ردِّدي يا رياحُ! سخريةَ الها |
زل، يَلهُو بها الوجودُ نشيدا |
واركبي البحرَ بالمُجون، وبالسُّخـ |
ـرِ، صُدوراً -إذا وَنَى- ووُرودا |
وأديري عليهِ من جامِكِ المرِّ |
كؤوساً، تَشوي المرائرَ، سُودا |
فإذا ضاقَ بالحِراكِ، وقد ضَا |
ق، فلا تَنفُسي عليه الرُّكودا
(1)
|
يقنَع الخائرُ العزيمةِ بالهُو |
نِ، ويأبى الطَّموحُ إلا مَزيدا |
* * * |
واعبَثي، يا رياحُ، بالبحرِ، إن ثا |
رَ، وما ثورةُ الكسيح الحَنيقِ؟ |
واذهبي فوقَ موجه، مذهبَ الظَّا |
فِرِ، يَلهو بضدِّهِ المَعروقِ |
واسخَري، يا قيودُ! منهُ، إذا همَّ |
حِراناً على الإسارِ، وضيقي
(2)
|
فَهْو ما ثارَ، أو تَطامَنَ، نِكسٌ |
يتلظَّى بحسرةِ المَسبوقِ
(3)
|
وسبيلُ المغلوبِ في زحمة الدُّنـ |
ـيا، على يأسِهِ، سبيلُ الغريقِ |
* * * |
فإذا صاحَ أو تخبَّطَ، لم يَدْ |
عُ غِلاباً، صريخُه، واضطرابُهْ |
فاحترابُ الأمواجِ، حرَّكها العا |
صفُ، فِعْلٌ للفاعليه انتسابُهْ |
وَهْو إنْ خِيلَ مظهرَ البأس للبحـ |
ـر -كِذابٌ، إن ادَّعاهُ عُبابُهْ |
فمتى عُدَّ سابحاً راكبُ اليـ |
ـمِّ، وقد أسلم الحياةَ إهابُه؟ |
ولقد تَدفعُ الرِّياحُ جماداً |
أفيُدنِيْهِ من حياةٍ وثابُه؟ |
* * * |
إنَّما تُنسَب الفِعالُ إلى الفا |
علِ، والبحرُ للرِّياح مَقُودُ |
تتولاهُ، كلَّما شاقَها السُّخـ |
ـرُ بعَصفٍ، تذوب فيه الرُّعودُ |
ولسُخرُ الرِّياح، ويلٌ على البحـ |
ـرِ، ثقيلٌ، قديمُهُ والجديدُ |
كم يُعاني منه، ويا بئسَ ما عا |
نَى من الهَول، مُستضامٌ مَسودُ |
شَدَّ ما آدَهُ وطامَنَ منه |
أن تُجيدَ الرِّياحُ ما لا يُجيدُ |
* * * |
آدهُ أن يُعانق الأرضَ. والرِّيـ |
ـحُ عليه رُواقُها ممدودُ |
ملكَتْ دونَه المسالكَ والجوَّ |
لَها، لا لَهُ -العُلا والبُنودُ |
ساحباتٍ أذيالَها فوق هاما |
تِ أواذِيِّهِ، وهنَّ هُمودُ |
وحقيقٌ بالذُّلِّ في موقف الجِـ |
ـدِّ وغاياتِه، الضَّعيفُ الحسودُ |
والأعاصيرُ للطَّلاقة والفَو |
زِ، وللبحر ذُلُّهُ والحدودُ |
* * * |
إن قَسَتْ طبَّقتْ -ثقالاً- مدى الأُفْـ |
ـقِ، وفاضَت على الزَّمان ثُبورا
(4)
|
أو حَنَت -ردَّت الحياةَ نَعيماً |
والجَديدَينِ شَعْرَها المنثورا |
كامناتٌ فيها قُوًى هَدتِ العِلـ |
ـمَ، وألقت على المساتيرِ نورا |
زاخراتٌ بالمعجزات، فما يفـ |
ـتأ قانونها الرَّويَّ الغزيرا |
كم نضَا العلمُ من ستورٍ عليها |
فأجدَّت أعقابُهن سُتورا |
* * * |
الِغير الهواءِ هذا الثَّراءُ الجَـ |
ـمُّ، في ذلك الجلالِ الكبير؟ |
ولِما قد طوَى الأثيرُ، وناهِيـ |
ـكَ بما في مُغيَّباتِ الأثير؟ |
ألِما كان، يا خُضارةُ من جهـ |
ـلِكَ تَرمي أسرارَهُ بالنُّزورِ؟
(5)
|
أمْ لِما فيه من أعاجيبَ للخا |
لق، تُزْري بالعَيلَم المسحورِ؟ |
قد تمشَّت بهنَّ آياتُه اللُّسـ |
ـنُ، على مارِن الجَهول الكَفورِ
(6)
|
* * * |
الرِّياحُ! الرِّياحُ! مُذ كُنَّ -للغيـ |
ـثِ، وللبحرِ، والنباتِ لواقحْ |
وَهْي فيما رأيت من قَبلُ، يا بحـ |
ـرُ! غوادٍ على حَشاك، رَوائحْ |
سانحاتٍ طَوراً، تُطارحُك اللَّيـ |
ـنَ، وطَوراً -وإن كرهتَ- بوارحْ
(7)
|
ولدَيها من الألاعيبِ شتَّى، أنـ |
ـتَ منه عَيْرٌ، يُقاس بسابحْ
(8)
|
بَيدَ أنَّ العظيمَ يُولَعُ بالسُّخـ |
ـرِ، وكم راضَتِ الهَناتُ القرائحْ
(9)
|
* * * |
حُجَّةُ العاصِف المُدَوِّمِ يا بحـ |
ـرُ! فِعالٌ، تخافُها -ومَلاحِمْ
(10)
|
كلما زدتَها لجَاجاً أذاقَتْـ |
ـكَ، نَكالاً يَشفِي السَّخيمةَ، جاحِمْ |
سيرةٌ ما تزال تلقاكَ بالويـ |
ـلِ غَضوباً، وبالهوان، مُسالِمْ |
صيَّرَتْ ظهرَك العَصيّ ذَلو |
لاً، وتولَّتك بالبُرَى والشَّكائم
(11)
|
اِنتَصِفْ إن أطقتَ، أو فاخفِض الرَّأ |
سَ على ذِلَّةٍ، وأنفُك راغِمْ |
* * * |
ما أرى جُهدَك الجَهيدَ على هـ |
ـذَا التَّسامي إلا فُضولَ جَهالهْ |
وبماذا تَروم مَطلبَك الصَّعـ |
ـبَ وقد زادك الطِّماحُ ضَآلهْ؟ |
قد عَداك النَّجاحُ في المُمكنِ الدَّا |
نِي، فمَسعاكَ للمحالِ ضَلالهْ |
وإذا ضاق دونك المَسلكُ الرَّحـ |
ـبُ، فهل يَفسَحُ المَضيقُ مَجالَهْ؟ |
ما غَناءُ الأحلامِ، وَهْيَ أمانيُّ، |
إذا كانتِ النُّفوُس كَلالَه
(12)
|
* * * |
لستَ يا بحرُ! في الحقيقةِ إلا |
قَطرةً في محيط هذا الهواءِ |
أنتَ للنَّقصِ بين جَزرٍ ومَدٍّ |
وهْو -رغم الأنوف- للإرباءِ |
ولَكَم سامَك الهوانَ، فأغضَيـ |
ـتَ، مريضَ الحشا، على الأقذاءِ |
تتأسَّى ذلاً بشطآنكَ السّو |
ءِ، تأسِّيَ الضَّعيفِ بالضُّعفاءِ |
تشتري العيشَ بالضّراعةِ يا بحـ |
ـرُ! وبِئسَتْ مِن خُلّةٍ نكراءِ |
* * * |
إنَّ نفسَ الحقيرِ تأنسُ بالعَو |
نِ، وشأنُ العظيم أن يتفرَّدْ |
وإباءُ الأبيِّ يُركِبُه الوعْـ |
ـرَ، فيلقَى الأخطارَ غيرَ مُزوَّدْ |
والجبانُ الهلوعُ يحتملُ الضَّيـ |
ـمَ، ويَرضاه للسَّلامة مَقعدْ |
وسبيلُ القويِّ أن يفرَعَ الصَّعـ |
ـبَ، ولو كانت اللَّهازمُ مَصعَدْ
(13)
|
رُبَّ مَوجٍ يُريكَ ظاهرُه البَأ |
سَ، إذا هبَّ عاصفٌ يتبدَّدْ |
* * * |
والأباطيلُ، يا خُضارةُ! لا تَبـ |
ـقى طويلاً، إن أصبح الهزلُ جِدّا |
أتَرَى مُرسِلَ الحقائقِ بيضاً |
مثلَ من يَقحَم الأكاذيبَ رُبدا؟ |
والأباطيلُ شأنُ مِثلِك، يا بحـ |
ـرُ! وما أوخَمَ الأباطيلَ وِردا |
والذي يألف السَّراديبَ لا يَرضـ |
ـى، ولو سُمتَه، الطريقَ الأسَدّا |
مَنْ عَذيري من كاذبٍ، يدَّعي الصِّد |
قَ، ووغدٍ يرى المسَبَّةَ حَمدا؟
(14)
|
* * * |
وضعيفٍ يَنزو، إذا آنسَ الرَّحـ |
ـمةَ لكن إذا تخيَّفَ، أكدى
(15)
|
وطباعُ اللئيمِ تصلحها القَسـ |
ـوَةُ، والعنفُ بالنَّذالة أجدى |
ومتى ضِقتَ بالجهالة ذَرعاً |
فسبيلُ الرَّشاد أن تَستبدّا |
رُبَّ ذي عنجهيَّةٍ إن رأى الَّليـ |
ـنَ تعالى، وإن أُهينَ تردَّى |
وإذا اعتلَّتِ النُّفوسُ غروراً |
خالتِ الأعينُ الغِوايةَ رشدا |
* * * |
إن ألظَّتْكَ بالمواجع دنيا |
كَ، فغَوِّثْ بأنّة المحرومِ |
ما حمتكَ الأمواجُ، والصَّخَب الوا |
هنُ، لكنْ مروءةٌ من كريمِ |
وقديماً، حماك مَهلكةَ الجُو |
ع، فلاقيتَه بفعلِ لئيمِ |
ليتَه إذْ أسَا جراحَك لم يُمْـ |
ـنَ بشرٍّ، من طبعِك المسموم |
أجِنَتْ نفسُك الخبيثةُ، يا بحـ |
ـرُ! فباحت بِنَتْنِكَ المكتومِ؟ |
* * * |
الهواءُ الجبَّار، أرجوحة المو |
تِ، فجرِّبْ، يا بحرُ، فيها كِفَاءَكْ
(16)
|
وهي أخراكَ، إن تعجَّلتَ، أو كنـ |
ـتَ بطيئاً، فما تَزُودُ فِنَاءَكْ |
سئِمَتْ هذه النفوس أضاليـ |
ـلَكَ، مذ آثر الزَّمانُ انطواءَكْ |
وغداً، يَشهدُ الزَّمانُ تَردِّيـ |
ـكَ، وتَطوي ذُؤابتاه حِواءَكْ |
وتديرُ الشُّطآنُ بَعد ذكرا |
كَ، وتجترُّ في لُغوبٍ رثاءَكْ |
* * * |
شِخْتَ يا بحرُ، والجهالةُ تَحدو |
كَ، فهل أنت للجهالة نِدُّ؟ |
رُبَّ شادٍ يَزهو بمَخبرِه العقـ |
ـلُ، وشيخٍ لم يَبلغِ الرّشدَ بَعدُ |
والحِجى، والحفولُ، والعمقُ، والقوّ |
ةُ، والصِّدق، والمَدى الممتدُّ |
تائهاتٌ بمن أذلَّك، يا بحـ |
ـرُ، كما تاه بالصّقال الفِرنْدُ |
ولك الجهلُ، والضّحولة، والإسـ |
ـفاف، والكِذْب، والضَّنى، والوَهْدُ
(17)
|
* * * |
الجديدُ، الصّحيح، لا كلُّ ما أز |
جاهُ قَرضٌ، أو جال فيه خيالُ |
ولَسِرُّ الحياةِ أخفى على العقـ |
ـل، ولِلِعقلِ دون ذاك مجالُ |
ووراءَ العِيان، ما أعجزَ العلـ |
ـمَ، فألْوَى بالزَّاعميهِ الكلالُ |
إنَّ في كلِّ ذرَّةٍ عالَماً حيّـ |
ـاً حَفِيلاً بسِرِّه يختالُ |
وستَمضي العقولُ طولاً وعرضاً |
وتَكُرُّ الأيّام والأجيالُ |
ومَدى هذه الحياةِ، ومعنا |
ها، خفيَّانِ، والمزاعمُ وَهْمُ |
والذي أودعَ العناصرَ ما شا |
ءَ، له وحدَه، الهدى والعِلمُ |
هي مبنى الوجود، والرّوحُ معنا |
هُ، ولا ريبَ، والمقاديرُ نظمُ |
فإذا أضحت العناصرُ آلا |
فاً، فما يَدفعُ الأهمَّ المُهِمُّ |
إنّ كَوناً يَعجّ بالنَّاس، قد كا |
نَ له والدٌ وحيدٌ وأمُّ |
* * * |
وثراءُ الهواءِ تعرفُه النَّا |
رُ، ويَعنو له الثَّرى والماءُ |
وهما دونَه جمادانِ، هذي |
عُنصرٌ هامدٌ، وذاك خَواءُ |
وَهْو في الماء نبضُه الدَّائمُ السَّيْـ |
ـرِ، فإن غاب فالبحار لَغاء
(18)
|
وَهْو مُزجِي عبابِها حيثما شا |
ءت تصاريفُه، وشاء القضاءُ |
خاضعاتٍ له -على كُرهِها الأيـ |
ـنَ، وهل تأنفُ الخضوعَ الإماءُ؟ |
* * * |
إنَّ بَدْءَ الوجود، والخالقُ اللَّـ |
ـهُ، هواءٌ مُدَوِّم، وظلامُ |
مُدلِجٌ فيهما المَدى، حائرَ الخَطـ |
ـوِ، ومن حوله السَّديمُ ركامُ
(19)
|
حين لا بَحرَ، والأديمُ هَباءٌ |
لا، ولا ضوءَ، والجواءُ جَهامُ |
فسَلِ البحرَ، أين كان؟ وما كا |
ن؟ تُجِبْك الفروضُ والأوهامُ |
من غريرٍ يَرى الجَسامةَ فخراً |
وهْيَ -إنْ تُخْطئ الرَّجاحةَ- ذامُ |
* * * |
صَغُرَ البحرُ، ما الذي كانهُ البحـ |
ـر، إذِ الكونُ جمرةٌ تتلهبْ؟ |
أطفأتها المياهُ، وهْي بخارٌ |
حوَّلتْه عواصفُ الرّيح هَيْدَبْ
(20)
|
وتجاويفُه؟ وهل هي، لولا الـ |
ـماءُ، إلا حفائرٌ في سَبسَبْ |
أفكانت تكونُ لو تُمسِكُ الريـ |
ـحُ شآبيبَها الغنيَّة مركَبْ؟ |
وبماذا يعتدُّ من عافتِ الأنـ |
ـفس غِشيانَه، اصطحاباً ومَشربْ؟ |
* * * |
ذاك، يا بحرُ! مبدأُ البحر في الكَو |
نِ، جماداً، وغَيهباً، وأثيرا |
كان جزءاً صُلباً من الأرض، يُصليـ |
ـهِ سعيرُ النّيران فيها النّكيرا |
فإذا ذاب أبردَ الماءُ جنبيـ |
ـهِ، أهلَّتْ به الرّياح غزيرا |
فأصابتْه بالرَّخاوة، والرِّخوُ ضعيـ |
ـفٌ، وإن تعاظم زُورا |
فَهْو -ما دام مركبٌ ليِّنُ الظَّهـ |
ـرِ، وإن ظنَّه الضّعيفُ عسيرا |
* * * |
إن حسِبتَ التيَّارَ من صنعة المو |
ج، تحدَّاك صمتُه والرُّكودُ |
هو للرِّيح خادراً ومُضِيرا |
ولأمواجك الوَنَى والجمودُ |
أو زعمتَ الشِّطآنَ موئلَك العا |
صمَ، أقذاك ركنُها المهدودُ |
ذاكراً ما لقيتَ فيها وقد أسْـ |
ـخنَ عينيكَ، يومُها المشهودُ |
ولأحيائِك الهزيلةِ يا بحـ |
ـرُ، بروقٌ، زعمتَها، ورعودُ |
* * * |
فتحدَّثْ عمَّا وراءَك منها |
فَهْي ديدانُك الكبارُ الصِّغارُ |
ألصَقَتْها بالقاع ملحمةُ الأمـ |
ـسِ، وألْوى بلونها الإعصارُ |
فإذا رنَّمتْ فذاك أنينٌ |
يتعالى عن خنقِهِ الجبَّارُ |
كم ضعيفٍ أقاله ضَعفُهُ المو |
تَ، وَدُونٍ تعافُه الأوطارُ؟ |
كنْ لها مخبَأ وقبراً، فما تقـ |
ـوى على العيشِ، هذه الأعثارُ |
* * * |
ضاق ذَرعاً بكَ التَّشكُّلُ يا بحـ |
ـرُ! وهذا دليل ضَعف ثباتِكْ |
كنتَ شمساً لولا الظَّلامُ، فبد |
راً، يتمشّى الحنوُّ بين سِماتِكْ |
ثمَّ بحراً، والبحر ملعبهُ العا |
صِف، أوهَى بهَوْلِهِ عزَماتِكْ |
ثم ماذا؟ يا ساحرَ الحبلِ العُقـ |
ـدَةِ! خَبْخِبْ بمعجزاتِ عَصاتِكْ
(21)
|
أخُواءٌ بعد الثَّقافة، يا قَزْ |
مُ، تُرجِي به ختامَ حياتِكْ؟ |
* * * |
نحنُ في دولةِ الحقائقِ والفكـ |
ـرِ، فما تُخطئُ العيون الحِبالا |
ألقِها ناشراً ضعيفَ ألاعيـ |
ـبِكَ، تُضحِكْ خفها الأطفالا |
كلما صِحتِ يا ثعابينُ! أو دَمـ |
ـدمْتَ زيفاً خَفّوا إليك عِجالا |
وأجالوا في قُفَّة السّاحر القَز |
مِ عيوناً ترى المَحال مُحالا
(22)
|
قد تولّى الزَّمانُ، يا سلْخُ بالسِّحـ |
ـر، وألوَى به الجديدُ فزالا |
* * * |
وطوت صرخةُ الشَّباب أمانيـ |
ـك، وما يُعجِز القويَّ الضعيفُ |
دع مجال الجيادِ للنَّفر السُّبْـ |
ـقِ، وازحَف فقد عداك الوحيفُ
(23)
|
فوق ما تستطيعُ من سحرِك الأعـ |
ـرجِ، سُخْرٌ تغزوك منه صنوفُ |
أنتَ منها، كما يكونُ من الطَّوْ |
د المُنيفِ الذُّرى، الهزيلُ الخفيفُ |
بهلوانيةُ الحِجى غَرضُ الحَمـ |
ـقَى، ويَروي ظَما المُقِلِّ الطَّفيفُ |
* * * |
ليس إلا الحبالُ، يا ساحرَ العُمـ |
ـيِ! فأعدِدْ مُغارَها للبرازِ
(24)
|
وتخيَّرْ طُوالَها، تدفَعِ التُّهـ |
ـمَة، عنها وعنكَ، بالإعوازِ |
فعساها تُعَدّ، إن أفلسَ السِّحـ |
ـرُ، دليلَ الحُفولِ، والإعجازِ |
لن ينالَ الثَّرثارُ، بالطُّول والإطـ |
ـنابِ، شَأوَ البليغ بالإيجازِ |
إنَّ بعضَ الإسراف يُشعِر بالعُد |
مِ، وبعضَ الكلام مثلُ النُّحازِ
(25)
|
* * * |
والقليلُ الفيَّاضُ بالحُسن والرَّو |
عةِ، يَعنو له الكثيرُ الحقيرُ |
إنَّما توزَن الجواهر بالمِثـ |
ـقالِ، والمعدِنُ الخسيس وفيرُ |
وتَزِينُ الكلامَ مقدرةُ القا |
ئلِ، يَزهو به الحِجى والشَّعورُ |
ولقد يؤثَرُ الصّموتُ على القو |
لِ، ولا يَبلغُ القليلَ الكثيرُ |
ويكونُ الكثيرُ دَحضاً إذا أر |
سَلَ آياتِه المِفَنُّ البصيرُ
(26)
|
* * * |
أثَرُ الفنِّ في النّفوس نداءٌ |
لمعانيه لا تدقّ الطّبولُ |
والأُجاجُ المَرير، وهو غزيرٌ، |
دونَ ماءِ الغَمام، وَهْو قليلُ |
وصنيعُ الفنَّان في الصّورة الصُّغـ |
ـرَى كبيرٌ، رغمَ الحدود، مَهولُ |
وعسى نبرةٌ ينِدُّ بها الصَّو |
تُ، وقد دَقَّ دونَها التّهليلُ |
وعسى جملةٌ من اللّفظ ما يَبْـ |
ـلُغ تأثيرَها، الكلامُ الطّويلُ |
* * * |
أيُّها الساحرُ المدمدِم بالشّـ |
ـرِ، هزيلاً، وَهو القَمِيءُ الهزيلُ |
مُدَّعو السِّحرِ والقريض كثيرٌ |
غيرَ أنّ المصدّقين قليلُ |
ولبعضُ الكلام والسِّحر، يا بحـ |
ـرُ حُواءٌ، وبعضُه تضليلُ |
والمعاني على الجميل شُهودٌ |
وعلى قُدرة القدير دليلُ |
رُبَّ سيفٍ يرتَدُّ في كفِّ ذي الجُبْـ |
ـن كَهاماً، وهْو الجُزاز الصَّقيل
(27)
|
* * * |
أنتَ من سحركَ الملفَّقِ في دنيـ |
ـا خداعٍ، وهل يَرى المخدوعُ؟ |
وعلى عرشكَ الخياليِّ، مذْ أذَّ |
نَ داعيك، هُزْأةٌ مخلوعُ
(28)
|
وحوالَيك، من خَشاش الأناسِـ |
ـيِّ، أصولٌ كرهتَها، وفروعُ |
ذاك سُورٌ مهدَّم، أنت فيـ |
ـه، كلَّ يومٍ، مُرزَّأٌ مفجوعُ |
كلّما قلتَ: قام جانِبُه، ما |
ل، وخَرَّتْ لي قفاك الصُّدوعُ |
* * * |
كلُّ دعوى سَبْقٍ يكذِّبها الوا |
قعُ، يومَ الرِّهان، دعوى الكسيحِ |
وكذا تَسخر الحياةُ، وتلقا |
ك، إذا رُمتَها، بوجه المُشيحِ |
قد كفَتْه الكفاحَ خيبةُ آما |
لكَ، فيها، وآهةُ المقروحِ |
أيُّ غاياتِك المقيتةِ لم تَبـ |
ـكِ عليها بعَبرة المكبوحِ؟ |
قَسَماً ما تُصيب من عيشِك المُـ |
ـرِّ سوى ما تُصيب كفُّ الطَّليحِ! |
* * * |
ترَّهاتُ الأوهام، يا ساحرَ القُفَّـ |
ـةِ! تغدو فضيحةً لِذويها |
وفنونُ الجنون كُثرٌ فهلاّ اعْـ |
ـتَمْتَ منها أدقَّها تمويها
(29)
|
قَدُمَت هذه الألاعيبُ، مذ شِخـ |
ـتَ، فجدِّدْ طِلاءَها لِتَقيها |
وتفتَّقْ عن لعبةٍ، تخدَعُ النّا |
سَ، تكنْ بعدَها السَّريَّ -النَّبيها |
وتنكّبْ مصارعَ الجِدِّ، فالجِـ |
ـدُّ زَبونٌ، يَطيش رأسُك فيها
(30)
|
إنَّ دون الذي تحاولُ، يا لفّا |
قُ، بالزَّيفِ والعزائم، صِلاّ
(31)
|
يَلقَفُ الزَّيفَ، والرّعونةَ، والبا |
طلَ، والسّحرَ، مكثِراً، ومقِلاّ |
بين فكَّيه مصرعٌ فاغرٌ فا |
هُ، تلاقِي فيه الرّغائبُ ثُكلا |
ينتهي السّحر عنده ظاهرَ الضّعـ |
ـفِ، وتجثو بهِ الخوارقُ عُزلا |
ينفُض الساحرون باطلَهم فيـ |
ـه، ولو خُيِّروا لصانوه بُخلا |
* * * |
لم يضِق بالنّضال ماضيه والحا |
ضرُ، أو أفقُه البعيدُ الرحيبُ |
شَغَل الناس صيتُه البارزُ النّا |
صعُ، حبّاً، وسطوُه المرهوبُ |
وأفاعيلُه بمثلِكَ، لا السّحْـ |
ـرُ اتَّقاها، ولا ثَناها اللَّهيبُ |
يَرجُف الموجُ دونَها مُرَعدَ العمـ |
ـقِ، ويَقَذَى بها الفضاءُ الرّغيبُ |
تلك آثارهُ تحدَّى بها العُصْـ |
ـمَ، وإن كابرَ الخِضمُّ الكذوبُ
(32)
|
* * * |
صاغَها معجِزاً، ورتّلها شِعـ |
ـراً، تغنَّتْ بسحره الأيامُ |
وأصاب الجَمالُ فيها أمانيْـ |
ـه، رُواءً، والفنُّ، والإلهامُ |
مِن ينابيعها تدفَّقتِ الفتـ |
ـنةُ، سُكْراً، ما تدّعيه المُدامُ |
تتغذَّى به النّفوسُ، وتستهـ |
ـدي سَناه، القلوبُ والأقلامُ |
كُتِبَتْ في صحائف الخُلد، والخلـ |
ـدُ لأشباهِها -وقُلّتْ- تُوامُ |
* * * |
كاثرَتْ بالقليلِ أغنَى المجدّيـ |
ـنَ، فما يفعل القَمِيءُ المقِلُّ |
الذي يزعُم الإطالةَ في القو |
لِ ثراءً، وشأنُه منه ضَحلُ |
مطَلَته الذّرى أمانيه، فأقـ |
ـعَى ينوءُ طَوراً ويغلو |
قلِقاً، ما يَقِرُّ، كالموثَق المجـ |
ـهودِ، ألْوى به قويٌّ مذِلُّ |
بِمَ يحتال للحياة؟ وهل يَلـ |
ـقى مَجالاً بين الغضافِرِ وَعلُ؟
(33)
|
* * * |
مسرَحُ الأسدِ، يا وعولُ! على البعـ |
ـدِ، خيالٌ عذبٌ، وحُلمٌ جميلُ |
أقبلي، أدبِرِي، حوالَيه، لا يَثـ |
ـنيكِ عن وِرده الرَّوِيَّ، نُكولُ |
وأريحي السّتارَ عنه، فما تر |
هَبُ، ما يَحجب السّتارُ، الوعولُ! |
فإذا أيقظَتْكِ رائحةُ الأسـ |
ـد تَناءَى بكِ السَّبيلُ الطَّويلُ |
والمَدى بينها وبينكِ وعدٌ |
شهِدَ الجبنُ أنّه ممطولُ |
فاصنَعي بالخيالِ، ما يجعلُ الوا |
قعَ كِذْباً، وخِدعةً أو هُراءَ |
أتكونُ الحياةُ وَعليَّةَ الطّعـ |
ـمِ، إذا الحقُّ، في دجاها، أضاءَ؟ |
ولذا كانت الوعولُ على الأسـ |
ـدِ قياماً، وما تقول افتراءَ |
أفما ترسلُ النَّبيبَ طويلاً؟ |
فهْي أقوى من الضَّواري أداءَ
(34)
|
ذاك من منطقِ الوعول، وهل تبـ |
ـلغُ منه الليوثُ إلا مِرَاءَ؟ |
* * * |
فإذا قلتَ: إن زأرة اللَّيـ |
ـثِ لهيباً، يذوب فيه النَّبيبُ |
ودبيباً يمشِي له الشَّيبُ في الأنـ |
ـفسِ، لو كانت النّفوسُ تَشيبُ |
ومعانٍ من الصَّلافة، والقوَّ |
ةِ، والهَول، دونَهنَّ الخطوبُ |
أنكرتْ قولَك الوعولُ، وأدْلَت |
بِهُراء يَحار فيه اللّبيبُ |
واستجاشَت صغارَها، ومَضَت تُمْـ |
ـعِنُ في تيهِ جهلِها، وتَلوبُ |
* * * |
وتعاوَت، يصيحُ هذا فيتلو |
هُ مُسِفٌّ، أو أرعَنٌ مستخفُّ |
وأجالَت أذنابَها في مجالِ الـ |
أمنِ، والأمنُ للمهازيل سِجفُ |
أتَراها تجولُ في مَربَض الآ |
سادِ، حيث النّفوسُ تَهوي، وتطفو؟ |
لا! ولكنَّ في النبيبِ عَزاءً |
فليكنْ نبعَها الذي لا يَجفُّ |
هي في حُرمةِ الضَّعف والعَجـ |
ـزِ، وليثُ الشَّرى قويٌّ يَعِفُّ |
* * * |
وهْي في مخبأ، تُجانبُه الأسـ |
ـدُ، حياءً، أو سَمِّهِ: إبقاءَ |
أفما تَفْرَقُ الوعولُ إذا لا |
ح خيالُ الشَّرى، فما تَتراءى؟ |
فلها أن تصولَ بالقَرن والظِّلـ |
ـفِ، وأن تملأ الحياةَ هُراءَ |
ولكلٍّ مدىً، وقد عرفَ النّا |
سُ مَداها، حقيقةً وادّعاءَ |
ولِمَن أثخنَتْ صروفُ الليالي |
فيهِ أن يُشبِع الصُّروفَ عِداءَ |
* * * |
ولقد تَصمُتُ السِّباعُ، وفي الصَّمـ |
ـتِ أداءٌ من بأسِها وقُواها |
ولقد تصرَخُ الوعولُ، وفي ذا |
ك معانٍ من خوفها وجَواها |
فإذا ما تكشَّفت ساعةُ الهو |
ل حَمَت وثبةُ السِّباع شَراها |
وطوَت مسرحَ الوعولِ، ودكَّتـ |
ـهُ، فأمسى بقاؤُها كَفناها |
* * * |
وانزوَت تُشبِعُ الظَّلامَ عُواءُ |
أو أنيناً، فما تُطيقُ العُواءَ |
ولقد يَعصِفُ الهواء بمأوا |
ها، فيغدو به الهواءُ هَباءَ |
فإذا أقبلَ النَّهارُ اطمأنّت |
وأقامت عواصِفاً هَوجاءَ |
زاعماتٍ قرونَها أسَلَ الطَّعـ |
ـنِ، وآياتِ نصرِها الغُلَواءَ |
* * * |