الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > > مَزيداً مِن العناية بالبَدوي في خيمتِه

مَزيداً مِن العناية بالبَدوي في خيمتهِ

قال صاحبي: ما ذكاء يثير الدهشة ألاحظه في هذا الأعرابي القبيلي الذي يحمل إلى بيتنا الماء.

قلت: إنها خلَّة أصيلة كدنا أن نفقدها في أعرابنا الأقحاح! فقد عشنا دهراً طويلاً نهملهم ونتركهم للفاقة والجهل ولكننا اليوم وقد شرعنا نبني لهم المدارس في قراهم البعيدة وأحيائهم القاصية، وبين لحاف جبالهم.. ونندب لهم خبراء الشؤون الاجتماعية والزراعية، واختصاصيي الصحة العامة فسترى كيف يعقد المستقبل عليهم آماله الواسعة، ويبني على كواهلهم ما يرجوه من أمجاد.

أنت تعرف مما قرأت عن تاريخ فجر الإسلام أن بدورك هؤلاء كانوا عماد الإسلام، وكانوا أساطينه الراسخة، وأعلامه الشاهقة.. لقد جندوا أمامه الجيوش، وفتحوا الفتوحات، وأسسوا الممالك، وتصدروا في ممالكهم الجديدة سائر شؤون الحياة.. سياسية كانت أو عمرانية، أو اجتماعية، أو علمية.. لقد نبغ منهم رجال في الفقه، وسائر علوم الدين، كما نبغ منهم القادة، والساسة، وبرز منهم أعلام في الفلسفة، والطب، والرياضيات، وسائر الفنون التي شاعت لعهدهم.. فلم يصعب عليهم مجال ولم يحل دون تفوقهم حائل.

فهل نسينا كل هذا؟

أحسبنا نسيناه يوم نسيناهم، ونسينا شمائلهم، وتجاهلنا مواهبهم، وتركناهم عصوراً طويلة يتمرَّغون في الجهل والحاجة.

نسينا أحياءهم وقراهم ومنازلهم بين القفار الغامرة، والرمال العاتية.

نسينا واحاتهم المزهرة، وأرباضهم الآهلة، وتركناها للجفاف يحيلها إلى هشيم، ولقسوة الدهر تذروها مع الرياح.

وبعد فهل تنبهنا؟

يبدو أننا بعد لأي طويل بدأنا نذكرهم.. بدأنا نفهم حقوقهم في الحياة فهذه المدارس التي شرعنا نشيِّدها بين منازلهم، وهذه المراكز الجديدة التي شرعنا ننشرها لتعنى بزراعتهم، وتشرف على أعمالهم الحياتية من صحية إلى اجتماعية إلى آخر ما هنالك من اختصاصات حيوية ستكون لهم مركز انطلاق جديد، وستثبت للأيام القادمة مبلغ حصافة البدوي وكفاءته ومواهبه الأصيلة.

وما لنا نذهب بعيداً ونحن نرى اليوم طلائع النمو تتهادى في أفنائها بين السهول والوهاد، ونرى بعض حصادها يفيض ليزاحم المدينة في كفاءاتها.

حيهلا بهذه الطلائع ومزيداً يا قوم من هذه العناية لنمحو أخطاء ما أسلفناه في عهود النسيان!!