شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ليس لكَ أن تربطني بعجلة أفكارك
قال صاحبي: لا أمقت شيئاً مقتي للإنسان الذي يأبى إلاّ أن يسترقّك لآرائه ويفرض عليك فلسفته في الحياة.
قلت: أمّا أنا فلا أرى الجريمة في أن تذنب في ملكوت الله الذي يسع المذنبين بفيضه وإحسانه، ولكن الجريمة أن تربطني إلى عجلتك وتفرض آراءك على ملكاتي فتعطّلها، وتحجر على أفكاري فلا تبيح لها أن تحلّق إلاّ في حيز حدَّدته خطوطك.
إنه العقل المتفتح جامح الخيال رحب الأفق لا يذكيه إلاّ أن يحتك بالمعارضين والمناقضين ليمرن بذلك ملكته على مناقشة آرائهم وتمحيص أفكارهم وعندئذٍ لا يربح ما اعتنق من رأى بقدر ما يربح تمرين نفسه على الاستنتاج والاستنباط.
إن العقل المرن الذي نرى أثره في أحدث ما ابتكرته الأفكار الجبارة لم يكسب مرونته من نظريات تلقاها من أساتذته في صيغ محدودة لا تقبل المراجعة ولا تتسع للنقاش الحر، بل تعلم أول ما نشأ كيف يمارس النقاش وكيف يمرن ملكته على الاستنباط، وربما استنتج الفكرة الخاطئة فهداه الخطأ إلى محجة الصواب.
أنت لا تنكر أن أروع النهضات الفكرية في تاريخ الأرض لم تتوقد جذوتها إلاّ بعد أن استطاعت أن تذكي روح البحث في جماهيرها دون أن تبالي بتشعب الآراء وتضاربها، فتلك تيارات تدل على مدى النشاط الذي يهيب بالعقول لتتفتح ومن ثم لا تلبث أن تستعر وتسلك سبيلها المنتج في الحياة.
أمّا الركود على ما قيل والبقاء على ما علم وتحديد البحث بما استخلصه أستاذك أو استنتجه معلم معروف الكفاءة فذلك حَجْرٌ لا يفتق ذهناً ولا يعد العقول للابتكار والاختراع.
أنت تعرف أن في الشرق أمة ذاع صيتها بما أنتجت في مجالي الابتكار والاختراع، وباتت تجاري بمنتجاتها عدداً كبيراً من أرقى أمم الغرب علماً وعملاً وأنت تقرأ الكثير من تاريخ نهضتها لتلتمس أهم البواعث التي هيأتها للحياة الجادة فتجد أنها مارست أكثر ما مارست تمرين العقول فيما يفتقها فيعلمها كيف تناقش المفاهيم دون أن تقيّدها نظرية قيلت أو فكرة رصدت أو حكمة كتبت.
كان هناك مجال لمداولة العقول لاحتكاكها. لتمرينها على البحث والدراسة. والاستنتاج الذي لا تحده قاعدة ولا تقف به عند نظرية، ربما سرقوا الفكرة أو استعاروا التصميم لكنهم لا يلبثون أن يتخطوا ما سرقوا أو استعاروا فإذا هم وقد أبدعوا فيما أنتجوا وتخطوا حدود ما أخذوا عن غيرهم، فما أحوجنا ونحن على أبواب هذه النهضة أن نعلم العقول كيف تمارس لنبدع كما أبدعوا.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :336  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 136 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.