شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإمام الغزالي بَين المادة والرُّوح
قال صاحبي: ما أكثر ما اختلف الناس في شأن أئمتهم البارزين في تاريخ الفكر الإسلامي.. ولكن شأنهم فيما يلوح لي مع الإمام الغزالي كان يتسع لمدى كبير من المفارقات العجيبة.
قلت: هو ذاك وحسبنا لهذا مثلاً أن كتبه لم تنتهِ إلى الأندلس حتى كانت سمعته قد سبقته إليها؛ فضجّ لها العلماء والفقهاء وبالغوا في اتهامها وحملوا أمير البلاد على حرقها خشية الإفساد.. ولكن ما لبث أن تغير الحاكم حتى وجد الأمير الجديد من يؤكد له ضرورة تربية النشء على أخلاق الغزالي فأعاد ما اندثر من كتبه وفرض دراستها في المجامع العامة.
ترى هل كان الغزالي فيلسوفاً لا يعتمد في نظرياته إلاّ المحسوسات التي ضللت قبله آلاف المتشككين؟! أم كان من رجال اليقين الذين اهتدوا بهدى الله ولم يتعسفوا في محاولة ما تقصر عنه معارف البشر وتعجز دونه أفهامهم؟؟
أمتعقِّل هو على نحو ما فعل المتعقِّلون في انتهاجهم نهج فلاسفة اليونان؟
أم كان متصوّفاً يستوحي ما حاوله الصوفية من فيض الإلهام؟
ذكر بعض من ترجم له أنه عندما أرهقته شكوكه الفكرية لجأ إلى الله مستغيثاً فتفتحت أمامه آفاق جديدة رأى نفسه بعدها مشوقاً إلى الهجرة من بغداد عاصمة الصراع الفكري يومها ففر منها إلى مكة في صحبة بعض الفقراء من المتصوِّفة بعد أن تزيّا بزيهم وعكف بعكوفهم يجاهد نفسه ويغالبها وامتدت هجرته إلى بضع سنوات كان يحلو له فيها أن ينفرد بنفسه في القفار الموحشة ويقضي لياليه متبتلاً في كهوف ومغارات مظلمة!!
ويترجم له آخرون فلا ينكرون تصوفه ولكنهم يأخذون عليه ما أخذ نفسه به من مغالاة الصوفية. كما يأخذون عليه أن في الفترة التي نذر نفسه فيها للرد على فلسفة الإسلام تكلّف من ألوان الفلسفة ما شط به عن المأثور بدليل ما جاء في كتابه "تهافت الفلاسفة" من عبارات لا يراها علماء الشريعة.
والواقع الذي يستطيع استنتاجه كل متتبع لما بين أيدينا من تراث الإمام الغزالي إذا صح أن تراثه سليم من تزيُّد المتزيِّدين.
الواقع أن متتبع آثار الغزالي يحار في تحقيق ما أخذ الغزالي نفسه به، فهو في سياق الفلسفة لا يتقيد كثيراً بما يتقيد به الشرعيون كما أن جولاته في عقائد الصوفية مدت له في خيالات أوسع مما كان ينبغي!!
قد يعجبك في زهده أنه بدأ بنفسه فنقدها وأعلن أن تدريسه لم يكن خالصاً لوجه الله وإلى أن ينقطع عن التدريس حتى تخلص نواياه من الشوائب. ولما عاد إلى ما كان بعد لأي قال: كنت أنشر العلم الذي به تكسب الحياة وأما الآن فأدعو إلى العلم الذي به.. تترك الحياة!!
ترى كم عالم بيننا يستطيع أن يصارح بأن تدريسه لم يكن لوجه الله!!
لا شك في أن للغزالي رحمه الله أكثر من جانب فليت المعنيين بدراسة رجال الفكر في تاريخ الإسلام يعنون بدراسة أمثاله وتنقية ما تركوا من تراث لتبدو حقائقهم واضحة للعيان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :309  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 50 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان زكي قنصل

[الاعمال الشعرية الكاملة: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج