتضرر به؟ نرجو أن تبينوا رأيكم في هذا؟ وشكراً لكم.
الشيخ عبد الله بن منيع: حفظكم الله، أولاً الشيخ محمد الصابوني شيخنا، وكونه يسأل واحداً من صغار إخوانه على كل حال هذه أعتبر أنها كبيرة، نحن نسألك جزاك الله خيراً، وأنت شيخنا ونعترف لك بعلمك، وما قدمته لخير هذه البلاد خصوصاً، وبلاد المسلمين على وجه العموم. وفيما يتعلق بالتأمين لا يمكنني أن أعطي الرأي في خمس دقائق، فالتأمين ما هو إلا نازلة من النوازل، والتي ينبغي أن نتحدث فيها بعمق، لا سيما فيما يتعلق ببواعدها، وفيما يتعلق بمحل التأمين، هل ما قيل عن التأمين يشتمل على الغبن والغرر والقمار، هل هذا صحيح؟ أم غير صحيح؟ ينبغي بشيء من البحث العلمي البعيد عن العاطفة أن نصل إلى نتيجة، وحبّذا لو أن المجال يتسع لأتحدث عنه، ولكنني أرى حبيبنا وشيخنا الشيخ عبد المقصود يقول إن المجال لا يتسع لمثل هذا.
سؤال من الأستاذة سامية مناع، عضو الهيئة العالمية للمسلمات الجدد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الاحتفال اليوم بالشيخ الكريم في ختام عام هجري، وبداية عام جديد، صفحة جديدة لعام، نسأل الله أن يكون عام خير على المسلمين أجمعين. جزيت خيراً شيخنا على عودتك إلى الحق، فهذه قوة في الشخصية، وأتمنى أن أسمع رأي الشيخ الكريم، في الفتوى التي ظهرت عن حجاب المرأة، والتي لم تبح فقط إظهار الوجه، بل أصبحوا يقولون إن الشعر ليس محرماً، وأن إمامة المرأة للرجال جائزة، جزيت خيراً على هذا.
الشيخ عبد الله بن منيع: في الواقع حفظك الله، فيما يتعلق بما يثار عن عورة المرأة، فإننا لو رأينا إلى المحققين من أهل العلم، لوجدنا أن الكثير منهم يرون أن المرأة عورة كلها إلا في الصلاة، يعني جميع جسدها، وإلا فهي على كل حال امرأة لها كرامتها ولها قيمتها، واحترامها، ولها شخصيتها وحرية تصرفها في ما هو متفق عليه وفق ما يتصرف به أخوها الرجل، ولهذا فنحن نقول إن مثل هذه المناداة والله لا تأتي إلا بالخير؛ فلو نظرنا إلى تدني المرأة في البلاد التي تدنت فيها، لوجدنا أن الأسباب في ذلك هو تحررها فيما يتعلق بزينتها، ومما يتعلق بحشمتها، ومما يتعلق بكرامتها وعفتها، ومتى كانت على جانب من الحفاظ على كرامتها وحشمتها فلا شك أنها ستكون محل احترام وتقدير. كذلك هو معلوم الآن، هل مرضى القلوب ينظرون إلى المرأة المتحجبة التي تحترم نفسها بالاحترام الكامل، أو يتجهون إلى من يرون أنها ضحية لهم، فيما يرون من تجاوز بما يتعلق بوضعها العام، لا شك على كل حال أن المرأة لها احترامها، ولها قيمتها، ولها حقوقها التي هي مشابهة لحقوق الرجل، ولا شك في أنه لو وجد الآن بعض الأمور التي تتخلف فيها حقوقها عن حقوق الرجل، فما هي إلا استثناءات، وإلا فالأصل العام أن المرأة والرجل يتساويان فيما يتعلق بالحقوق الشرعية، وفيما يتعلق بالواجبات، وفي الكثير من الاتجاهات الشرعية، اتجاهات التكاليف: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (الأحزاب: 35) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى (آل عمران: 195)، لا شك أن المرأة لها حقوقها ولها اعتبارها، كما للرجل حقوقه واعتباره، وإذا كان هناك من استثناءات، فهي استثناءات تتعلق بخصائص المرأة وخصائص الرجل، وتتفق مع كل جنس، وعلى كل حال شكر الله للأخت غيرتها، وما تحدثت عنه بضرورة العناية بعورة المرأة على وجه العموم.
سؤال من الأستاذ خالد المحاميد، من جريدة الوطن:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فضيلة الشيخ، بعض المثقفين يصفونك في مجالسهم الخاصة بأنك شيخ حداثي، وقد امتدحك الأستاذ قينان الغامدي كما سمعنا للتو، في إحدى مقابلاتك قلت: "إن الزمان الذي كان يهاب فيه العلماء وعدم الاعتراض عليهم حتى ولو أخطأوا قد ولى، لقد صارت الحقيقة ابنة البحث". سؤالي: أليس من الجائز أن يكون هناك باحثون أكثر دقة وعلماً من هيئة كبار العلماء؟ وفي هذه الحال هل تسقط مقولة: إن لحوم العلماء مسمومة في ما لو اعترض أحد على بعض رأيهم؟ وهل يعني التطور الحاصل في الفقه الإسلامي، أنه خضع تاريخياً لاعتبارات سياسية؟ شكراً.
الشيخ عبد الله بن منيع: شكر الله لك. أولاً لا شك أننا يجب أن نعرف بأن الرجال يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، بمعنى أن أي قول يصدر ممن له مكانة عالية في العلم وفي الاتجاه وفي القبول، لا يمكن أن نقول أن هذا هو الحق، وإنما الحق هو الحق الذي يصدر سواء كان صدر هذا الحق ممن له قيمته واعتباره، أو صدر ممن هو دونه، فإذاً يجب علينا أن نقول: إن الرجال يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، هذا جانب. الجانب الآخر يتعلق بهيئة كبار العلماء، وفيما إذا حصرت الفتوى فيهم. ليس صحيحاً أن الفتوى حصرت فيهم، وإنما الواقع أن هيئة كبار العلماء اختيروا الآن اختياراً يخضع لمعايير محددة، وقد تم اختيارهم، فلا يحتاجون إلى ترخيص أو شيء من هذا.. إلاّ أننا لا نقول أن العلم المتميز هو عند هيئة كبار العلماء فحسب، وما عند غيرهم أقل منهم، بل نعترف أنه يوجد من إخواننا العلماء من هم في مستوى هيئة كبار العلماء أو هم كذلك أعلى من مستوى هيئة كبار العلماء فيما يتعلق بالفقه، وفيما يتعلق بالتحصيل، وفيما يتعلق بالتأني في الإفتاء، وفي ما يتعلق بمجموعة كبيرة من الأمور التي يجب على الإنسان تجاه ربه أن يكون شاعراً بأنه موقّع عن رب العالمين فيما يصدر منه، سواء أكان ذلك الذي صدر حكماً أم فتوى. فإذاً نحن نقول الآن في ما يتعلق بالفتوى أن هناك الآن إجراءات تنص على أن يُختار من إخواننا الذين ليسوا من هيئة كبار العلماء، من هم أهل لذلك، ولكن المسألة الآن في مجال الإجراء، ولا يعني أن ما صدر محصور في هيئة كبار العلماء، بل إن هيئة كبار العلماء ممن أذن لهم بذلك، وسيؤذن لغيرهم إن شاء الله في القريب العاجل. أما بالنسبة لما إذا كان الفقه يخضع للتغيرات السياسية، فمعلوم بأن هناك ما يسمى بالسياسة الشرعية، والسياسة الشرعية مبنية على مجموعة من القواعد؛ من هذه القواعد أن تترك أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما، وترتكب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما، وكذلك درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، دائماً وأبداً تنبثق من هذه قواعد السياسة الشرعية.. والآن حفظكم الله يذكر بأن شيخ الإسلام ابن تيمية ومعه بعض من تلاميذه، مرّوا بمجموعة من جند التتار، وفي الوقت نفسه كانوا سكارى، فقال بعض من طلاب الشيخ: ألا يمكن أن ننكر عليهم وأن نعترض عليهم؟ فقال دعوهم، فإن صحوا آذوا المسلمين. واليوم فإن مجموعة كبيرة من رجال التحقيق من أهل العلم قالوا بأنه لا يجوز أن تترك الصلاة وراء ولي أمر معروف لديه شيء من الانحراف أو نحو ذلك، لماذا؟ مراعاة للأمن، والاستقرار.. هذا عثمان بن عفان رضي الله عنه، هو أحد الخلفاء الراشدين، وأحد المبشرين بالجنة، وذو النورين، وله فضل كبير، هو رضي الله عنه وأرضاه قيل إنه تزوج في منى وكان أمير الحج، ومعلوم لديكم أن الصلاة في منى في أوقات الحج، تقصر الصلاة الرباعية لجميع الحجاج، سواء أكانوا حجاجاً أفقيين أو كانوا مكيين، لكنه رضي الله عنه أتم ولم يقصر، فكبر ذلك على مجموعة من الصحابة، فهذه سنة رسول الله تترك، سنة رسول الله واضحة بأن القصر من سمات الحج، واتجهوا إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقالوا: يا أبا عبد الرحمن ألا تعلم سنة رسول الله في قصر الصلاة؟ قال: والله إني لأعلمها، ولكني أخشى الفتنة. فإذاً يا إخواننا رداً على سؤال: هل المقتضيات الشرعية تخضع أو تتفاعل مع الاتجاه السياسي؟ نقول: ما كان معلوماً من الدين بالضرورة فلا يمكن أن يخضع، وما كان محل اجتهاد، فقد روي أن الأرجح كذا وكذا، ثم رؤى سياسة أن الأرجح تحول إلا أن يكون سياسة، فالسياسة الشرعية لها اعتبارها يا إخواني، ولا شك أن من أهم مناحي السياسة الشرعية العناية بالأمن، فالأمن يا إخواننا هو من أعظم النعم التي يرتاح إليها المواطن، وبناء عليه فهذا هو الجواب.
سؤال من الأخت سعاد الصابوني:
بسم الله الرحمن الرحيم، حول قرار الملك بتنظيم دعاوى الإفتاء، ومنع غير المؤهلين من الإفتاء، سؤالي:
كيف يقرأ الشيخ ابن منيع أبعاد هذا القرار؟ وشكراً.
الشيخ عبد الله بن منيع: لا شك والله أن هذا قرار حكيم، ونحن جميعاً قد قرأنا وسمعنا فتاوى تدعو للاستغراب والاستنكار، فالملك وكذلك الغيورون على كيان ديننا وعلى أن لا يكون الأمر قد انفلت وأصبح كل من قرأ آية أو آيتين من كتاب الله، وكان عنده حديث أو حديثين، يأتي ليقول: أنا فلان بن فلان، العالم الكبير، أقول كذا وأقول كذا.. نحن الآن سمعنا بأنه يجوز للمسحور أن يذهب إلى الساحر، سمعنا برضاع الكبير، بأن صلاة الجماعة ليست واجبة.. مجموعة أمور في الواقع، أحد الإخوان يقول: والله أنا كنت في أول صغري، وفي أول طلب العلم، أعرف أن نواقض الوضوء ثمانية، والآن ما بقي منها سوى اثنين أو ثلاثة. يا إخواننا علينا أن نتقي الله، علينا أن نتمسك بما كان عليه آباؤنا وأجدادنا مما لا يتعارض مع اليسر الذي من شأنه أن يكون متفقاً مع المقاصد العامة، ومع تحقيق المصلحة، وأن لا يتعارض مع أي من النصوص الصريحة، وبناء على ذلك فنحن نقول إن ديننا دين يسر والحمد لله، وإن هذا اليسر يجب أن يكون مبنياً على الضوابط التي تضبط أموره.
سؤال من الدكتور مدني علاقي:
بسم الله الرحمن الرحيم، فضيلة الشيخ لا شك أن لكم دوراً يحمد في تنشيط وتفعيل بعض الجوانب المصرفية في المملكة العربية السعودية. إخواني نحن دولة إسلامية، بل نحن مركز منطلق الرسالة الإسلامية في العالم، ومع ذلك فلا يوجد في هذا البلد بنك إسلامي صرف، بل بنوك كبرى ربوية أو تقوم على معاملات ربوية، هل يعني هذا أن المصرفية الإسلامية غير واضحة علمياً وعملياً؟ أم أن المصرفية الإسلامية ما زالت تشوبها بعض الشوائب التي لا يجب أن تلصق بالإسلام؟ أم أن المصرفية الإسلامية لا تغطي كافة التعاملات البنكية الحديثة محلياً وعالمياً؟ شكراً.
الشيخ عبد الله بن منيع: أولاً حفظك الله على القول بأنه ليس لدينا مصارف إسلامية، هذا في الواقع يرجع أخي العزيز إلى مصرف الراجحي، ومصرف البلاد، ومصرف الإنماء، ومصرف الجزيرة، فهذه في الواقع كلها مصارف بنوك سعودية مائة في المائة، وهي مصارف إسلامية، نحن كذلك نرجع إلى بعض المصارف الأخرى. عندنا حفظك الله البنك الأهلي لديه مائتان وأربعة وثمانون فرعاً، وكلها الآن تحولت إلى مصارف إسلامية، وفي الوقت نفسه لدينا البنوك الأخرى التي تحول جزء كبير منها إلى مصارف إسلامية؛ فعلى كل حال المصرفية الإسلامية أثبتت وجودها، ونحن لا ننكرها، أما القول بأنه قد يكون فيها بعض الشوائب، أنا أذكر حفظكم الله، لما كنت في الهيئة الشرعية للجمعية العمومية مع إخواني لشركة الراجحي، وسأل أحد المساهمين، وقال: سؤالنا أوجهه لعبد الله بن منيع، هل شركة الراجحي، شركة إسلامية؟ قلت: يا أخي أنا ممكن أن أسألك الآن سؤالاً، وأعفيك من الإجابة: هل أنت مسلم، وأنا أقول: نعم والله إنك مسلم، ونفخر بأنك مسلم، وأنت تفخر بأنك مسلم، ولكن هل أنت الآن معصوم من الخطأ، أم أنك تخطئ؟ نعم ومن دون شك لا يمكنك أن تقول إنك معصوم من الخطأ، بل إنك تخطئ.. إذن شركة الراجحي مثلاً، هي شركة ومصرف إسلامي، ولكنه يخطئ، لكننا نقول إن المصرفية الإسلامية، على الرغم مما وصلت إليه، لا بد أن يكون لديها في الواقع من الأخطاء ما يمكن أن يعترف به، وبالحاجة إلى علاجه، وقد اتجهت المصرفية الإسلامية الآن اتجاهاً صحيحاً، واتسعت، وصارت والحمد لله مطمع ومأمل مجموعة كبيرة من الناس، ولكن قد توجد بعض الأخطاء، التي إما أن تكون نتيجة تصرف موظف من الموظفين القائمين بإجراء هذه المعاملات، أو أن تكون نتيجة أي خطأ من الأخطاء، وبناء على هذا فإن الهيئات الشرعية دائماً وأبداً لديها الآن أقسام رقابة، وهذه الرقابة تقدم كل ثلاثة أشهر تقارير عن زيارتها، ويوجد لديها ملاحظات، وهذه الملاحظات توجه في الواقع إلى القائمين بالتنفيذ، وهذا سبيل من سبل الإصلاح. وهناك حفظكم الله سائل يسأل، ويقول: أنتم الآن أكثرتم الحديث عن المصرفية الإسلامية، لكننا لا نجد لها أثراً في تقوية التنمية الوطنية، ويضيف السؤال: أين مصانع المصرفية الإسلامية؟ أين مزارع المصرفية الإسلامية؟ أين أسواق المصرفية الإسلامية؟ نحن نقول: يا أخي إن المصرفية على وجه العموم، سواء كانت مصرفية إسلامية أو مصرفية تقليدية، هي في الواقع صندوق تمويل، يمول رجال الأعمال، ولا يقوم هو بمباشرة هذه الأعمال بنفسه.. هذا التمويل يختلف؛ فالمصرفية التقليدية يتم تمويلها عن طريق الإقراض بفائدة، أما المصرفية الإسلامية فيتم تمويلها عن طريق المرابحات، والمشاركات، والإيجار، عن طريق التورق وما يتعلق به، وبالنتيجة مجموعة من المنتجات الشرعية تقوم في الواقع بممارستها لتمويل المشاريع التي يتوجه العملاء للحصول على أموال لتغطية أو لتنفيذ متطلعات وطنية، وبناء على هذا فنحن لا نتصور من المصرفية على وجه العموم أن تقوم بنشاط مباشر للتنمية الاقتصادية، وإنما تقوم بالتمويل، هذا التمويل إما أن يكون شرعياً أو لا يكون، وهذه هي وظيفة المصرفية الإسلامية في ما نعلم حفظكم الله.
سؤال من الدكتورة سميرة جمجوم، دكتوراه في الشريعة الإسلامية تخصص العقيدة، جامعة الملك عبد العزيز:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرحب بفضيلة الشيخ جزاك الله خيراً، نريد أن نسأل عن حكم المرأة المعتدة من وفاة؛ بعض العلماء ضيقوا عليها وبعضهم الآخر وسعوا، نريد الحكم الشرعي الصحيح، لو سمحت وتكرمت، وجزاك الله خيراً.
الشيخ عبد الله بن منيع: العدة هو الواقع لها حكمتان تعبديتان: الأولى في الواقع تتعلق بإبداء المشاعر نحو زوجها الذي فقدته، إذ لا بد أن يكون هناك من مظاهر الحزن ما يعتبر علامة وفاء، وعلامة تقدير، وحفاظ على المعاملة السابقة، وعلى الرحمة في ما بينهما، والثانية في الواقع ما تتعلق ببراءة الرحم، وفي الوقت نفسه ذكر أهل العلم رحمة الله عليهم، بأنه ينبغي عليها أن تكون في حالة تقشف، وأن تبتعد عن وسائل الزينة لأنها في حالة حزن وفي حال أسى على فراق زوجها، وبناء على هذا فقد ذكر أهل العلم بأنه يجب عليها أن تلازم بيتها إلاّ لعذر ولحاجة ملحة، كأن لا تجد من يقوم بحاجتها فيما يتعلق بشئون بيتها، أو تكون مريضة تحتاج إلى علاج، أو تكون موظفة، فهذه الوظيفة لو تخلت عنها -ولا تستطيع أن تأخذ كذلك إجازة- ترتب عليها ضرر، فهذا كله من الأمور التي يباح لها فيها الخروج، أما إذا كان الغرض من ذلك هو النزهة، والأنس بالأحباب وبالأصحاب، فهذا يكون بعد خروجها من عدة زوجها.
سؤال من الدكتور أحمد المورعي:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة على رسول الله. فضيلة الشيخ، لقد أشار الأستاذ قينان الغامدي إلى أنه لا فرق بين البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية إلا في الفوائد الضخمة التي تحصلها المصارف الإسلامية، حيث إن المعاملات الموجودة في المصارف الإسلامية، كما يقول قينان وغيره، هي نفسها المعاملات الموجودة في البنوك الأخرى، الفرق بينهما هو محاولة من يتصدون للمعاملات الإسلامية تحليل تلك المعاملات، أقصد انتقالها من الحرمة إلى الحل، وإلاّ فهي في الحقيقة نفس المعاملات، تختلف فقط في محاولة تحليل تلك المعاملات، حتى حصرتم المصرفية الإسلامية -كما أشرت فضيلة الشيخ عبد الله في آخر كلمتكم الآن- في أنها صندوق تمويل، وليست نظرية اقتصادية تقدم للعالم ما هو الاقتصاد الإسلامي، وما هي معاملاته.
الشيخ عبد الله بن منيع: أولاً أنا أبرئ أخي قينان من أن يقول إن المصرفية الإسلامية لا تختلف عن المصرفية التقليدية إلا بشيء من هذا، وهو في الواقع إن قال ذلك فهو ينقل ما يقوله، وإلا فلا أعتقد، لأنني أحترمه وأعرف أنه من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، كذلك فإن هذه المقالة قد قالتها الجاهلية إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا (البقرة: 275).. ما هو الفرق بين المصرفية الإسلامية والمصرفية التقليدية، هل هو الفرق بين البيع والربا؟ ماذا تقول المصرفية الإسلامية؟ أولاً ليس لدى المصرفية التقليدية من تقلبات البيع والشراء غير النقود نفسها، فهي تبيع نقوداً وتشتري نقوداً، ولديها هوامش تخدم هذا المبدأ وهذا الاتجاه. أما بالنسبة للمصرفية الإسلامية، فهي في الواقع تحريك للأسواق التجارية، ولا تنظر إلى النقد على أنه هو السلعة التي تباع وتشترى، وإنما يباع ويشترى هو هذه الأصول سواء كانت معدات أو أصولاً ثابتة، أو ما يتعلق بهذا كله، كذلك في الجانب الآخر وهو المصرفية التقليدية فحينما يتصور الآن بأن المدين بها عاجز عن السداد، ماذا تقول المصرفية التقليدية؟ هل تقول كما أمر الله: فنظرة إلى ميسرة؟ أم تقول عداد الفوائد شغال؟ إذا لم تسدد، فالفوائد تأتي. قبل ذلك وأنا في طريقي إلى هنا، كان ثمة من يسأل ويقول: أحد الأشخاص أخذ من أحد البنوك تمويلاً تقليدياً بقيمة مليونين، ثم عجز عن السداد وتوفي، وبلغ المبلغ الآن أربعة ملايين وزيادة.. هل يتصور بأن المصرفية الإسلامية إذا وجدت أنها تصل المديونية إذا تهيأت وتحددت لا يمكن أن تزيد، بل هي إذا كان معسراً، فلا يمكن أن يطالب المدين بسداد مبلغ معسر صاحبه، فالحاصل أن هناك فرقاً، فنحن الآن لو نظرنا للآثار العالمية الموجودة نسأل: لماذا الآن كثرت البطالة؟ لماذا تعددت الأسواق المشبوهة كأسواق المخدرات؟ كذلك الأمر في ما يتعلق بأسواق العروض الماجنة، أو التباهي والتسابق في الأسلحة المدمرة، كل ذلك نشأ، ولماذا نشأ؟ لأن المصانع الإنتاجية إنتاجاً مباحاً، هي في الواقع النقد الآن قصر عنها، لأن الآن مجموعة كبيرة من المتعاملين الآن ببورصة العملات، نفس الشيء يشترى في غرفة خمسة في أربعة يعقد فيها صفقات بالمليارات، أو بآلاف المليارات، ومن أراد التأمل ببعد عن التحيز فلا شك أنه سيرى فرقاً كبيراً، وسيرى بأن الله تعالى حكيم في قوله، وقد أحل الله البيع وحرم الربا، ثم ما ذكره الله سبحانه وتعالى عن الربا، فجميع ما يتعلق بتعامله محل خطر ومحل خسارة، ومحل ندامة يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (البقرة: 276)، الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ (البقرة: 275).. فعلى كل حال هناك فرق كبير بين المصرفية الإسلامية والمصرفية التقليدية، ولا شك في أن نفع المصرفية الإسلامية -حينما تكون نشيطة، وحينما يكون لديها من القدرة على تمويل المشاريع العامة، في ما يتعلق بمشاريع الزراعة، في ما يتعلق بمشاريع تكثير الأسواق التجارية، فضلاً عن إتاحة المنتجات وتوسيع الأسواق، فضلاً عن القضاء على البطالة فلا شك إذا أردنا أن نتحدث عن الفرق بين المصرفيتين، لوجدنا أن الفرق كبير، والوقت يحتاج إليه.
سؤال من الأستاذة زهرة خميس، باحثة في شؤون المرأة:
السلام عليكم، فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع، لقد قرأت أن إسدال الحجاب، وأمر المرأة به، سببه كمال مكاشفتها مقارنة للرجل، فهي مخلوق مشع يخشى من أن يجذب نورها الرجل، وعورة أي سهلة الإصابة، فما رأيكم بذلك؟
الشيخ عبد الله بن منيع: في الواقع لا شك في أن الحجاب هو مشروع من قبل الله تعالى، بلغ به رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي الوقت نفسه لا نتصور أن يصل أي جنس نسوي إلى مرتبة أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك ماذا قال لهن الله سبحانه وتعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى (الأحزاب: 33)، وقال الله تعالى لرسوله: يأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ (الأحزاب: 59) حين قال لربه، رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (البقرة: 260)، فالله سبحانه وتعالى ما لامه بعد أن أعطى هذا الجواب: (ليطمئن قلبي)، فكوننا نبحث عن أسباب، ونبحث عن علل، ونبحث عن أسرار، فهذا في الواقع شيء طيب، ويزيد في الثقة، لكن كوننا نحن نبحث ليكون طريقنا إما لنعقل هذه الأحكام أو نرفضها، فلا يجوز لنا ذلك، هذا تشريع من حكيم حميد، وهو الله سبحانه وتعالى الذي خلقنا وهو سبحانه وتعالى العالم بأحوالنا.
سؤال من المهندس عبد الغني حاووط:
السلام عليكم شيخ عبد الله، دائماً شيخنا ما نسمع أن الأطباء يصفون العاهة الموجودة في جسم الإنسان منذ ولادته، فيقولون: هذا عيب خلقي. أليس في ذلك سوء أدب مع الخالق سبحانه وتعالى؟ فهم نسبوا ذلك إلى خطأ حصل في الصنع، ومرد ذلك للصانع، ألا وهو الله سبحانه وتعالى، منزه عن الخطأ والنسيان لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى (طه: 52)، فما رأيكم فضيلتكم حفظكم الله في الاستعاضة بعبارة "اختلاف خلقي" أو "مرض خلقي"؟
الشيخ عبد الله بن منيع: حفظك الله، في الواقع حول هذا القول نفسه، يمكنني أن أورد قصة تتعلق بهذا الموضوع: كنا حفظكم الله في مؤتمر في الكويت حول الهندسة الوراثية، وكانوا يتحدثون عن الجينات، وعن اختلاف الجينات، وأن الجينة لو حلت محل أخرى من هذا لحصل شيء من المرض أو الخلل أو نحو ذلك كنا حفظكم الله في هذا المؤتمر، وطلب من مجموعة منا أن تزور أمير الكويت رحمه الله الشيخ جابر، وبالفعل ذهبت مجموعة منا، ومنهم محبكم، وحينما وصلنا إلى هناك، طلب من كل واحد منا أن يتحدث دقيقة أو دقيقتين، إما عن بلاده أو عن نفسه، أو عن أي شيء، فعلى كل حال، مر الحديث وتحدث الجميع، فمر الحديث على أحد الأطباء، فقال: والله يا سمو الأمير نحن وجدنا في الإنسان أربعة آلاف خلل، أي أربعة آلاف خطأ في تكوينه، فما إن سمعت هذا، حتى شعرت وكأن صاعقة سقطت على رأسي، استأذنت بالكلام مجدداً، لأن كلمتي كانت سبقت كلمة الدكتور، وقلت: أستأذن يا سمو الأمير في أن أعلق على كلمة سمعتها، وأرجو أن تأذن لي، فقلت: أخي جزاه الله خيراً تكلم، وقال إن في الإنسان أربعة آلاف عيب خلقي، وشيء من هذا القبيل، وهذا في الواقع يعتبر سوء أدب مع رب العالمين، لا يجوز لنا ذلك، إن الله سبحانه وتعالى ما أراد شيئاً إلا وراءه حكمة، ووراءه سر، وراءه علة لهذا الشيء، فهو سبحانه وتعالى لا يمكن أن يتصور بأنه يخطئ، بل هو حكيم خبير عليم لطيف، سبحانه وتعالى واسع الخبرة والعلم.. وبناء على هذا فنحن في الواقع نتألم من هذا التعبير السيئ، الذي هو قمة في سوء الأدب مع رب العالمين. فما كان منه إلا أن تحدث، وقال: والله جزى الله خيراً فلاناً، هذه كلمة دائماً نحن معشر الأطباء نقولها ونتساهل فيها، لكن هذا في الواقع تنبيه يجعلني أتنبه، ويجعل إخواني يتنبهون إلى أن هذا سوء أدب مع رب العالمين، ولا يجوز بحال من الأحوال، وحينما ننظر إلى مجموعة من عباد الله، ونقول هذا معيب وهذا صحيح وهذا معاف، هل هذا يعني أن الله سبحانه وتعالى أراد ظلم هذا، أو أخطأ في تكوينه، حاشا الله وكلا، بل هو سبحانه وتعالى جميع ما أراده لا بد وأن يكون لحكمة أرادها، علمها من علمها وجهلها من جهلها، ولا شك أن من كان معاقاً، فهو في الواقع يعتبر صورة للسالمين من هذه الإعاقة، ليذكروا نعمة الله عليهم، كما أن هذا المعاق له من الأجر، من أجر الصبر على قضاء الله وقدره الشيء الكثير، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بأن الله يختار للمرء مكانة لا تصل إليها أعماله الصالحة، فيصاب بما يحبط سيئاته، ويعلي حسناته، ويكون مستحقاً لهذه المنزلة، فأقول جزاك الله خيراً، والتنبيه على هذا الأمر في هذا الحفل المبارك، تنبيه مبارك، وأرجو الله أن يثيبك على ذلك.
سؤال من الأستاذة عطية ناشد، مدرّسة لغة عربية:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سعادة الشيخ حفظكم الله، أود التذكير بقوله تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ الَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (النور: 60)، هل المقصود بها جواز إظهار الشعر بعد هذا العمر أمام النساء؟ وما رأيكم في التذكير بيوم الهجرة لطالبات المدارس، والاحتفاء بهذا اليوم؟
الشيخ عبد الله بن منيع: أولاً المعروف أن القواعد من النساء هن العجائز، اللائي ليس لهن رغبة في الإرب، فعلى كل حال إذا كانت وصلت إلى هذه المرحلة فهي غنية عن الرجال، والرجال هم أغنياء عنها وعن الطمع فيها أو نحو ذلك، وبناء عليه فهذا يعني أن الأحكام الشرعية دائماً وأبداً معللة بما وراءها من علل مقتضية لذلك، والله سبحانه وتعالى قال: وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ (النور: 60)، فيستعففن يعني أن تكون في كامل حشمتها وفي كامل لباسها، والأمر والحمد لله واضح. أما فيما يتعلق بالتذكير بالهجرة فوالله في الواقع لا يظهر لي في ذلك مانعاً، على أساس ما هي الهجرة، هل كانت في شهر محرم؟ أم كانت في شهر ربيع الثاني؟ ثم إن الذي استذكر هذه الهجرة على ما يعرف فهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهذه مناسبة فيها فرصة التعليم والتوجيه والتنبيه، ولا يظهر لي في الأمر أي مانع إن شاء الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :521  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 10 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج