شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عزاء (1)
(1)
انبرى الأستاذ (سهران) لإنصاف الحلواني الشاعر، لما هاله في نقدنا من التحامل "المعيب" و "الخطأ الفني" وقد أجرى دفاعه مجرى العزاء والتوجع، اللذين سرهما الرحمة والشفقة، متظاهراً بالرغبة في إنصافه.
والأستاذ "سهران" رقيق العاطفة مرهف الحس، وقد آلمه أن يتدحرج مجد الحلواني وشعره وحبه في هاوية لا قرار لها. وأشباه الأستاذ في الدنيا كثر ولا اعتراض لنا على ضرورة وجودهم في الحياة لا تفسح للضعيف مجالاً! وأنا لمن أول المعترفين بأن الحياة تنقلب جحيماً لو تجردت القلوب كلها من الرحمة وإنصاف الضعيف والدفاع عن العاجز. ومن خير البر لا شك، أن يتطوع القوي للمناضلة عن ضعف منتهك، أو عجز مستباح.
ولكن هل كانت هذه غاية الأستاذ حقاً من دفاعه؟ أم كانت غايته، أن ينكأ جرحاً في قلب الشاعر أوشك أن يندمل، وأن يبالغ في تصوير فشله، وتعنيفه عليه بهذا الدفاع الذي يعترف فيه بأن الشاعر كان كثير السقطات، وجديراً بالسخر والتهكم؟ ويصور به صاعقة مروعة تنقض على رأسه؟ ويشهد بأنه أثخن طعناً؟ ويتركه هكذا جثة هامدة، لا يلوح بدليل واحد على حياة؟؟.. إن من الرحمة لقسوة! وإن من العزاء لرزاء! وإن من التوجع لتنكيلا!
وما تظن حلوانينا الشاعر إلا متبرماً بهذا الإنصاف أضعاف تبرمه بالنقد ونحسب أن لو كانت فيه بقية من نشاط لأخذ بتلابيب الأستاذ واقتاده إلى حيث يثبت له أن سقوط شاعريته في ميزان النقد لا يعني موته وتلاشي حيويته كإنسان.
وماذا يا ترى، يسع الشامتين بالحلواني والهازئين به أن يقولوا فوق مقالة الأستاذ في إنصاف الشاعر؟ وما هي لغة الشمات والرزاية، إن لم تكن هذا التقرير الذي يؤكد الإسراف في التدليل والإسراف في الاعتراف؟؟..
سيقول الحلواني "إن الأستاذ سهران" إنما تقدم بهذا الدفاع عنه ليضاعف عليه الرزاء، والنكاية، وسيقول إن الأستاذ نصيرنا وخصيمه وسيجد من الدلائل والشبهات وما يؤيد هذا القول وما نخال الأستاذ "سهران" بحاجة إلى ما يدله على مواطن الدقة والمنطق في هذه الدعوى.
وبعد، فإن كانت نية الأستاذ معقودة حقاً على إنصاف الشاعر، فقد علم الله والناس، أنه عثر، وضاع عليه أجر المصيب، ولم يبق له على أمله إلا أجر المصيبة، وأجر المجتهد المخطىء، وما على الشاعر وحبيبته إلا أن يسلكاه في عداء من يجوز عليهم الدعاء "نظماً" من الخصوم والأعداء فبماذا ينفي هذا السهام المسمومة؟؟
والآن نميل إلى الأستاذ "سهران" لنوفيه حقه من التقدير والإعجاب بلباقته وابتكاره أسباب الخلاف والتناقض بيننا في حين أننا على تمام الوفاق في شأن الشاعر.
قال إنه "يخالفني في أذكاري على الشاعر فنزعه إلى الأساة والأطباء لئن ذكر الطبيب في مثل هذا الموقف من صميم منازع الحياة ومن ناحية الوهم والخيال الواقع أولاً وثانياً، لأن الحب اليائس كثيراً ما يورث أدواء تتطلب علم الطبيب وفنه وشورته، وقد لا يكون العلاج غير الوصل بين الحبيبين وسواء أقام بهذه المهمة طبيب، أو رجل آخر ليس من أهل هذه المهنة، فإن المعنى يظل مستقيماً، ويبقى له حظه الحسن من الفن والجمال، واستدل بقول إسماعيل صبري:
يا آسي الحي، هل فتشت في كبدي؟
وهل تبينت داءً في زواياها!
ويقول حافظ إبراهيم في رثاء اللغة العربية:
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني
وفيكم -وإن عز الدواء- أساتي؟
ونحن نحمد الله على أن الأستاذ يحسب الفرق الدقيق بين آسي "الحي" والطبيب، فإن هذا الإحساس خليق بأن يمهد لنا سبيل التعارف والاتفاق".
ونقول للأستاذ، إننا لم ننكر على الشاعر فزعه إلى الأطباء بل قلنا إنه يكذب عليهم، وينسب إليهم ما لا يستقيم حتى في منطق الدجاجلة المشهور عنهم الاشتغال بهذا العبث وما على الأستاذ إلا أن يدلنا على طبيب يزعم لمريض أن الدواء نظرات حبيبه إليه، أو على طبيب يرضى أن يترك عيادته ليصل بين حبيب وحبيبته!!
وبعد فقد تكون حبيبة الشاعر مصابة في عينيها بعارض يمنعها التحديق في وجه الشاعر، أو لعلها زاهدة في مرآه زهادة لا تقضي على احتمال ارتياحها إليه باجتماعات قصيرة أو طويلة ترفه عنه بلواه في حبها فما شأن الطبيب بهذا؟؟ إنه شأن الدجاجلة الذين يزعمون القدرة على تحويل الأفكار بالرقى والتعاويذ. أو شأن الأساة الذين يحملون في حقائبهم عقاقير سحرية ينسبون إليها قيادة القلوب والتصرف بها، ولن يرضى طبيب يحترم فنه أن يكون لهذا نصيب في ضمان مورده على الأرجح إلا إن كان متطرفاً في حب الإنسانية كالأستاذ: فما نحاول الحجر على عواطف الناس!!
ومن حق الأستاذ "سهران" أن يحمد الله معنا، على أن العشاق لا يلتمسون عند الأطباء شفاءهم من شقوة الحب وتباريحه كما يلتمسونه عند العرافين والسحرة، وأساة الحي. وإلا لانقلبت الدنيا مستشفى كبيراً. والناس مرضى حتى.. الأطباء!..
وما الشعر الذي احتج به الأستاذ إلا دليل على أن علاج الحب لا يتصل بفن الطبيب، ولا يشفيه إلا إيحاء المنومين أو طب علماء النفس..
ولهذا يقول صبري لآسي الحي، هل تبينت داء في زوايا كبدي؟ وهذا دليل على خفاء هذا الداء على الطبيب، والبيت كله يشعر بلوعة البائس في مقدرة الطبيب على تبين الداء وشفائه.
والشطر الأول منه يوشك أن يكون تهكماً حزيناً على الآسي، يتعرض لما لا يدخل في فنه ومعرفته!!!
وقد فطن الشعراء، والعشاق، قبل صبري إلى عجز الطب عن إنقاذهم وضيق حيلته بأدوائهم. وليس هذا من الخفاء بحيث نطالب بالدليل عليه.
ولا خلاف في أن آسي الحي الذي يجمع بين كفاءة العراف، وخبرة المجرب غير الطبيب الذي يقوم فنه على الواقع بحدوده المقننة.
وقد كانت مصر على عهد (صبري) مأخوذة بهذا الوهم الذي يزين للعشاق التماس العزاء والأمل والراحة عند هؤلاء الأساة.. إن عز الشفاء، فلا عيب في أن يتأثر به صبري.
ونرى أن أصالة صبري قد حالت بينه وبين المتعلق بمقدرة الآسي، المفروض توفرها في عرف العامة والجهلاء، فلم يقل إن الطبيب شفاه من حبه وتباريحه أو أنه أشار عليه باتباع أسلوب معين يضمن له الراحة من كربه. بل انصرف بعد هذا البيت إلى بث الأمة وتصويرها، شأن البائس من فائدة هذا العبث.
وبيت حافظ في رثاء اللغة العربية لا نعرف له علاقة بموضوع اجتماع الأستاذ لرأيه، فنحن لم ننكر على الحلواني، استعماله كلمة الأساة، والأطباء ولا ننفي أن الحبيبة في موقف الشاعر تنزل منزل الطبيب من المريض أو الدواء من المرض، ولا ننكر لكلمة الأساة في شعر حافظ، فإنها تستقر منه في موضعها الطبيعي المكين ولكننا ننكر أن يكون في وضع أحد غير الأستاذ سهران أن يدّعي استقامة هذا الدليل للنهوض بحجته.
ونقول للأستاذ إننا لم نفرض على الحلواني أن يستعين بدجالين ومشعوذين على شفائه، ونبرأ إلى الله وحده من هذه التهمة، ونحسب أن لو كان الأستاذ محامياً والشاعر موكله لما أرضاه بأن يسوق للدفاع عنه أمثال هذه الأدلة.
ونعاتب الأستاذ عتاباً رقيقاً على إقلاق المجنون في قبره، والتماس النصرة من شعره الصادق. وقد كان أخلقه أن يطلبها عند من فسدت ملكاتهم وطباعهم من الشعراء الذين يفهمون الحب وما يتصل به على أنه من جملة الألاعيب والأباطيل.
قال المجنون:
يقولون ليلى بالعراق مريضة
فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
وهو هنا يتمنى أن ينزل من ليلاه منزلة الطبيب لمجرد القرب منها، والاستعانة بهذه المناسبة لرؤيتها، والتوفر على خدمتها وعلاجها، بصدق الحب، وحرارة الإخلاص.
أو أنه يؤمن بأن ليلى مريضة بحبه وبالشوق إليه، فيكون طبها عنده لا عند الأطباء والأساة. ولا نعرف للبيت معنى ثالثاً نصحح به عقيدتنا في شعر الحلواني فهل يعرف الأستاذ؟؟
التوقيع
هول الليل
 
طباعة

تعليق

 القراءات :551  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 31 من 71
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج