شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عِناية السَّلف وَمَا بَذلُوا
(2)
قلت لصاحبي: وكنا في صدد ما بذل رواة الحديث والفقه، وما عانى رواة الأخبار والمغازي إلى أن قلنا عن محققي أخبار المغازي أن بينهم من كان يجود بنفسه ويتبرع براحته في سبيل بحث حالة من حالات المغازي تتعلق بتحقيق موقعها الجغرافي أو التأريخي. ونقول اليوم إن منهم من كان يتسع نشاطه إلى تعقّب أسماء المشهورين من رجالها أو فرسانها فيترجم حياتهم، ويسرد أنسابهم ويدرس مَواطن القوة والضعف فيهم ثم يعلّق على هذا بما تراءى له من أسباب وما ترتب على ذلك من نتائج.
ولم يقف نشاط أسلافنا عند هذا الحد الذي أرادوا به خدمة دينهم. فإن منهم مَن اتسع نشاطه إلى خدمة الحياة في شتى وجوهها. كان منهم الرحّالون جوَّابو الآفاق الذين عاشوا يتأبطون كراريسهم وينيطون محابرهم وأقلامهم إلى مواقع النطاق من خصورهم ليسيحوا في أقاليم الأرض من مشرقها إلى مغربها، ويطأوا قاراتها وأقسامها من التخوم إلى التخوم ليدرسوا أصول البشر وأنواعها وألوانها ولغاتها ويتعرفوا إلى عاداتها ووديانها وطرائق حياتها ثم يسجلوا ما شاهدوه في فصول مبوبة لها قيمتها إلى اليوم عند علماء الجغرافيا وأساطين التأريخ ورجال البحث من المتخصصين في علوم الاجتماع.
وتمتد عدوى النشاط إلى طبقات أخرى مِن صفوف المسلمين، فإذا بينهم من رجال الفلك مَن يعتد بجهوده في أحدث بيئة فلكية تعيش اليوم بيننا.
وبينهم من رجال التنجيم مَن ترك آثاراً لا تُضاهى، وبينهم من رجال الهندسة من شهدت قواعده بكعبه العالي، وبينهم من رجال الطب والصيدلة مَن بزَّ أساتذته من اليونان والفرس وأدخل على ما ورث من مذاهب الطب طرائق كان لا يصدقها العقل.
وبينهم من رجال الوزارة والكتابة والحساب مَن تفنن وأتقن واخترع من وسائل الفكر والخيال والإبداع ما تدل عليها مخلفاتهم وتشهد بها آثار أقلامهم.
لسنا عظاميين نريد أن نتكل على فخارنا على أمثال هؤلاء الأجداد، فتلك خلال العاجزين فيما نعرف، ولكننا هنا لنثير أمثال هذه الذكريات أملاً في أن نشحذ الهمم ونهيئها للعمل فيما يتعلق بها في ضوء هذا المجد الأثيل..
إننا هنا لنقنع الجاحدين ممّن تنكروا لآبائهم وجهلوا حظ أسلافهم من ألوان المجد وحسبوا أن أمتهم لا تملك من المؤهلات ما يعدها لمواجهة الحياة التي تعيشها أمم تعاصرنا اليوم. إننا لا نبدع جديداً ونحن نتطلع إلى حياة أفضل فقد أثبتت التجارب قبل اليوم أن لا مستحيل علينا إذا صدقنا العزم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :344  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 135 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج