شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > سلسلة الاثنينية > الجزء الثاني عشر (سلسلة الاثنينية) > حفل تكريم الأستاذ فاروق صالح بنجر (اثنينية - 164) > كلمة المحتفى به سعادة الأستاذ فاروق بنجر وزواج بين كلمته وقراءة بعض أشعاره.
 
(( كلمة المحتفى به الأستاذ فاروق بنجر ))
ثم أُعطيت الكلمة للمحتفى به هذه الليلة الأستاذ فاروق صالح بنجر فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم.
- الحمد لله الَّذي خلق الإنسان علمه البيان، والصلاة والسلام على نبي العلم والإيمان؛ أيها السادة الأكارم: أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- ولعلها هي الليلة الثانية في العمر، فلم أجلس مجلساً مثلما أنا عليه الليلة، كأنني خليفة من الخلفاء يمتدحني الناس، والشعراء، والأدباء، وكبار الأساتذة الَّذين علموني؛ على كل حال يسرني ويشرفني - أيها السادة - أن أشكر لكم حضوركم الكريم، للاستماع إلى صوت من الأصوات اللاهثة في فجاج الشعر، لشاعر آثر وأحب وألح أن يغني للحب والسلام والجمال، مؤمناً بقيم الحق والخير والجمال؛ وأرجو أن أوفق إلى تقديم شيء من شعري يرضيكم إن شاء الله.
- وبهذه المناسبة يسرني أن أشكر أساتذتي وزملائي وأصدقائي، تربويين، وأدباء، وشعراء، ونقاداً، وإعلاميين، وأساتذة أكادميين، جاؤوا من مكة المكرمة أو من جدة من جامعة الملك عبد العزيز، ومن بقية الأماكن التي جمعتني بأصدقاء في عروس البحر؛ وأشكر بكثير من التقدير المربي الكبير أستاذنا القدير الأديب الأستاذ: عبد الله بغدادي، الَّذي توفر على كلمة رقيقة أنيقة جميلة، كدت أن أبكي وأنا أستمع إليها، لأنني أتذكر الآن سنوات طويلة مضت كنت في الزاهر في حفل من الحفلات، وكان الأستاذ القدير مديراً للتعليم في مكة، وكنت - فيما أتذكر - في السنة الخامسة أو السادسة الإبتدائية؛ هذا الرجل القدير الكريم الكبير أستاذنا يقول كلمة جليلة جميلة في حق أحد أبنائه من الطلاب، الَّذين أصبحوا في يوم من الأيام في موقع من المواقع التي كان هو مديراً للتعليم فيها، ولعله - رسمياً - كان أول مدير للتعليم في مكة المكرمة، أشكره وأقدر له ما قاله باعتزاز كبير.
- كما أشكر أخي وزميلي الكبير والمربي القدير الأستاذ سليمان الزايدي، مدير عام التعليم بمكة المكرمة، لما تفضل وقال وتحدث، وأوجز المقال بكثير من التقدير والاعتزاز، بما قاله في كلمته الأدبية الجميلة، مقدراً شعري؛ وإني لأشكر له فضلاً سابقاً وهذا الفضل اللاحق، فلقد - طالما والله - منحني العطف والحدب والود منذ كنا دارسين في أرض الغربة، ويسرني - أيضاً - أن أشكر الزميل الأستاذ والمربي القديم الأستاذ محمد موسم المفرجي، على ما قال من كلمة جميلة وهو يحسن الظن بي دائماً، وكأني أقول له - أحياناً - لقد استسمنت ذا ورم، أو هكذا..
- أما الأستاذ الكبير ذو القلب الكبير.. الأستاذ عبد المقصود خوجه، فأنا سوف أرد على تحيته بتحية على طريقتي الخاصة في الامتنان لذوي الفضل، فهذا فضله الَّذي أجلسني هذا المجلس مع أكابر القوم، وأنا الصغير الضئيل.. ليس لي باعة إلاَّ الكلام، وأرجو أن أقول ورد الكلام فيما سيأتي إن شاء الله، وسوف أرد للأستاذ الكريم تحيته - إن شاء الله - بعد أن ألقي بعضاً من القصائد، وربما أفضي إلى تقديم موجز مقتضب عن تجربتي الشعرية، وبعض آرائي وأفكاري الشعرية، أو بعض ما دونته أو تبنيته من أفكار تتعلق بنظرية الشعر.
- أود الآن - وقد نصحني بعض الأصدقاء ونحن نقدم على هذا المكان - أن أقدم في البداية قصيدة المشكاة، ربما لاعتقادهم أن هذه القصيدة إحدى القصائد الجميلة التي أحبوها، ولأنها ترنيمة مكة المكرمة، فنحن أتينا من مكة وجميعنا نحب هذه الأرض الطاهرة المقدسة؛ سأقدم لكم قصيدة المشكاة فاتحة الكلام، وأقدم كلمة صغيرة موجزة عن هذه القصيدة، فقد كتبتها في أبيات قليلة، في الاحتفاء بأحد رواد النهضة الأدبية في المملكة العربية السعودية، استضافه جماعة من المربين في مكة في ليلة من الليالي الجميلة، بعد أن نال جائزة الدولة التقديرية، وكنت تصورت أنَّ هذا الأديب الكبير - رحمه الله - أحد رواد النهضة الأدبية، وهو لا شك، وإن كان من الجيل الثاني الَّذي كان في جيل لاحق للرعيل الأول محمد حسن عواد، وحمزة شحاته، وقبلهم محمد سرور صبان، ومحمد سعيد العامودي، وآخرون.. فألقيت هذه القصيدة أُذكِّره ببعض الأيام السابقة التي بدؤوا فيها يحملون مشعل النهضة الأدبية من مكة المكرمة، بعد أن أطلقوا شرارة هذه النهضة الأدبية المباركة، التي بدأت أدبنا الحديث في المملكة العربية السعودية، وكان أحد هؤلاء الرواد وليس مديحاً، ولكنه أول من عرف الناس خارج المملكة هو وزميله معالي الأستاذ الشاعر الكبير عبد الله بلخير، كان والد أستاذنا ومضيفنا الكريم الأستاذ عبد المقصود خوجه، وهو الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود، كما كتب اسمه على كتابه وكتاب زميله وحي الصحراء، قرأناه في المرحلة الجامعية، وإذا بنا نقرأ في هذا الكتاب مقدمات لكبار الأدباء العرب، الَّذين كانوا على قمة النهضة الأدبية الحديثة في القاهرة في مصر، يكتبون مقدمات طويلة عن الأدب في الحجاز في هذا الكتاب، الَّذي خرج - ربما لا أتذكر الآن - قبل ستين عاماً أو خمسة وخمسين عاماً كتاب وحي الصحراء، وكان هو أحد الرواد الَّذين بدؤوا هذه النهضة المباركة. لن أطيل عليكم، سألقي عليكم الآن قصيدة المشكاة، وقد أهديتها إلى النخبة:
 
المشكاة!..
(( إلى: النخبة..
وإلى ذكرى أيام سلفت! ))
* * *
هـذا حَصادكَ! هَـلْ فـي البَوْحِ مُنْتَظَرُ؟
واليومَ أنتَ بهذا المَجْدِ تأتَزِرُ!
حُلْمٌ مِنَ الوَهَجِ النهْرِيِّ.. رافِدُه
مِـنْ دِيمَــةِ الشمس، مُخْضَلٌّ بـه الثَّمَرُ!
نَـدَّى الشِّفاهَ السَّخِيَّاتِ التــي ابْتَدَرَتْ
تحْدُو صَبـَاحَ الصَّحَارِي وَهْــيَ تَزْدَهِرُ!
وفَتَّقَ البَوْنَ آفاقاً مُنَمْنَمَةً
يفْتَضُّهَا الأزْهَرَانِ: الشَّمْسُ والقَمَرُ!
رُؤْيَا! وللطَّيرِ آمادٌ مُحلِّقةٌ
وكوكبٌ في فضاءِ النُّورِ مُعْتَمِرُ!
الشِّعْرُ نَمْنَمَها في غُصْنِ أيكتِه
ورَنَّحَتْها الصَّبا، والمُزْنُ، والزَّهَرُ!
نأْتمُّ بَاذِخَةَ النَّخْلاتِ، تَعْطِفُنَا
إلى ذُراها المَذاكي، والمَدَى الخَضِرُ!
والشَّاعرُ الفَذُّ يَحْدُوها؛ فَتَخْلُبُه
غَضْرَاءَ يأْلَقُ في أْقْواسِهَا نَهَرُ!
عُنقودُ مَأْلَفِهَا الفَيْنَانِ مُهْتَصَرُ
ونَبْعُ آنِسِها الرَّيَّانِ مُنْتَشِرُ!
وفي مَساكبِ ألطافِ الهوى ذِكرُ
ومِنْ مَبَاخِرِ أطيابِ الصِّبا عُمُرُ!
* * *
أَلْطَفْـتُ عَيْنَيَّ فـي "البَطْحَاءِ" هـل وَهَجٌ
يَحتثُّنَا في مَغاني الرَّبْعِ.. أو خَبَرُ؟
وأينَ شاعِرُها الغِرِّيدُ أينَ فَتىً
نَدَّتْ يَديْهِ، وأَبْخَى وجهُهُ النَّضِرُ؟
وأينَ شِعْرٌ شَفيفُ الماءِ.. سُكَّرَةٌ
تَلوبُ في شَفَةٍ لَهْفَى.. وتَنْتَثِرُ؟
الشِّعْرُ "مكةُ" أشْجاناً مُهَفْهَفَةً
وسامِراً خَفَّ عنهُ الظِّلُّ والأَثَرُ
والشِّعْرُ "مكةُ" أطيافاً مُرَقْرِقَةً
أَسْرَى بها في ليالي أُنْسِهِ سَحَرُ!
أكادُ ألمِسُهَا في الصَّدْرِ نابِضَةً
ويَسْتفيضُ بقلبي نَبْضُها العَطِرُ!
فمكةُ القلبُ في رَيْحانِ زَهْرَتِه
وقُرَّةُ العينِ، نُورُ العينِ، والحَوَرُ!
تَعَشَّقَهْا قُلوبُ الأكرمينَ هوًى،
وَائْتَمَّها في مَداهُ: الرُّوحُ والبَصَرُ!
بقيَّةُ الناسِ فيها فِتْيَةٌ غُرَرُ!
وأهلُها الصِّيدُ منها: أنجمٌ زُهُرُ!
والشَّاعَرونَ بها - إلا حَمَائمَهَا -
تناثَروا في فِجَاجِ الأرضِ وانْحَدَرُوا
الأرْيَحِيُّ تَنَاءَى عن تَحيَّتِها
والألمَعِيُّ تَنَحَّى وَهْوَ يَعْتَذِرُ!
طَفِقْتُ بيـنَ "الصَّفـا" و"الشِّعْبِ" مُلْتَمِساً
وجْهاً لـه مـن مَرائـي الإلْـفِ مُشْتَهَرُ!
وعـدتُ أسألُ: أيـنَ الناسُ؟ هـل ظَعَنُوا
وما يزالُ لهمْ في الحَيِّ مُذَّكَرُ؟
أيــنَ "القَرَارَةُ" أو "أجْيَادُ" مـن سَحَـرٍ؟
وأينَ من سَحَرِ "الشَّامِيَّةِ" القَمرُ؟
وأينَ كوكبةُ الباحاتِ؟ هل وطَرٌ
نحَّى المدارَ الَّذي في أيْكهِ ازْدَهَرُوا؟
وأينَ أحْلَـى الوجـوهِ النابضـاتِ سَنـاً؛
فـي مُجْتَلَـى العينِ، إنْ راحُوا وإنْ بَكَرُوا؟
قلبي على عَبَقِ الوادي ورَوْنَقِهِ!
كمْ رَفَّ في خَاطِرٍ كالبَدْرِ يُخْتَصَرُ!
وأُلْفَةٍ في مَبَاهِي الوُرْقِ سَاجِعَةً
نَجْوَى الهِزَارِ تُغَادينا؛ فَنَأْتَسِرُ!
أما تزالُ شُفوفُ المُزْنِ طارِفَةً
على مآلِفها.. تُرْجَى وتُنْتَظَرُ؟
صرتُ الغريبَ بها! أمشي فينكرني
دَهْمَاءُ أكْنَافِهَا اللاهونَ والنّكُرُ!
أأنتَ منها؟ مضتْ أيامُ آنِسةٍ
فيها! فهلْ لمَواقِيتِ المُنَى وَزَرُ؟
* * *
وقفتُ أرْقُبُها هَيْفاءَ فارِهَةً
مِنْ نورِ بَهْجَتِها تُسْتَلْهَمُ الدُّرَرُ!
نَدِيُّهَا الكُمَّلُ الغادونَ في نَسَقٍ
مـنْ عُرْسِها.. وَهْـيَ فـي الأبْهَاءِ مُفْتَخَرُ!
مَليحَةُ الهُدْبِ رَيَّا القلبِ، حانيةٌ
تأتمُّ دوحَتَها أطيارُها الغرَرُ!
تَرْنُو؛ فتلتفتُ الذكرى مُواتيةً
وتَسْتَديرُ على أطْنَافِها السِّيَرُ!
* * *
هـل ذاكـرٌ أنـتَ فـي (المركازِ) مُنْتَجَعاً
للنَّابِهينَ، مَداهُ الشِّعْرُ والفِكَرُ؟
أو ذاكرٌ أنتَ في (الأولُمْبِ) كوكبةً
شَدَّتْ على وتَرِ الإبداعِ تَبْتَكِرُ؟
أيامَ كانتْ بأفياءِ "الحجازِ" رُؤىً
تَنْدَاحُ ألويةً جَذْلَى.. وتَنْضَفِرُ!
وأنتَ في "نُخْبَةٍ" كانتْ مُهَيَّأةً
للأرضِ، تُشْرِعُ أقلاماً وتَبْتَدِرُ!
جاشَتْ بترتيلةِ الأضواءِ، واعتَنَقتْ
وجْهَ البلادِ حَفَيّاً، زَانَهُ الخَفَرُ!
وللبلادِ ترانيمٌ مجنَّحةٌ
غنَّـى علـى ضِفَّتَيْهَا: الصَّحْـوُ والمَطَـرُ!
للفنَّ فيها وللآدابِ منطَلقٌ
حلْوٌ.. على رَجْعِه الوجدانُ يَنْبَهِرُ!
"فلِلغَريضِ" بها ذِكرى مَعَتَّقَةٌ
في كأسِها الغَضَّةِ الزَّهْراءِ، تُعْتَصَرُ!
و"مَعْبَدٌ" في صَدَى الموَّالِ مُشْتَعِلٌ
تَرْجِيعةً يَجْتَليها: الحُبُّ والسَّمَرُ!
كانــا: "بمكَّـةَ" صوتاً، و"العقيقِ" صدىً
سَاقَى نَدِيَّهُما: الإيحَاءُ والخَدَرُ!
ونَكْهَةٌ مِنْ رقيقِ الشِّعْرِ مُلْهِمَةٌ
وَرْدِيَّةٌ، صَاغَها مِنْ لَحْنِه الوَتَرُ!
هُنَيْهَةٌ في جِواءِ الفنِّ آنِسَةٌ
بالملهَمينَ.. طواها الليلُ والسَّفَرُ!
مَجْدُولَةُ الصفحاتِ البيضِ، مُطْرِقَةٌ
-في الظلِّ- تَأْرَجُ في أفْوافِها الذكَرَ!
كانـتْ.. وكانـتْ! ومـرَّ الجيلُ مُكْتَحلاً
بالأمس يجترُّهُ آناً.. ويَأْتَثِرُ!
أما تَشِفُّ لنا الذكرى؛ فنُطْلِقَها
بَوْحاً بما تَهَبُ الأيامُ.. أو تَذَرُ؟
واليومَ نُسْرِجُ للذكرى مَرافِئَنا
على المنابرِ؛ فهْيَ اليومَ تَعْتَكِرُ!
في السَّاحَةِ -اليـومَ- أصْداءٌ بِـلا وَهَـجٍ
ومَهْمَةٌ مِنْ خَواءٍ سَادَه خَوَرُ!
لا الحَرْفُ يَبْهَرُ، والأقلامُ زَوْبعةٌ
صفراءُ عَفَّرَها الإِمْحالُ والهَذَرُ!
وفي المبَاءَةِ أبْواقٌ مُذَأَبَةٌ
تَقْفو ذُيولَ خَفافِيشٍ، وتَسْتَتِرُ!
والسَّادِرُونَ على الأوراقِ أَشْهَرَهُمْ
في ظِلِّه الدَّيْدَبانُ الغِرُّ فَانْتَثَرُوا!
يَسْتَكْثِرونَ على الإبداعِ بُرْعُمَةً
تنمـو علـى الصَّحْـوِ مِيلاداً.. وتَنْتَشِـرُ!
إن حَاوَلُـوا عَثَـروا، أو جَادَلـوا سَخِروا
أو عُلِّمـوا غَـدَروا، أو سُولِمُـوا بَطِرُوا!
لا الشِّعْرُ مُؤْتَنِسُ الإيحاءِ.. مُتَّسِقٌ
ولا الوِفَاضُ يُشَادِينَا بما شَعَرُوا!
والنَّقْدُ لا رَحِمٌ مَوْصولَةٌ بدَمٍ
فِينَا، ولا أُفُقٌ يَرْقَى! بما صَدَرُوا!
كُلٌّ يُرَجِّعُ أصداءاً وهَمْهَمَةً
وَجْهُ الغريبِ بها هَيْمَانُ مُبْتَسَرُ!
أسْرَى! يُطَوِّقَهُمْ قَوْسُ الجديدِ؛ فلمْ
يَجْروا بمـا بُهِرُوا فـي زَيْـفِ مـا نَذَرُوا!
أذلكَ الأُفُقُ المنشودُ في مَلأ
لم يَضْفِروهُ مَدىً مِمَّا بِه سُحِرُوا؟
أخْفَى التَّوَهُّجُ عن إدراكِهمْ، وغَفَا
- في العَتْمَةِ - النيِّرانِ: العقـلُ والنَظَـرُ!
* * *
للفكرِ مُتَّسَعٌ سَمْحٌ، ومُلْتَفَتٌ
رَحْبٌ يُؤَثِّلُه في الضَّوءِ مُقْتَدِرُ!
والقَادرونَ تَوارَى في مَلاحِمِهِمْ:
ظِلُّ الكريمِ.. وعَفَّى رُكْنَه كَدَرُ!
وهَانَ بينَ هَجينِ القولِ مُعْتَبَرُ!
وضَاعَ بينَ رَقيعِ الفِكْرِ مُدَّخَرُ!
وصالَ كُلَّ! دَعِيٍّ في مَنابِرِنا
وجالَ كلُّ كمِيِّ الجَمْرِ يَأْتَمِرُ!
ونَالَنا مِنْ وَراءِ البَوْنِ زَمْزَمَةٌ
تُزْري بأجملِ رُؤْيَا صَاغَتِ العُصُرُ!
تَقَيَّلَتْها على أبْوابِنَا زُمَرُ!
ونَازَعَتْنا صَدَى آفاقِنا زُمَرُ!
وصارَ كُلُّ قِناعٍ سَافِرٍ زَمَناً
مَنِ الطُّقوسِ تَناهَتْ عِنْدَه الأُطُرُ!
وزَامِرُ الحَيِّ لم يُطْرِبْ شَبِيبَتَه
كما يَرينُ عَلَيْها نَاعِقٌ حَذِرُ!
وَجْهَانِ: هَذا خَفِيُّ اللَّوْنِ مُحْتَقَرُ!
وذاكَ مُخْتَلَبُ المِرآةِ.. مُفْتَقِرُ!
كِلاهُما مُولَعٌ بالوَهْمِ، مُنْتَحِلٌ
رُؤيَا سِـواهُ، مُخِبٌّ فـي الصَّـدَى.. قَفِرُ!
مُخَضَّبٌ بالنَّدَى والقَصْفِ مَأْلَفُنا
ومُوثَقٌ بمُتُونِ الزَّهْرِ.. مُسْتَتِرُ!
وفي ذُؤَابَاتِ أفْوافِ الوَقارِ قَذىً
ما دامَ طَائِلَها الإيهامُ والحَذَرُ!
يـا نَخْلُ! يـا ظِلُّ! يـا واحاتُ! يـا بَلداً
مِنَ الحَمائِمِ، حَيَّاكَ الهَوَى الخَفِرُ!
سَمَوْتَ بالعِزَّةِ الفَيْحاءِ عَنْ صِغَرٍ
فمَا تَماوَجَ في مرآتِكَ الصِّغَرُ!
ونحنُ في سَرْوَةٍ مَيْسَاءَ ظَلَّلَهَا
لُطْفُ الكريمِ، ونَدَّى ظِلَّها القَدَرُ!
نَظَلُّ في شَغَفِ النِّبْراسِ، يُفْرِدُنا
عَنِ التُّخُومِ شَذاً بالطَّيْفِ مُؤْتَزَرُ!
نَعْشُو إلى نَوْءِ مِشْكاةٍ تُؤَالِفُنا
فهلْ يُباكِرُ فِينا طَالِعٌ غَضِرٌ؟
ما الوقتُ؟ ما الأرضُ؟ مـا الآفاقُ مُوصدةً؟
وما الأهِلَّةُ والأبْرَاجُ والنُّذُرُ؟
أما نُفَتِّقُ عَنْ عَيْنٍ غِشَاوَتَها؛
فَتَسْتَبِيَن الَّذي لم تُطْلِقِ السُّتُرُ؟
* * *
مَــنْ يُشْعِلُ الأرضَ نَسْراً تَسْتَهِلُّ بــه؟
إنَّ "البُغاثَ" علـى الأَبوابِ قـد كَثُـرُوا!
ومَنْ يُوَطِّىءُ للغَادِينَ مُصْطَبَحاً
يَنْدَى به الضَّوْءُ، والأَنْوَاءُ تَنْهَمِرُ؟
جِئْنا على صَهْوَةِ الأضواءِ مُسْرَجَةً
في الشمسِ، تَرْفُلُ فـي أهْدَابِنـا الصُّـوَرُ!
نستشرفُ الأدبَ الوَسْمِيَّ آصِرَةً
تخْضَـلُّ فيهـا: جُذورُ الأرضِ.. والشَّجَرُ!
دربٌ مِنَ الرَّهَجِ الصيفيِّ يجمعُنا
فالأرضُ - في المَحْلِ - لا وِرْدٌ، ولا صدَرُ!
مَنْ يُشْرِعُ الوطنَ الفجريَّ نافذةً
يُطِلُّ منها على أيَّامِنا الظَفَرُ؟!
يا أرضُ إنَّ بنَيكِ الغُّرَ قّدْ بَكَرُوا
فَاسْتَلْهِمِي لَذَّةَ الأبناءِ إنْ بَدَرُوا!
أَتَحْلُمِينَ بهمْ؟ آياتُ مَطْمَحِهِمْ
نُورٌ! فَأيُّهُمُ للعِبْءِ مُنْتَظَرُ؟!
 
- شكراً لإصغائكم.. وأنا رهن أسئلتكم لحين أقدم شيئاً من النماذج الأخرى.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :562  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 124 من 171
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.