شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أليْست وحشيّة الشُيوعيّة استعماراً؟
قال صاحبي: أرانا نكثر الكلام في تقريع شديد مقذع كلّما ذكرنا المستعمرين الغربيين، وننسى غيرهم في أوسع مناطق الشرق؟ فهل ترى الاستعمار لا يكون استعماراً إلاّ إذا باشره الغرب؟؟!
قلت: لعلّك تعني روسيا في الشرق مثلاً؟ قال ولِمَ لا أعنيها وقد تغلغلت أيديها المستعمرة في عشرات الدول المجاورة في صورة رهيبة قاسية.. إن الاستعمار في رأيي هو الاستعمار دناءة وكبرياء سواء صدر من الغرب أو فاض من الشرق!!
قلت ولكني أرى أن كلمة استعمار أقل من أن تعطي مدلولاً على ما تصنعه روسيا من أعمال! إنها وهي تسيطر على من تغتاله من أمم الأرض لا تستعمر، بل تذيب ذوباً ولا تترك فريستها حتى تكفر بحرّيتها فقط بل بدينها، وقوميتها، وتقاليدها، وحتى تجردها من ممتلكاتها وأموالها، وتلزمها أن تفنى في عبادة القاهرين عليها، وتسلّمهم جميع مقدراتها وتنزل عن جميع جهودها لتصبح وقفاً عليهم.
إنها بهذا لا يصح أن نسميها مستعمرة.. فكلمة استعمار لا تؤدي بحال بعض أعمال طغيانها.
لك بعد هذا أن تستغرب لم كان نصيبها من دعاة القدح والتقريع المقذع الفاحش أقل من غيرها؟ بينما كان يجب أن ينالها ما ينالهم بل وأضعاف أضعافه.
إن أكثر دعاتها في الشرق ليسوا إلاّ صنائع يبشرون لمذهبها، ويخدمون أغراضها وليس لديهم من وسائل الخدمة إلاّ أن يشددوا النكير على سيئات المستعمرين القدامى وهي سيئات تستحق اللعنة دون شك.
قل يا صاحبي معي: ألا فليسقط الاستعمار مهما كان نوعه، وتسقط الوحشية الطاغية مهما كان مصدرها.
ولكن إذا تراءى لك أن تسألهم لِمَ تستثنون روسيا من هذا النكير؟ أجابوك بأن بلادنا لم ينلها إلى اليوم شيء من أذى روسيا.. وهي مغالطة كما تراها مكشوفة. فالوحش المفترس الذي نشاهده يوغل في الدماء لا يصح أن نسمه بالورع لأن نيوبه لأسباب أو أخرى لم تجرب حظها معنا إلى اليوم.
على أننا لو أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا فسوف لا يتعذر علينا أن نجد آثار وحشيتها اليوم واضحة في أكثر أحداث العالم المضطرب.
إننا لا نبرئ المستعمرين من سيئاتهم، ولكننا نعرف أن أكثر الأمم التي استقلت حديثاً في أطراف الأرض استطاعت روسيا أن تستميل بأموالها ووعودها البراقة كثيراً من العسكريين فيها.. استطاعت أن تغريهم بالثورة ضد الأوضاع القائمة وأن تخطط لهم باسم الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، وعشرات الألفاظ من هذا اللون الخداع، وأن تدفعهم ليحيلوا بلادهم إلى حميم مستعر، وأن يستمدوا باسم هذه الألفاظ الخداعة ظاهراً وباسم روسيا باطناً اغتيال مواطنيهم وتقتيلهم وأسرهم وتعذيبهم.
وأنت لا تدري بعد كل هذا أين مكان الحرية والديمقراطية والاشتراكية؟ بل أين مكان كل ما يرادف هذه الألفاظ من معانٍ براقة؟ أين مكانها من جميع البلاد التي نجح فيها ثوارها بتدعيم من روسيا؟
بل أين مكانها من روسيا نفسها التي غلّت شعوبها وراء الستار الحديدي، وكممت أفواهها وحكمتها حكماً عسكرياً أدواته الحديد والنار والتشريد والتعذيب والفناء.
لقد فرضت روسيا على شعوبها وعلى كل الثائرين لحسابها في أطراف الأرض نظامها الوحشي بعد أن علمت الثائرين لاسمها أن يحكموا شعوبهم بأقصى ما تحكم به الشعوب من ألوان القسر والضغط، وأن يكمموا باسم الحرية أفواههم، ويضعوا أيديهم باسم الاشتراكية على ممتلكاتهم ومزارعهم، وأن يعيشوا مقهورين تحت كابوس الذل والحاجة.
وننسى بعد كل هذا أن نذكر الشيوعية في سياق ما نذكر من سيئات الاستعمار والمستعمرين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :282  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 68 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.