شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شوارد
عبد المقصود خوجه والصالونات الأدبية (1)
بقلم: سندباد
ـ 1 ـ
يمثل العرب ـ منذ القدم ـ أمة واحدة، وقد قال الجاحظ: ((إن العرب كلهم شيء واحد.. لأن الدار والجزيرة واحدة؟ والأخلاق والشيم واحدة، وبينهم من التصاهر والتشابك والاتفاق في الأخلاق وفي الأعراق؛ ثم المناسبة التي بنيت على غريزة التربة وطباع الهواء والماء.. فهم في ذلك شيء واحد في الطبيعة واللغة والهمة والشمائل؛ قالوا والمشاكلة من جهة الاتفاق والطبيعة والعادة ربما كانت أبلغ وأوغل من المشاكلة من جهة الرحم. وقد كان العرب يشعرون بهذه الوحدة الطبيعية؛ ويحنون إلى تقويتها بجميع كلمهم)).
ومن هذه الوسائل التوحيدية؛ المجالس التي عاشت في المجتمع العربي طوال تاريخه وسيلة من وسائل الاتصال؛ لها أدبها ونظمها؛ ويذكر أن عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كان يجتمع بدار الندوة كل مساء ليروي للقوم من قريش تاريخ الأقدمين في الجزيرة وغيرها من البلاد العربية وغير العربية.
ويظهرنا التفسير الإعلامي للأدب العربي؛ على أن السمر ـ كمصطلح ـ لا يشير إلى الإمتاع والمؤانسة فحسب؛ بل يشير إلى وسيلة من أهم وسائل الإعلام والاتصال. ذلك أن أخبار أيام العرب وقصص رجالها كانت مادة الحديث في تلك المجالس؛ وكان الذين يتصدون للحديث والرواية هم أصحاب الألسنة ومن أوتوا مواهب خاصة يجيدون بها معرفة نفسيات الذين يستمعون إليهم. طافت هذه الصورة الأدبية بمخيلة ((السندباد)) إثر قراءة الحوار الأدبي في ((المجلة العربية)) التي يرأس تحريرها الأديب الأستاذ حمد القاضي؛ وهو حوار مع الأستاذ عبد المقصود خوجه؛ صاحب (( الاثنينية )) المعروفة، التي كرمت الكثير من الأدباء، وقد أجرت الحوار معه الأديبة عزة رشاد قطورة؛ التي أثارت معه قضايا المرأة؛ وتربية الأجيال؛ ثم وجهت إليه سؤالاً عن صالون عبد المقصود خوجه؛ الذي يسمى بالاثنينية واستدعت ذاكرتها صالون ((مي زيادة)) والشاعرة سكينة بنت الحسين؛ وولادة بنت المستكفي فكانت إجابته الدالّة التي توقف عندها السندباد، حيث يقول الأستاذ عبد المقصود خوجه:
أولاً أعترض على هذه المقارنات، فما أبعد اثنينيتنا بتواضعها عن القمم التي أشرتم إليها، والأسماء العملاقة التي تبدأ بسكينة بنت الحسين وولادة بنت المستكفي، ومي زيادة.. فقد كانت تلك الصالونات متكأً للشعراء والأدباء لإبراز نتاجهم، وأحياناً للدخول في معارك أدبية تؤدي في النهاية إلى تغذية التيار الأدبي بمزيد من التلاقح والتمازج.. وقد أوضحت في مقدمة الجزء الأول من سلسلة الاثنينية الخط والمسار الذي بدأت به والنهج الذي سارت وتسير عليه حتى الآن دون أن أحيد عما جاء في تلك المقدمة التي قلت فيها: (ومع توالي الأسابيع والشهور والأعوام.. كانت (( الاثنينية )) تدخل من حيث أريد أو لا أريد دائرة الصالونات الأدبية.. إلا أنها كانت صالوناً مختلفاً في ((مبناه)) ((ومعناه)) عن بقية الصالونات الأدبية المعروفة.. فلم يقم مبناها على المناقشات المفتوحة لحضورها من الأدباء والمفكرين والشعراء والكتّاب والصحفيين أو سياحتهم حول العديد من الموضوعات الأدبية المتفرقة.. ولكنه قام على إطار الاحتفاء والاحتفال بواحد من طلائع تلك الشخصيات الأدبية المعاصرة التي أسهمت بجهد بارز في الحياة الأدبية.. وكان لها عطاؤها الباقي وكان لها رصيدها من التجارب الجديرة بالاسترجاع والتأمل بل وتناقله من جيل لجيل، كما أنه لم يقم معناها على إحياء ذكر صاحبها بقدر ما قام على الاحتفاء بذكر ضيوفها وجهادهم؛ إكباراً لهم ووفاء لجهودهم واعتزازاً بعطائهم الذي مهّد الطريق وبدد ظلماته أمام نهضتنا الأدبية والثقافية المعاصرة، فلولا جيل الكبار.. وتجاربهم.. لما كانت تباشير هذه النهضة الأدبية الثقافية التي نعيش أجواءها).
ـ 2 ـ
((الاثنينية)) والصالونات الأدبية
.. ثم يتحدث الأستاذ عبد المقصود خوجه عن (( الاثنينية ))، كامتداد للمجالس الأدبية في الأدب العربي، والعالمي، مميزاً بينها وبين المؤسسات الرسمية، كنادي جدة الأدبي الذي يخاطب مختلف الفعاليات للمشاركة في أوجه نشاطه، التي تشكّل المحاضرات قاعدتها الأساسية. أما (( الاثنينية )) فهي كما يقول رائدها: فهي مجلس خاص يعقد في دار، الغرض منه في المقام الأول تكريم لعلمائنا الأفاضل، وروادنا الأوائل، الذين قامت على عاتقهم نهضتنا العلمية والفكرية والأدبية.. فهي في جوهرها ومظهرها عبارة عن كلمة شكر نقولها بكل تواضع لهؤلاء الرجال الذين ضحوا بالكثير، وأعطوا الكثير من نتاج عقولهم، ومداد أقلامهم، للأمتين العربية والإسلامية، وصولاً إلى الغد المشرق المأمول بإذن الله.. وضمن هذا الخط فإننا نرحب كل الترحيب بكل أخذ وكل عطاء.. وكثير من الأشياء مرهون بوقته، وآمل أن تسمع في القريب ما يسركم في هذا الأمر، سواء في النادي الأدبي أو من الاثنينية.
وهكذا يحدد الأستاذ عبد المقصود خوجه منهج صالونه الأدبي، وهو منهج يتواصل مع تاريخ هذه الصالونات الأدبية، التي انتشرت في مطلع هذا القرن في مصر، وظهر بعضها في أواخر القرن الماضي، كنادي السيدة نازلي فاضل الذي كان يقصده لفيف من نوابغ الأمة، نذكر منهم الشيخ محمد عبده وسعد زغلول واللقاني وغيرهم. ولم تلبث أن قامت الأديبة مي زيادة بإنشاء صالونها الأدبي، الذي اجتمع فيه كوكبة من رجال الفكر والأدب والفن، منهم أمير الشعراء أحمد شوقي، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وشاعر الأقطار العربية خليل مطران، والكاتب الساخر عبد العزيز البشري، ود. محجوب ثابت، وأنطون الجميل، ود. علي إبراهيم، وأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد، وغيرهم. وفي عام 1924 أسس بعض كبار الأدباء ((نادي القلم)) أسوة بالأندية التي تؤسس على هذا النمط في الغرب، وبدأ هذا المنتدى عمله في منزل آل عبد الرازق. وقال طه حسين في هذا السياق: إن من أخص صفات الإنتاج الأدبي الخصب أنه لا يستقيم إلا إذا أصبحت لأصحابه صفتان متناقضتان، إحداهما الفردية التي تمكنهم من أن ينتجوا أحراراً محتفظين بشخصياتهم كاملة، والأخرى الاجتماعية التي تمكّنهم من أن يعرف بعضهم بعضاً فيبادلوا الآراء والخواطر والتأثير. وفكرة التعاون بين الأدباء والعلماء وأصحاب الفنون والمنتجين جميعا ًيجب أن يكون لها وجهان مختلفان، أحدهما: التعاون الوطني، والآخر التعاون الإنساني، وإن نادي القلم مظهر من مظاهر هذا التعاون الإنساني بين رجال الأدب. فالذين يريدون أن يؤلفوا الأندية المصرية العربية الخالصة أحرار في تأليفها، وأنا أسرع الناس إلى الاشتراك فيها إن كان ذلك ميسوراً.
وفي كرمة ابن هانئ كان أمير الشعراء أحمد شوقي يعقد بعض ندواته مع أهل الأدب والفن. ومنهم الفنان محمد عبد الوهاب الذي كان يغني للحاضرين بعض قصائد شوقي، مثل أنطونيو، وجارة الوادي، ومضناك جفاه مرقده، وغيرها، كما كان الممثل أحمد علام يحضر هذه الندوة ويؤدي دور قيس بن الملوح في مشهد من مشاهد مجنون ليلى. ويذكر د. الرمادي أن الشيخ عبد العزيز البشري كان يشيع في المجلس روح الدعابة والمرح، بالنوادر الأدبية التي يستقيها من عيون التراث.
وكان صالون جريدة ((الأهرام)) من أحفل الصالونات الأدبية برجال الفكر وأقطاب السياسة والعلم؛ جبرائيل تقلا، داود بركات، خليل زين، أنطون الجميل، وغيرهم. ولم تقتصر المجالس الأدبية على الدور والبيوت، وإنما امتدت إلى كل مكان يجتمع فيه أهل الفكر والأدب. فكان السيد جمال الدين الأفغاني يعقد مجلسه في مقهى ((متاتيا))، وممن كان يجلس في هذا المقهى: محمد عثمان جلال، وإبراهيم اللقاني، وإبراهيم المويلحي، وأقدم النوادي الأدبية في فرنسا، هو نادي ((رامبوييه)) الذي ازدهر من عام 1624 إلى عام 1648، وفي القرن الثامن عشر مهدت النوادي الأدبية لحركة الرمانتكيين في فرنسا، ونذكر هنا نادي ((مدام دي ستال)) في قصر ((كوبيه)) على شط بحيرة ((جنيف)) ما بين سنة 1795 ـ 1811.
ولذلك يذهب علماء الأدب المقارن إلى أن لهذه المجتمعات والمنتديات الأدبية تأثيراً كبيراً في التفاعل بين الآداب!
هذه ((الشوارد)) حول الصالونات الأدبية، يهديها السندباد إلى رائدها المعاصر صاحب (( الاثنينية )) الأستاذ عبد المقصود خوجه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :601  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 20 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج