شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عَلينا أَلاَّ نُبَالغ في تدليل الطِّفل
قال صاحبي: أتراك توافق على التدليل المفرط لصغارنا هذا الذي نشهده في كثير من بيوتنا؟
قلت: إنه أسلوب خانق يضيق به حتى الأطفال من حيث لا ندري، فالطفل يحس إذا أفرطنا في تدليله أننا ننظر إليه باستصغار، وأننا لا نمنحه الأهمية التي يستحقها كإنسان له كيان وربما شعر أننا نلهو به ونتسلى كما نلهو ونتسلى بأي حيوان صغير.
وإذا أفرطنا في التدليل فمنعناه أن يشارك لداته في اللعب خوفاً عليه من أذى اللعب، وأبينا عليه الحركة في الظلام خشية أن يفزع من خيالات الظلام، وحاولنا ألاّ يبعد إلى أكثر من مدى أبصارنا حرصاً عليه من كل ما نتوهم.. فقد فرضنا عليه قيوداً لا تتفق مع مزاجه كطفل له غريزته التي هيأته للانطلاق المعقول.
إن الطفل من أحوج الناس إلى الرقة، وأحقهم بالتدليل والحنان على ألاّ نفرط في كل هذا ونبالغ فنتركه ينسى أهميته بيننا، وربما شعر أننا نسخر به وبكفاءته الصغيرة التي يحس بها في أعمق أعماقه.
إن من الأطفال من يحس بإحساس الكبار في وقت مبكر، ويرى أنه لا ينقصه الكثير ليصبح في عدادهم. وفي هذا كثير من معاني الثقة بالنفس فإذا أبينا إلاّ أن نسبغ عليه الحنان المفرط أسأنا إلى الثقة التي كان يتعين علينا أن ننميها، وسممنا إحساسه بكيانه، وقتلنا فيه شخصيته.. فإذا تمادت طفولته إلى مراحل المراهقة أو الفتوة أو الشباب أو اكتمل جسمه في مرحلة الشباب وهو يحس إحساس الطفل فتلك جنايتنا لا محيص من أن نؤاخذ بوزرها ما عاش فاشلاً تلازمه الخيبة.
قلت إن الطفل من أحوج الناس إلى الرقة وأحقهم بالحنان، ويهمني أن أضغط هذه المعاني إلى حد معقول فلا ينبغي أن ندللـه إلاّ إلى حد مناسب فلا نحاول أن نشبع كل رغباته دون أن نميز بينها لنبيحه منها ما يتناسب وأوضاعنا ويتفق وملابسات ظروفه.
إني أعرف والدة كانت تفرط في حنانها على طفلها، ولا يطاوعها قلبها الرقيق أن تعصيه في أمر أو ترفض له مطلباً، فعاش محلولاً يفرض دلاله على كل من يعامله فخابت أمانيه في كل من يعامل.
وأعرف والدة أحبت صغيرها بأسلوب المجانين، فحرّمت عليه الاختلاط ضناً به أن يفارقها فألف حنوها المفرط إلى درجة أصبح معها يضيق بمعاملة مدرسيه بالمدرسة فكان يفر إلى أمه كلما ضاق بمدرس فتفتح صدرها فرحة بفراره إليها وتصطنع كل أسباب الرضا لتعوضه ما فقد من حنوها في المدرسة، فلما قضت الأم نحبها ولم يكن له من يكلؤه بعدها عاش هانئاً بما تركت له من ثروة يهيمن عليه المداجون حتى أفقدوه ما ورث وتركوه ضائعاً يعاني مرارة الفاقة والذل.
ما أروع الاتزان في كل مناحي الحياة، وما أروع أن نعيش حياتنا موزونين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :299  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 127 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج