شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
وإلى لقاء
الصالونات الأدبية (1)
بقلم: محمد صادق دياب
للصالونات الأدبية في تاريخنا الثقافي العربي صفحات مشرقة وإسهامات ثرية ولمحات عبقرية ونوادر طريفة، فلقد كانت هذه الصالونات تشكل أحد الروافد الهامة في نهر الثقافة العربية الإسلامية منذ عصور الإسلام الأولى، حيث ارتبطت في نشاطاتها بمجالس الخلفاء، إذ شهدت مجالس خلفاء بني أمية وبني العباس الكثير من المناقشات والمناظرات العميقة والجادة والثرية، وقد كانت لتلك الصالونات تقاليدها وآدابها وطرائقها، وكان الخلفاء يجدون فيها الفرصة للاتصال بمثقفي أمتهم وعلماء زمانهم وفصحاء دولتهم، ليتعرفوا من خلال هؤلاء على واقع الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية وسائر مناحي الاهتمامات الإنسانية، ومن أبرز الخلفاء الذين اهتموا بشأن تلك المجالس أو الصالونات الأدبية، معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان والرشيد والمأمون والواثق وغيرهم.
ويحدثنا تاريخ تلك الصالونات عن بعض المناظرات الأدبية التي شهدتها، كتلك التي حدثت بين سيبويه والكسائي في مجلس الرشيد، حين زعم الكسائي أن العرب تقول ((كنت أظن الزنبور أشد لسعاً من النحلة فإذا هو إياها))، فقال سيبويه: ((بل الصحيح فإذا هو هي)) وما حدث بعد ذلك من محاولة نصرة الأمين للكسائي رغم أن الحق لسيبويه، وكتلك التي حدثت بين الفرزدق وجرير عند بشر بن مروان أو بين عدي ابن الرقاع وجرير في مجلس الوليد، وما حدث بين ابن الرقاع وجرير في المجلس نفسه، ((تاريخ التربية الإسلامية ص 78 ـ 82)).
ولم تقتصر المجالس الأدبية على صالونات الخلفاء بل امتدت إلى صالونات الأعيان والمثقفين ورجالات الدولة، كمجلس الوزير ابن الفرات وأبي عبد الله الحسين بن سعدان ونظام الملك وغيرهم.
وقد كان لفض تلك المجالس أو الصوالين طرائق عدَّة أورد بعضها الدكتور أحمد شلبي مثل:
إن معاوية إذا قال ((ذهب الليل)) انفضَّ السامر، وكان عبد الملك إذا ألقى المخصرة انصرف الحضور وكان الوليد إذا قال ((أستودعكم الله)) قام من حضر، وكان الرشيد إذا قال ((سبحانك اللَّهم وبحمدك)) قام سمّاره، وكان المعتصم إذا نظر إلى صاحب النعل انصرف المجلس، أما الواثق فإذا ما مسَّ عارضيه وتثاءب أدرك الجمع بأنها إشارة الختام.
وأمام هذه الأخبار وغيرها التي تشكل في مجموعها الإطار الثقافي العام لهذه الصالونات وآدابها، فإننا لنجد أن العودة المعاصرة لهذا التقليد الثقافي العريق إنما هي عودة إلى منطلقات ثقافية، كان لها شأنها في رسم تلك الصورة الثقافية الرائعة عبر تلك العصور الإسلامية الزاهية.
وليس من شك في أن بعض صالوناتنا الأدبية المعاصرة يمكن أن تسهم إلى حد كبير في إنعاش الحياة الأدبية، لأن للأدب خصوصيات لا تكتسب من خلال الكتب فحسب، لكنها تتطلب قدراً من الاحتكاك والمعايشة للواقع ومناخاته الاجتماعية، ولعلّ ما ينقص بعض صالوناتنا الأدبية المعاصرة إرساء قدر من التقاليد والآداب الخاصة التي يجب أن يرعاها أولئك الذين يرتادون تلك الصالونات، وفي مقدمتها حسن الحديث وحسن الإنصات.
فهل ترانا نفعل ذلك فلا نسمح لمدمني الكلام أو المهرجين بسرقة بعض أوقاتنا الرائعة؟!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :365  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 93 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.