شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حرية الصحافة معنى سام ولا تعني شتم الآخرين (1)
عبد العزيز بن محمد السحيباني/البدائع
قرأت ما كتبه الكاتب خالد القشطيني في العدد 7877 تحت عنوان (العصمة لا تليق إلا بنبي) حيث قال (يشكو المثقفون العرب من انعدام الديمقراطية وحرية النقد والمناقشة) وذكر حادثة حصلت له في حفل تكريم عبد المقصود خوجه حيث إن أحد أصدقائه العراقيين ألقى كلمة في حفل تكريمه كلها شتم له مع العلم أنه أطلعه عليها قبل إلقائها وألقيت بموافقته.
وأقول للقشطيني إنك أكثر من مفكر حين سمحت بإلقاء النقد الجارح الموجه لك على مرأى من الناس وفي حفل عام فإنك بسماحك بذلك تثبت أنك أكثر من (ديمقراطي).. ولكن ماذا لو رفضت ذلك. لا شك أن هذا الصديق سيتصور أنك أسلوب كبت لأفكاره وآرائه وسوف ينشرها من وراء ظهرك وفيها الصحيح وغير الصحيح.. أما إذا نشرت في الضوء فإن الجميع يستطيع فهمها وتمحيصها.. ومرحى لهذا الأسلوب ينتشر بيننا.. وقد يقول البعض إن للنقد ضوابط. نعم إن له ضوابط وهو لا يعني (الافتراء) على الآخرين أو ذكر أشياء غير صحيحة لكنه يعني الحديث عن شيء موجود فعلاً إن كان محسوساً أو غير محسوس والحديث عنه إن سلباً أو إيجاباً.. وفي الأخير فلن يصح إلا الصحيح أما استخدام أسلوب (الكبت) وخنق الآراء والنقد حتى لو كان نقداً إيجابياً فإنه لا يولِّد إلا الحنق والغضب والانفجار وسيؤدي حتماً إلى ما هو أكبر منه.. وبحسب قانون نيوتن الثالث فإن لكل (فعل رد فعل مساوياً له في المقدار ومعاكساً له في المعنى) أي إنه حين تكبت الآراء والأفكار فإن هناك رد فعل معاكساً من أصحابها أما إذا تركت في اتجاهها الصحيح فستذهب في مسارها ولن يحصل انعكاس فعل لكبتها.
وكما قال كاتبنا المبدع (العصمة لا تليق إلا بنبي) فلماذا لدينا هذه الحساسية المفرطة من النقد حتى ولو كان إيجابياً. وفي بعض الأحيان حتى لو كانت فيه رائحة نقد. الكثير يتعامل مع الآراء من منظوره الخاص وبحسب مزاجه (اليومي) وبحسب علاقاته مع الآخرين. فهذا الرأي عنده صحيح والآخر خاطئ وذلك لمزاج نفسي عنده ولحاجة في نفس يعقوب أخفاها. أو هو صاحب (هوى) ونعوذ بالله من الهوى حيث إن الهوى يعمي ويصم.
والمصيبة حين يكون هذا (المزاجي) الذي يتعامل مع الآخرين بحسب (مزاجه) هو في موقع المسؤولية فيخدم مصالحه الخاصة لنفسه ولا يسمح إلا للمطبلين والمزمرين والمداحين والمتزلفين بإبداء آرائهم حتى لو كانت كلها هراء وكلاماً ساذجاً وغير صحيح. والطامة الكبرى والمصيبة العظمى هي أن نصنف الناس أصنافاً ونقول هذا كذا وهذا كذا ونبني مواقفنا الشخصية معهم بناء على كلمة نسمعها من هذا أو ذاك حتى ولو كانت افتراء وكلمة غير صحيحة، ماذا.. هل فقدنا عقولنا، أليست لنا عقول نفكر بها.. ولعلّ مما ينادي به البعض (حرية الصحافة) وأقول لن تكون عندنا حرية صحافة إلا إذا كان لدينا صحافيون أحرار لا يصنفون الآراء بحسب أهوائهم وأمزجتهم.. قد يتصور البعض أن هناك مقص رقيب مسلطاً على الصحافة وأن هناك كبتاً للآراء في بلدان العالم الثالث.
لكن هذا غير صحيح في كثير من الأحيان بدليل أن الصحافي نفسه يختلف رأيه من يوم إلى آخر. ومحررو الصحف أنفسهم يختلفون في إجازتهم لما ينشر أو لا ينشر أو لمعرفتهم وثقافتهم. إن حرية الصحافة معنى سام يرتفع فوق الأحقاد والأضغان ولا تعني شتم الآخرين وانتقاصهم وفتح المجال للتشهير والتشنيع لكنها تعني البناء وتحمُّل الآراء المضادة حتى لو كانت قاسية، بل في آخر المطاف هي الأسلوب الأمثل لبناء مجتمع ناجح. أما الكبت ومصادرة الحريات فلا يولدان إلا مجتمعات هزيلة متباغضة متحاسدة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :415  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 134 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.