شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
التاريخ.. بلغَة الأسَاطير
(1)
قَبرٌ.. وقُبور..
قبرٌ يَتحرَّك.. يتكلَّم..
ويقولُ: أنا..
مصنَعُ دِيدان.. لا تُحصَى.. عُلْيا
قبرٌ يتألَّم.. أحيانا!
ألَمَ الأحياءِ.. الدُّنيا!
فيهِ الإحساسُ.
بغيرِ شُعور.
* * *
(2)
وقبورٌ.. ساكِنَةٌ.. صامِتَة
في ظلمَتِها.. مَنْسِيَّة..
لم يَسقُطْ في عيد،
من أعيادِ الطُّوفان، عليها
خيطٌ من نور..
من نورِ الذِّكرَى
نثراً.. أو شِعرا
هي ماضٍ مُخْضَلّ
بِدَمِ الإيمان.. المُنْهَلّ
على جَنَباتِ حَوالَيهِ الديدانُ
مجالَ بقاء.
ماضٍ ناضلَ فيه الجرحُ، طويلا
كي يبقَى جرحاً.. لا يُشفَى..
لا يُنسى.. لا يَهدَأُ.. أبدا
ماضٍ.. مطوِيُّ. مجهول
مذ أصبحَ تاريخاً.. تَجهَلُه الدِّيدان!!
يَنبُضُ بالآلام
ويسبَحُ في ألغازِ الإلهام
ويَطفَحُ بالآمال.. وبالأحلام
ويغرقُ في صَمتِ الإبهام..
وفي الأشواق.. الكُبرى
الثائرةِ.. الناريّة
ماضٍ خالد..
في صُوَرٍ دامِيَة
لم يَخفِضْ فيها الكِبْرُ العملاق
جبيناً للطُّوفان
لم يخلَعْ أثوابَ حِدَادِ الدَّار
لِيلعبَ بالقيثار
ويرقُصَ فوقَ المسرحِ، للجبروت
على أحجار السَّدّ..
في أعيادٍ.. قَتَلتْ أعيادَ البركانِ.. المطمور
تلك الصُّوَرَ الوضَّاءة..
الصُّورَ.. الآيات.. التاريخ..
آلى أن يَطمِسَها المارد
لَمَّا أعجزَتِ الطُّوفان
فارتاع بها..
بثَباتِ الأُطُرِ المنحُوتَة
من صخرٍ.. صُلْب..
مقالِعُه جَنَبَاتُ الآل..
وحِراءٌ، وثَبِيرٌ.. وأُحُد.
وارتاعَ بأنَّ لها
في كل بُيوتِ الحيّ،
ظلالاً.. صُوَراً.. أخرى،
أكثر مما قَدَّر.
تحفَظُها الجُدرانُ السُّود.. البُكْم.
شاراتِ حِداد.. تَنشُرُها.
في أعيادِ الطُّوفان
لئلا ينسَى الأطفال
قبورَ المَوْتَى،
وجراحَ السَّدّ.. الأسطورةِ..
المستشهِدِ في يومِ الطُّوفَان..
* * *
(3)
القبرُ.. الطِّفلُ.. المُتَرَعْرِع
في ظِلِّ المارد!
القبرُ المَصنَع!
يقذِفُ بالدِّيدان
ألوفاً.. لا تُحصَى
يقطِفُ.. يُنتِجُ.. لا يَخشى الموتى
أما الأحياءُ.. فلا أقدامَ لهم
إلا أحداقَ عيون
كانت تُبصِر..
أعماها.. الدَّمع.
وازدحم الحيّ.. وماج..
بِشَيءٍ.. لا يُحْصَر..
شيءٍ.. كغُثَاءِ السَّيل.
* * *
(4)
وبدا للمارِدِ رَأْيٌ
في الصُّوَر.. الشَّارات.
شاراتِ حِدادِ الحَيِّ.. الحَيّ..
عدُوِّ الأحياء
صديقِ الأمواتِ.. الشُّهداءِ.. الأوغاد.
فدعا أطفالَ القبرِ.. المصنَع!
في ساحتِه الكبرى.
عند المَنبع!
وانتصبَ.. خطيباً.. قائدَ حرب
صالَ.. وجالَ.. فأسمَع
ضدَّ الشاراتِ السُّود.
والصُّوَرَ المنحوتَةَ من صخرِ
جبالِ الصَّبر.
ضدَّ الأُسطورة..
ضدَّ جراح السَّدّ
ضدَّ قبورٍ ساكنة.. في ظُلمَتِها مَنسِيَّة
حولَ البركانِ الخامد
* * *
(5)
وانطَلَقت أولُ ذِكرى
أحجاراً.. وترابا
وسيوفاً خشبيَّة..
وخيولاً.. من لُعَبِ الأطفال
ولغْوَ صغارٍ.. وسِبابا
مَرْحَى.. يا أولَ ذِكرى..
من قبرٍ حيٍّ.. يتحرّك.. يتكلم.
ويقولُ: أنا..
لقبورٍ ساكنَة.. صامِتَة.
لم يسقُطْ من قبلُ عليها
خيطٌ من نور..
من نور الذِّكرى
نثراً.. أو شِعرا
* * *
(6)
وابتسم الجُرح..
وظلَّ يناضِل.. في صَمْت
أياماً.. أجيالاً أخرى..
كي يصنَع عقلا..
بِرَمادِ البركانِ.. البارد.
يَستَنبِتُ فيه أقداما..
بَدَلَ الأحداق
وكي يبقى جُرحا
جرحاً.. لا يُشفَى.
لا يُنسَى..
لا يَهدَأ.. أبدا..
جرحاً.. يخشاه المارِد والطُّوفان.
وتجهلُه.. الدّيدان../الصبّيان..
25/12/1959م
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :430  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 136 من 169
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.