شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(114) (1)
زارني ضحى هذا اليوم زميل ممن يطلق على أمثاله وأمثالي شباب اليوم اسم ((راجل قديم!!..)) وتذاكرنا بحكم صفة القوم المشتركة هذه بعض ذكريات أيام وليالي زمان..
وكان أكثر ما انصبَّ عليه حديثنا بالمناسبة الداعية إليه ما اتصل بألعاب الحواة في تلك الأيام.. وكان همها على عهدنا الراحل ـ أو البائد ـ هو العرض الخاص بما كانوا يسمونه.. راس بلا جته.. في الأعياد ـ وببرحة العيدروس بجدة على وجه التحديد.. حيث تنصب فيها المدارية بأنواعها من الألواح ـ أي الشبارى ـ إلى العقيليات.. وتكتظ البرحة كلها والأزقة المجاورة لها بالأفواج المتلاحقة ـ وبالصفوف المتزاحمة من الأطفال ـ والغلمان ـ والشباب ـ والرجال في أوقاتهم من بعد العصر، حين تمتلئ بهم مراكيز المقاهي هناك، للفرجة والمشاركة من بعيد.. لبعيد!
وبالعودة للموضوع الحديث الأم هنا ـ وهو ألعاب الحواة ـ فقد كان مكان العرض للعبة.. راس بلا جتة.. هذه أكثر الأماكن ازدحاماً وطلباً للفرجة.. بل قد يصل الأمر فيه إلى أن يمسك كل متفرج مكانه في الصف ـ أو السرا ـ كما يطلقون على أسلوب النظام وترتيب دخول المشاهدين.
على أن الحكاية كلها كانت عبارة عن صندوق زجاجي تبرز منه للعيان ـ أو للعيون البريئة المجلقة رأس رجل تحوطها الحشائش الجافة الخضراء ـ وتتخذ هذه الرأس عدة حركات صبيانية مضحكة.. وذلك دون أن يظهر ((الفاعل)) لها أو المحرك للرأس الظاهرة للعيان..
ولما كانت بداية الحديث مع زميلي الرجل القديم عما سمي بأزمة الشرق الوسط ـ تعبيراً خبيث الصورة ساد حتى غطى على الأصل، وحقيقة القضية ومسماها الصحيح ـ وذلك باعتباره الحديث اليومي بين العرب ـ كل العرب ـ عن إسرائيل التي شبهها زميلي بأنها.. راص بلا جتة.. من طراز مودرني حديث..
ومن هذا المنطلق.. كما يقولون في التعابير الصحفية والإذاعية الجديدة.. كان الحديث عن الهواة وعن ألعابهم.. ابتداء من اللعب على الحبال ـ وعلى السلوك ـ إلى لعبة البيضة والكتكوت ـ وانتهينا إلى أن قوام الأمر ومداره في موضوع الحواة برمته وبأنواعهم هما خفة اليد ـ والحيلة ـ والضحك على العقول الساذجة بظاهر من الصورة.. وبشعار يخفي الأصل!
وراقني التشبيه.. وحرشت صاحبي.. وأزيت نفسي الأمارة بمتابعة النبش التاريخي والشعبي معاً.. لاستذكار المشابه من تلك الألاعيب ومن كل ما تجمعه عمليات النصب والاحتيال في جملة واحدة كما تجمع الحروف المنفصلة في الإملاء ـ مثلاً ـ جملة: زر.. ذا.. ورد.. أو في القراءة جمل الأبجدية المتتالية في صور ذات نغم وتنسيق.. وترتيل متساوٍ في قولهم: أبجد ـ هوز ـ حطي ـ كلمن ـ تخذ ـ ضطغ ـ سعفص ـ قرشت.. هكذا ـ أو كما وردت في الأصل.. فقد أصبحت ضعيف الثقة في ذاكرتي الغربالية الصنع..
وهكذا.. استعرضنا بين.. هأهأة.. واستراحة ومعاودة للحديث ما لم يصبح جديداً علينا من الألاعيب العالمية الاختراع ـ لا نعدم أن نجد لكل منها شبيهاً.. سواء في الحركات كلعبة.. راس بلا جتة.. أو في النشل المستور كلعبة.. الثلاث ورقات..
والفرق الوحيد الذي خرجنا من المقارنات به بعد العظة والعبرة والاطمئنان.. أن متفرجي اليوم على هذه الألاعيب ـ ليسوا أطفال الأمس!
هذا ـ ولما كان حبل البحث في هذا المجال ـ بعد الحديث عنه ـ طويلاً ـ ورفيعاً ـ وقابلاً لوقوع الرافض عليه على أم رأسه ـ كما يقول التعبير اللغوي الفقيه.. وإن كنت ذاتياً حتى هذه اللحظة لا أستطيع تحديد نقطة مكان الأم من خريطة رأسي..
لما كان كذلك.. فقد اقتنعت وزميلي الراجل القديم بالجلوس لدى طرفه عند هذا الحد.. تماماً ـ كما كان يقف المنظمون لمحل العرض في لعبة ـ راس بلا جتة ـ عند طرف الباب لاستلام النقود أولاً ودفع المتفرجين إلى الداخل.. أو القذف بها إلى الخارج.. عند نهاية العرض!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :530  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 153 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.