الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > > مِن المفضّل أن تتلاءم وَظروفك

مِن المفضّل أن تتلاءم وَظروفك

قال صاحبي: ألم يأتك نبأ ابن فلان؟ لقد أضلّه قرناء السوء حتى بات سبة لسمعة أبيه وأنت تعرف مَن أبوه جاهاً ووجاهة!!

قلت: أعرف أباه جاهاً وأعرفه وجاهة، ولكني أعرفه إلى هذا ممسكاً في المال مغلولة يده إلى عنقه رغم ما بسط الله له من أسباب الرزق، كما أعرف أن فتاه عاش محروماً من نعمة أبيه ربما احتاج لمصروف جيبه ما يحتاجه أفقر الفتيان فلا يجد من أبيه ما يسد حاجته ويعالج عوزه.

وليس كالحاجة شيء يفضي إلى هاوية الانحراف.. إن الحياة الفاضلة تعني في أكثر الأحيان أن تكون متلائماً ولو إلى حد مع ظروفك وضرورياتك فيها متناسقاً مع متطلباتك في الوسط الذي تعيشه.

لست أدّعي أن سعة الثراء ضرورة لازمة لحياتك، وأن عليك أن تحتال أو ترتكب لتبسط في عيشك كل البسط، ولكني أدعي أن العجز والحرمان كثيراً ما يكون مدعاة لسلوك لا تحمد فيه العواقب.

ليست مسألة فتانا إذن مسألة قرناء سوء فقط بقدر ما هي مسألة احتجاج على شعوره بالحرمان..

له اليوم أن يحسد أو يخادع أو يحتقر أو يهزأ بأكثر مقومات الأخلاق احتجاجاً على ما ناله من حرمان في الحياة.

إن أكثر العاتين والعابثين تدفعهم مجتمعاتهم إلى العتو والعبث بما فرضت عليهم من حرمان، ولو أباحت لهم من الفرص ما يسد عوزهم ويطفئ جذوة فاقتهم لضمنت لهم حياة تسمو بهم عن كثير من آثام الحياة وشرورها.

لماذا تبذل حكومتنا اليوم عشرات الملايين في سبيل الضمان الجماعي؟ بل لماذا تبذل أكثر الحكومات في هذا السبيل جزءاً له قيمته في بنود موازناتها؟ إنه ليس إحساناً للإحسان فقط بقدر ما هو علاج تشذب به أخلاق الفقير وتقوِّم به اعوجاج المحروم قبل أن تؤدي به الحاجة إلى مهاوي الانزلاق.

أعطني شعباً مكفيَّ الحاجة ميسور الرزق، أعطك ترفعاً واستقامة وسمواً على أكثر الرزايا المهينة!!

ونحن نشهد اليوم في بلادنا قبائل كانت عاتية تستهين بالعبث ولا تبالي بنظم الحكم في سبيل أن تعيش!! ولكنها عندما استطاعت أن تجد فرصتها للكسب الحلال اطمأنت إليه وانطفأت جذوة الشر في نفوسها وأصبحت تحترم حياتها وتعرف كيف تسمو بمعاملاتها.

علّم صاحبك كيف يحدب على ابنه، ويتفهم حاجته في أسلوب معقول -علّمه كيف ينتشل ابنه من مهاوي الحرمان وانتظر لتراه كيف يربأ بنفسه عن مواطن الزلل!!