شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(113) (1)
أصابني البارحة أرق لم تنفع لطرده أية وسيلة.. فقد أغمضت عيني ووضعت الوسادة على رأسي ضاغطاً إياها بشدة أحياناً.. وبحنان حيناً آخر.. لأجعل منها واسطة انفصال عن العالم الخارجي ـ كما حاولت تكرار التلاوة لقصار السور باعتبار أن هذه العملية ذات فائدة مباركة مزدوجة ـ على طريقة ـ حج وبيع مسابح..
ومع اعترافي بقيامي.. لوقت ما.. بالعدد من المائة ـ ومرة من الخمسمائة طرداً وعكساً.. وبالمناسبة فقد اكتشفت أن عملية العود بالمقلوب.. أي خمسمائة أربعمائة تسعة وتسعين.. أربعمائة ثمانية وتسعين ـ وهكذا ـ عملية ليست بالسهولة التي نظنها نحن الكبار.. وتلك تحية مني للأولاد الصغار البارعين.. بعكسنا نحن الكبار ـ في العد بالمقلوب ـ بفضل تمرينهم على المسألة ـ كلعبة محببة لديهم ـ
وباختصار فإنني لم أترك وسيلة مقروءة بالأبصار أو مسموعة من الأفواه.. لطرد الأرق إلا واستعملتها ـ لكن بدون جدوى.. ولقد كنت البارحة في الحقيقة حريصاً كل الحرص على النوم للساعات المقررة والكافية لمثلي لأنني مرتبط بموعد هام وذي نفع مادي لي.. في الصباح ـ وهذا ما جعلني في حالة قلق كبير يضطرني لاستجلاب النوم.. ودحلسته.. بشتى الطرق.
وعلى فكرة.. كما نقول.. فإنني ممن لا يؤمنون بتاتاً بأن تعاطي القهوة والشاي بكمية وافرة.. ما دمت معتاداً عليها.. سبب رئيسي من أسباب الأرق.. فأنا مثلاً أشرب من الشاي ما يمثل في كميته ثلاثة براريد أبو ثمانية أسود ثقيل ـ ومن القهوة ـ أحياناً ـ ما يمثل ((دلة)) من القطع المتوسط.. دون أن تؤثر تلك الكمية من ذلك أو تلك على حضور النوم ـ أفندي ـ في موعده.
ثم إنني ـ أيضاً ـ ممن لا يقلقون لحدوث الأرق.. إن لم يكن لدي كالبارحة ـ موعد هام يهمني جداً القيام مبكراً لأفي به. لأن مذهبي الرئيسي في الأمر أن النوم في ذاته مطلب جسدي يجيء في أوانه المحتوم دون مطاردة أو تعقيب مطرد له.. فكما أن الإنسان لا يأكل إلا حين يشعر بالجوع ـ ولا يشرب إلا حين يحس بالعطش.. فهو لا ينام إلا إذا غلبه النوم.. ولقد حدث لي مراراً أن قفزت من الفراش لمباشرة عملية أخرى غير النوم.. كالكتابة أو القراءة أو سواهما.. دون أن أعطيه اعتباراً أكثر مما يستحق.. حتى يجيء صاغراً مستسلماً في أوانه الأوتوماتيكي المقرر..
ولقد استعرضت كل معلوماتي ـ وفلسفت النوم ـ حتى لقد ناقشت السؤال البيزنطي الشهير ـ وهو متى نلتذ بالنوم؟ هل يكون الالتذاذ به في أول قدومه وحين غلبته علينا؟ أم أثناء النوم ونحن لا نشعر بممارسته الواعية؟ أم بعده حين نستيقظ لنشعر بالنشاط والحيوية.. نتيجة أخذ الجسم حظه الكافي منه؟ ولقد رأيت أنها عملية ذهنية مسلية فتشبثت بها.. وقلبتها على جميع وجوهها.. وخرجت مسروراً ـ ولو مؤقتاً ـ بالنتائج الآتية:
أ ـ لا شك أننا نلتذ فعلاً بمقدم النوم حين مداعبته لأجفاننا لذة محسوسة تجعلنا في حالتي خدر حلو ـ واستسلام جميل.
ب ـ كما أننا نلتذ بالنوم ـ سبيلاً إلى دنيا الأحلام التي نحيا فيها حياة ثانية واسعة وملوّنة.. وحارة بالتأكيد.. مهما تخلل أحلامنا أحياناً من مناظر هائلة.. وحوادث مرعبة.. ويستثنى من ذلك كما هو معلوم ما يسمونه ـ الكابوس ـ وهو أقصى درجاتها.. وما يعتبر عرضاً مرضياً في ذاته.. ربما سببت حدوثه أكلة دسمة نمنا على أعقابها فوراً.. وبصرف النظر عن ((الشرقة)) الحادة لانحدار الرأس عن المخدة الواطية!
ج ـ كما أننا ننتشي بلذة النوم بعد أخذ حظنا منه ويقظتنا يقظة نشيطة ـ ومبهجة.. تولد فينا الاستعداد لمزاولة ومباشرة أي عمل أو أية حركة مهما كان ـ وأياً كانت ـ وعلى هذا القياس فنحن نلتذ بالنوم في كل حالاته الثلاث لذة مزدوجة: التنعم والمنفعة.. على شرط أن نأخذ نصيبنا الكافي منه ـ وهناك جداول طبية تعيّن للمسن ـ وللشاب ـ وللطفل المدة اللازمة له صحياً من النوم.. ومثلي على سبيل المثال ممن يقع معدلهم بين السبع والثماني ساعات متصلة ـ وذلك باستثناء الغفوة الأفيونية المعتادة عقب الغداء مباشرة والتي أحرص عليها رغم تطرف الأوامر الطبية الصارمة ـ تمشياً مع قاعدتنا الطبية الشعبية القائلة ((ولف الجساد بما تعتاد)).
وأخيراً ـ ودون تطوير أكثر.. انخمدت!.. والخمدة في لهجتنا الشعبية تعبير جاف وغليظ.. إلا أنه رقيق.. ويعني مفاجأة النوم على غرة.. وكبسه على الشخص دون التوطئة والاستجلاب المألوفين.
وهكذا أكملت صباح هذا اليوم مناقشة موضوع الأرق والنوم.. بعد أن صحوت بعد فوات الميعاد!.. وضياع ما ترتب على فواته مما أرقت بسببه.. وبت أحلم فيه!..
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :535  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 152 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد عبد الصمد فدا

[سابق عصره: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج