شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ليس الشديدُ بالصُّرعَة
قال صاحبي: ما أروع الأقوياء الذين يملكون أنفسهم في أشد أوقات الغضب.
قلت: وذلك أقصى ما يشير إليه الحديث الشريف وهو يقول ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
وثمة ما هو أروع من هذا ذلك الذي إذا ملك نفسه عند الغضب تأبى عليه كفاءته إلاّ أن ينتصر عليها إلى النهاية، ينتصر على رغائبها السيئة وميولها إلى الانتقام فإذا هو يبدو أهدأ ما تتخيل وألين ما تنتظر وأسمى خلقاً وأقرب إلى معاني العفو.
أتذكر قصة وحشي قاتل حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأنت تعرف من هو حمزة، وإلى أي مدى كان عزيزاً على الرسول صلوات الله عليه أثيراً عنده محبوباً؟
لقد جاء هذا الوحشي قاتل حمزة عم الرسول مستسلماً تائباً يطلب قبوله بين صفوف المسلمين، فوقف بعض الصحابة ينتظرون ما يأمر به الرسول على أمل أن يهتبلها الرسول فرصة يأخذ بها ثأره من عدو لدود كهذا فجع الرسول وفجع عامة المسلمين في أثير عندهم.
لكن النبي صلوات الله وسلامه عليه كان أكبر من أن يغضب لنفسه في أمر فات أوانه، أبى إلاّ أن ينتصر للخلق الكريم فأعلن عفوه عما كان وقبل توبته ورضي إسلامه ثم قال: (على ألاّ تجعلني أراك) فالنبي بشر ومن الخير أن يتوارى وحشي عن عينيه لئلا تغلبه طبيعة البشر.
وأنت تذكر دون شك ما دمنا في صدد فعلة وحشي ما فعلته هند امرأة أبي سفيان، تلك التي ما كادت ترى حمزة مجندلاً بسيف وحشي حتى عمدت إلى صدره فشقته وتناولت قلبه فلاكته بين أسنانها بصورة يعافها الكبد الغليظ، ومع هذا فما كادت تتقدم مستسلمة في رهط من قومها. ما كادت تتقدم تائبة راضية بالإسلام حتى قبلها الرسول.. وعندما تهامس بعض الصحابة آملين أن يأخذ بحقهم منها كان النبي صلوات الله وسلامه عليه أكبر من أن يأخذ بحقه من مهزوم يستسلم.. ما لبث أن أعلن العفو عنها وقبل طاعتها للإسلام..
وأحسبك لا تنسى مثل هذا أو بعده قصته مع أهل مكة وما عاناه من استهتارهم وحيفهم وطغيانهم واستعداء سفلتهم عليه، وما كان منهم يوم أزمعوا على قتله فلم يظفروا به، وما كان من أمر جموعهم يوم حاربوه ومع هذا ما كاد ينتصر.. ويقتحم مكة عليهم ظافراً حتى قال اللَّهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
وعندما ازدحمت جموعهم بين يديه أذلة منكسرين يتوقعون أشد أنواع العقوبة وأفظع ألوان الانتقام صاح بهم صلوات الله وسلامه عليه "ماذا ترون أني فاعل بكم؟ قالوا في ضعة المستكين: أخ كريم وابن أخٍٍ كريم".. فلم يزد عن أن أعلن العفو عنهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
هذه مشاهد عفوية جاء بها السياق عرضاً وهي إذا قيست بمئات المشاهد من أمثالها دلت على مبلغ هذا الخلق السامي الذي امتازت به مزايا محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
لعلّ بعض المشاهدين يومها كانوا ينتظرون من سيد الموقف بعد أن كلأه الله بعنايته أن يأخذ لنفسه ولعامة المؤمنين الذين عانوا من طغيان قريش بعض ما يشفي الصدور، ولكن النبي أسمى خلقاً من أن ينتقم لنفسه وذلك هو الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :316  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 129 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.