شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
متابعات
المجالس الأدبية في المملكة العربية السعودية (1)
بقلم: محمد بن عبد الرزاق القشعمي
اطلعت على مخطوطة كتاب يعده الأستاذ سهم بن ضاوي الدعجاني سكرتير التحرير عن المجالس الأدبية في المملكة، فأعجبت بدقة رصده وتتبعه لمراحل تطور تلك المنتديات أو الصوالين أو المجالس الأدبية، وقد أحسن الظن بي باطلاعي على مسودة الكتاب قبل نشره، وقد ذكَّرني هذا الكتاب بكتاب ألّفه قبل مدة علي محمد هاشم بعنوان ((الأندية الأدبية في العصر العباسي في العراق حتى نهاية القرن الثالث الهجري)) (2) .
وقد اختلفت الآراء وتضاربت حول أهمية تلك المجالس وما تهدف إليه، منهم من قال: إن المقصود منها الوجاهة ومنهم من قال: إنكم أعطيتموها أكثر مما تستحق، وهي مجرد لقاءات إخوانية (لطق الحنك) والسواليف لمجرد أن لها مواعيد محددة كدورية أو (دارية) كما يقول العوام وإنكم أحطتموها بهالة لا لزوم لها ودور لا تستطيع القيام به، ومنهم من دافع عنها على اعتبار أنها نافذة مشرعة على مصراعيها ليدخل الضوء وليستفيد روّادها بكل ما يطرح فيها من موضوعات ثقافية أو اجتماعية، ولتساعد على إثراء الحركة الفكرية والأدبية. ومنهم من قال إنها ستسحب البساط من تحت أقدام الأندية الأدبية والجمعيات الفنية لأن تلك الأندية لم تستطع حتى الآن أن تضطلع بدورها الحقيقي الذي أنشئت من أجله، ولهذا فقد أصبحت تلك الصوالين أو المجالس هي الأمل الوحيد لسماع الحقيقة دون رقابة بالرغم من قلة روّادها، ومنهم من قال إن دورها مكمل لدور الأندية الأدبية فلا تعارض بينهما.
وأن تلك الصوالين أو (الصالونات الأدبية) ليست جديدة على مجتمعنا فهي أوفر حظاً ووجوداً قبل خمسين عاماً كمنتديات مفتوحة.
ولهذا لنعد إلى الموضوع ولنستعرض مراحل تطوره وأشهر تلك المجالس في التاريخ.
عرفت تلك المجالس قبل الإسلام مثل مجلس قيس بن عاصم، ومنذ فجر الإسلام أخذ الخلفاء والأمراء وغيرهم يعقدون المجالس الأدبية ويدعون لها أشهر الشعراء والرواة، وقد اشتهر في هذا الصدد مجالس عبد الملك بن مروان والحجاج بن يوسف الثقفي وسيف الدولة الحمداني والحسن البصري، ومن المجالس النسائية مجلس سكينة بنت الحسين وولادة بنت المستكفي ـ إن صح ما روي عنهما ـ.
ثم بدأ التكسب في الشعر ومدح الخلفاء، كما حصل عندما التقى جرير والفرزدق في مجلس الحجاج.
وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ومحاضرات الأدباء لأبي القاسم حسين محمد الراغب الأصبهاني و ((مجمع الأمثال)) للميداني و ((عيون الأنباء في طبقات الأطباء)) لابن أبي اصيبعة و ((الامتاع والمؤانسة)) لأبي حيان التوحيدي الذي كان صديقاً للوزير ابن عبد الله العارض والذي أصبح من سماره سبعاً وثلاثين ليلة كان يحادثه فيها ويطرح عليه أسئلة في مسائل مختلفة فيجيب عنها أبو حيان، وكان أن جمع تلك الأحاديث في الكتاب المذكور. وغيره من كتب التراث مليئة بالحديث عن المجالس الأدبية التي كانت تعقد هنا أو هناك وما يدور فيها ويتخللها من نقاش وحوار ثم ما ينتج عنها من حصيلة أدبية وثقافية راقية.
وللمجالس والأندية الأدبية في العصر العباسي مكانة رفيعة وشكل باذخ ودقة في التنظيم والترتيب والزخرفة؛ فهذا الأصمعي يصف مجلس الفضل بن يحيى، وهذا الخطيب البغدادي يصف مجلس المقتدر، وابن المعتز يصف مجلس الأمين وما يتحلى به من تصاوير وقد ذُهبَّت أسقفه وحيطانه.. إلخ.
* * *
وللمجالس آداب وضوابط وأصول يجب مراعاتها وعدم الخروج عليها، وكان صاحب المجلس ـ خليفة أو وزيراً أو أميراً أو قائداً ـ هو السيد فيه، يدير مجلسه حسبما يرى، وكيفما يشتهي من أدب وغناء ومجادلة ومناظرة.. إلخ.
وعلى سبيل المثال: كان المأمون يجعل لكل غرض يوماً معيناً له، إذ كان يجلس للمناظرة في الفقه كل ثلاثاء وهكذا.. إلخ.
وقد تناول طه حسين هذه المجالس في العصر العباسي بالتفصيل في كتابه (حديث الأربعاء) وقال: إن مثل هذه المجالس قد أثرت في حركة الأدب والشعر والفكر تأثيراً كبيراً.
ثم انتقلت تلك المجالس إلى الشام ومصر، ومن أشهر تلك الصوالين وأحدثها صالون مي زيادة ومجالس مصطفى صادق الرافعي وعباس محمود العقاد وطه حسين وأحمد حسين ومحمود محمد شاكر.. وغيرهم.
وفي المملكة فقد عرفت مؤخراً تلك المجالس أو الصوالين أو الملتقيات أو الندوات الأسبوعية، ومن أهمها (ندوة عبد العزيز الرفاعي) ـ رحمه الله ـ التي بدأت قبل أكثر من أربعين عاماً بالرياض وقبل ذلك كان يقيمها حيث يقيم في مكة المكرمة وقد استمرت حتى وفاة صاحبها عام 1414هـ/1993م، فانتقلت إلى منزل أحد روّادها هو محمد باجنيد وسميت صالون الوفاء.
ونذكر على سبيل المثال بعض المنتديات الأخرى (الصوالين) في مناطق أخرى في المملكة مثل (اثنينية) عبد المقصود خوجه بجدة التي يكرّم فيها الأدباء والمشاهير من داخل المملكة وخارجها منذ حوالى 25 عاماً و (منتدى) نايف الدعيس بالمدينة المنورة و (خميسية) الشيخ حمد الجاسر و (أحدية) راشد المبارك بالرياض، وقد ظهرت مجالس أدبية أو صوالين نسائية مثل صالون (سارة الخثلان) بالمنطقة الشرقية/الدمام و (سلطانة السديري) بالرياض وغيرهن.
وجاء بعدها سيل من المنتديات الأسبوعية التي عرفتها أهم مدن المملكة في السنوات العشر الأخيرة مثل: ندوة (النخيل) لمحمد بن سعد بن حسين و (اثنينية) عثمان الصالح وبعد صلاة كل (جمعة) لسعود المريبض و (ثلوثية) عمر باحسون و (أحدية) محمد المشوّح و (أحدية) أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري ومساء كل (جمعة) من أول كل شهر يقام منتدى معتوق شلبي، وكل هذه بمدينة الرياض، وندوات أخرى في الأحساء مثل ندوات النعيم والعرفج والمبارك والمحيش وأبو حنية، وفي حائل ملتقى السيف والفريح، وفي المدن الأخرى، مثل عنيزة إذ يقيم الراوية والعلامة عبد الرحمن إبراهيم البطحي جلسة ـ تتحول إلى ملتقى أدبي له روّاده الدائمون ومن يزور عنيرة من خارجها ـ بعد مغرب كل يوم في مزرعته (مُطلَّة) بعنيزة وغيرهم كثير.
* * *
وهناك دواوين أو مجالس مفتوحة يوماً في الأسبوع بشكل دوري ثابت طوال العام مثل اللقاءات الأسبوعية التي يتم فيها التواصل والحديث بما يستجد على الساحة وقد يقرأ فيها قصائد أو مقالات وغيرها مثل الذي يتم أسبوعياً وقد يكون اللقاء في يومين في الأسبوع مثل: ما يقام بمنازل أصحاب المعالي الدكتور حمود البدر عصر كل جمعة، وبعد مغرب كل جمعة بمنزل الأستاذ عبد العزيز السالم، والدكتور عبد العزيز الخويطر مسائي الخميس والجمعة، وبعد مغرب كل سبت الأستاذ تركي بن خالد السديري، والأستاذ عبد الله العلي النعيم مساء يومي الثلاثاء والجمعة، والدكتور أحمد محمد الضبيب بعد صلاة الجمعة، والأستاذ محمد العبد الرحمن الفريح مغرب يومي الاثنين والخميس، وبعد المغرب من كل اثنين للأستاذ عبد الكريم الجهيمان، ومنزل الدكتور عبد الله الناصر الوهيبي ـ رحمه الله ـ مساء الأربعاء والخميس والذي كان يلتقي بزواره بعد مغرب كل يوم في حياته، وبعد مغرب الجمعة ـ بمنزل الأستاذ فهد العلي العريفي ـ رحمه الله ـ استمراراً لما كان والدهم ملتزماً به، وأبناء محمد السلمان ـ رحمه الله ـ مساء يومي الأحد والثلاثاء، وضحى كل خميس بمنزل الشيخ حمد إبراهيم الحقيل. وهناك اجتماعات دورية تضم مجموعة متجانسة تتفق فيما بينها على اللقاء الأسبوعي أو الشهري كل لقاء بمنزل أحدهم، وفي الفترة الأخيرة كثرت الاستراحات وأصبح اللقاء يتم فيها.
وللرواة مجالسهم ولقاءاتهم المحددة. فمثلاً الراوية إبراهيم الواصل ـ رحمه الله ـ كان بعد تقاعده يخصص يومين: صباح السبت والاثنين للقاء محبيه من المتقاعدين ومساء الأحد والخميس للجميع، وكان الشعر الشعبي ورواية بعض الأحداث والقصص هي الموضوع السائد وهكذا.
الراوية والشاعر حمود النافع بعد عصركل يوم له مجلس في مدخل منزله بالربوة بالرياض يتواصل معه كبار السن من محبي الشعر والرواية وغيرها.
وقد عرفت من الأستاذ سهم الدعجاني أنه يعد لكتاب سيصدر قريباً عن (المجالس الأدبية في المملكة).
ولا شك أن مثل هذه الملتقيات الدورية لها دور حيوي في تواصل المهتمين ومحاورتهم فيما يستجد من أحداث وموضوعات سواء منها الثقافية أو السياسية والاقتصادية وغيرها، وتعد تجربة ثرة ورافداً أدبياً مهماً للمؤسسات الرسمية كالأندية الأدبية والجمعيات.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1470  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 81 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.