شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحالة السياسية
تقدم بنا أن مكة تعرضت في أعقاب العهد الأيوبي لأطماع جيرانها في اليمن بفعل الدسائس التي كان يحركها المختلفون من أشرافها على الحكم وأنها ظلت على ذلك إلى أن استخلصها من الفوضى شخصان من كبار أشرافها هما الحسن وابنه أبو نمي الأول في عام 647 واستقلا بإدارتها بعيدين عن كل نفوذ، وقد استمر أبو نمي الأول بعد أبيه يضطلع بأعباء حكمه مستقلاً إلاّ أن هذا لم يدم طويلاً لأن المماليك الأتراك الذين قهروا الأيوبيين في مصر وأنشأوا على أنقاضهم حكومة جديدة ما لبثوا أن تطلعوا إلى مد نفوذهم إلى مكة، وشرع سلطانهم الظاهر بيبرس في عام 667 ثم قلاوون بعده يحاولان بجميع الوسائل التدخل في شؤون أبي نمي وحمله على الدعاء لهم على منبر مكة، وقد بذلا في سبيل ذلك كثيراً من الأموال وأغرياه بكثير من الهدايا ثم جربا معه شيئاً من الوعيد عندما علما أن سياسته شرعت تنحاز إلى حكومة الرسوليين في اليمن حتى استطاع قلاوون في عام 681 أن يفرد الدعاء له في مكة وفرض فيها تداول النقود المطبوعة باسمه مع شروط أخرى بيناها في فصلنا السابق.
ولم يرضخ أبو نمي الأول للأمر الواقع مخلصاً وقد حاولوا تأديبه فأعادهم كما أسلفنا مهزومين من خلف أسوار مكة، ثم عاد فقبل هداياهم ورضي بالدعاء لهم على مضض لينتفع بأموالهم فيما أحسب ويتفرغ لمناوئيه على الحكم من بني عمومته وأقربائه، ثم ما لبث أن جفاهم ودعا للرسوليين في اليمن بقية حياته.
وعندما اختلف أولاد أبي نمي بعده وجد المماليك الفرصة سانحة لتأييد فريق ضد آخر واستطاعوا أن يعيدوا الدعاء باسمهم على منبر مكة وأن ينشروا ظلاً من نفوذهم فيها كما استطاع الفريق المضاد أن ينتزع الدعاء في بعض السنوات لملك التتار في بغداد، وقد رُئي الركب العراقي في هذا العهد يبذل الصدقات ويوزع الفضة والذهب حتى رخص ثمن الذهب في مكة لكثرة ما تصدقوا به، ولست أشك أن ذلك كان دعاية لملك التتار.
ولم يدم أمر الدعاء للتتار طويلاً في مكة لأن المماليك كانوا يتحينون الفرص لإعادة نفوذهم إلى مكة ويساعدوا البيوت المتنافسة من الأشراف على الحكم ليظفروا بالمكانة التي يريدونها حتى تمت لهم رغائبهم بفعل التنافس بين بيوت الأشراف الحاكمة وحتى استطاعوا في عام 760 أن يمكنوا لفرقة من جيشهم الإقامة في مكة بدعوى حفظ الأمن وتثبيت الأشراف -محمد بن عطيفة- من أولاد أبي نمي وتمكينه من إقامة الأمن في البلاد، وبذلك دخلت البلاد في دور يتنافى مع الأدوار التي سبقته ابتداء من ثورة جعفر بن محمد مؤسس حكم الأشراف في مكة إلى ذلك اليوم وأصبح الأهلون يشعرون بأنهم محتلون عسكرياً بجنود المماليك لأول مرة في تاريخ استقلالهم، ولم يدم أمر الاحتلال أكثر من سنة واحدة لأن الأشراف ثاروا على الحامية ثورة عنيفة فاستسلمت الحامية وسيق بعض الأسرى منهم إلى ينبع وبيعوا في أسواقها بيع الرقيق.
ويبدو أن المماليك الأتراك اقتنعوا بما جربوا وعادوا يستأنفون علاقتهم بمكة على الصورة التي سبق بها غيرهم ويتمثل ذلك في الدعاء لهم على المنبر وقبول الهدايا والإعانات لقاء تأييد الأمير الجديد وكتابة المراسيم الخاصة بتوليته وإرسال مرتبات القاضي والخطيب والأئمة والمؤذنين والفراشين والقومة وما يحتاج له الحرم من الشمع والزيت في كل سنة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :337  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 124 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثامن - في مرآة الشعر العربي - قصائد ألقيت في حفل التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج