شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عَليْنا أن نُنَشّئُهم عَلى الاعتدال
قال صاحبي: أرأيت هذا الذي يأبى على ولده الطالب الصغير أن يشارك الصغار ألعابهم، وأن يخالطهم في لهوهم وجريهم بحجة حاجته إلى الدأب على مواصلة الدرس.. فلا يجب في رأيه أن يتخلل الدأب شيء من الاستجمام لأن الوقت كما يقول: أثمن من أن يضيع في اللعب.
قلت: إننا في أكثر مآتينا ننسى فضيلة الاعتدال فتذهب جهودنا سدىً بين الإفراط والتفريط، ولست أجهل شأن هذا الذي تعنيه فقد رأيته أكثر من مرة يزجر ولده عن مخالطة الصغار أترابه في ألعابهم، ويدفع به قسراً إلى كراريسه في البيت ليتفرغ لها بكل ما يملك من طاقة.
ولقد قلت له مرة إن هذا الدأب المتتابع الذي تأخذ به طفلك لا يهيئه لنتاج فذهنيته إذا كلّت بطول الدأب الذي تفرضه عجزت عن أداء وظيفتها وتعطلت ملكتها فلا بد أن تمنحها فرصة كافية ترخي لها فيها العنان لتبدد سأم العمل الجاد، وتستأنف حيويتها من جديد.
قلت هذا وأكثر من هذا فما زاد على أن ضحك في سخرية وولى ولم يعقب، واستمر يأخذ ولده بما يعتقد في غير هوادة. وأنا عندما أقول إن جهودنا في كثير من مآتينا تذهب سدى بين الإفراط والتفريط أعني ما أقول بكل معانيه وفي قصة الصغير الذي تعنيه وعلاقته بإفراط أبيه شاهد مما أقول.
فقد نشأ الأب أمياً محروماً من التعليم نتيجة لتفريط والده قبله فنشأ الوالد أول ما نشأ في حجر أبيه مدللاً فلم يخضع لنظام المدرسة واستثقل تكاليفها فأسلس له أبوه العنان وتركه يقضي حياته عابثاً فلما تكامل، واستوى عوده أدرك مبلغ ما انتهى إليه التفريط. وشعر أنه خسر الكثير وأن الحياة التي واتت غيره من زملاء الحياة قعدت به في مؤخرة الصفوف فترك هذا من ردّ الفعل في نفسه ما وجد أثره اليوم في صغيره المسكين.
لقد صور له خياله أن نجاح الحياة رهين بالمثابرة الجادة المتواصلة التي لا تعرف الراحة ولا تتخللها فترات الاستجمام فأخذ صغيره بهذا الجد، وحرمه حقوقه من عبث الصغار ولعبهم حرماناً تاماً.
ولو علم أن العمل الشاق المتواصل لا يقل فشله بحال عن العبث المستهتر، ولو أدرك أن التفريط والإفراط صنوان لا تختلف نتائج أحدهما عن الآخر في حياة الإنسان لاختط لنفسه ولصغيره أسلوباً يميل إلى الاعتدال ويؤمن بالتوسط في كل مآتي الحياة.
علّموا صغارنا يا قوم كيف يواظبون على واجباتهم ويجاهدون في سبيلها كما تعلمونهم كيف يخالفون بين أوقات الجد بفترات يرخون فيها العنان لأنفسهم فيبددون السأم ويقضون على بواعث الكلال الممل وبذلك تضمنون لهم نجاحاً مطرداً في الحياة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :317  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 51 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج