شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(112) (1)
ووفاء لوعد مقطوع من السابق ـ ومسجل بإحدى الحلمنتيشيات المقندلة حيث جاء فيها:
وفي الجمعا.. ومن بعد العصاري نروح لأبحر.. أو للكراع!..
فقد خرجنا اليوم إلى.. أبحر.. وكانت سياراتنا بالنسبة للصف المتلاحق من السيارات.. ولضيق الخط عن استيعاب الذاهب والآيب وتقليداً لغيرها.. أشبه ما تكون في سيرها بثعبان يتلوى في دربه.. كأنما كانت الاستقامة في سلوكها معرة بين سواها.. تماماً كما يحدث في دنيا الناس.. حيث يضطر الفرد المحافظ على النظام.. أو على ذمته وأخلاقه.. بعد أن تضيق به السبل.. أن ينخرط في صف الأكثرية المطلقة ـ غير المستقيمة ـ وأمره لله!!
وقبل أن نمضي في طريقنا ـ فإن الرجاء.. بالمناسبة.. مؤكد بحرارة للجهة المختصة ـ وعلى لسان تلك الأكثرية ـ وبقطرات من دماء بعض ضحاياها الأسبوعية.. أن تنظر فوراً في توسيع الخط هناك ـ وأنها الآن لإشارة أبلغ من عبارة ـ باعتبار ما سلف.. وباعتبار أن الذهاب الأسبوعي لأبحر بالذات أو للشواطئ المجاورة لشطوطها يكاد يكون المتنفس الوحيد للألوف المؤلفة من الخلق..
أما بالنسبة لسيارتنا هذه.. فلقد صادف أن كان كل المحشورين داخلها طروشاً من طروش البحر.. كما كان يسمي أخواننا المكيون.. أهالي جدة.. في سالف العصر والأوان.. وقبل أن يصبح معظمهم اليوم.. طروش بحر.. أيضاً.. بعد أن انتقلوا إلى جدة.. وأقاموا فيها الإقامة الدائمة المتصلة لدرجة جعلت الواحد منهم لا يطيق السموم.. هواء ذكوري السمة واللفح.. ويهيم وجداً بنسنسة البحري.. هواء أنثوي الهفهفة والملامح.. وقد نسي فعلاً رياضة تسلق الجبال.. على الأقدام!..
وجاءت هذه السيرة نفسها.. استطراداً قصيراً..لكنه جر من أحدنا إلى نقطة.. كشت منها جثتي.. بالبلدي.. أي اقشعر منها بدني.. بالفصحى.. وهي على ندرة وجودها لا تزال تشير إلى راسبة بائدة من رواسب.. النعرة القديمة.. والبائدة كذلك.
فاضطررت أن أذكر لراكبي السيارة رواية تاريخية.. تقول: إن مجلساً في عام 1356 هجرية ضم نفراً من النازحين المقيمين بمكة من أهالي جدة موظفين بوزارة المالية وسواها حين كانت جدة أشبه ما تكون بقرية خاوية هامدة الأنفاس.. وكانت مكة.. يعمرها الله.. من المدن التي حدد مركزها الشاعر بقوله:
الرزق حيث تزاحم الأقدام!..
وصادف.. كما ينفلت الريح أحياناً من صاحبه رغم تكعيبه.. بجلوسه جلسة التمكن.. أن انفلت من أحد الحاضرين جملة تعني أن غزواً وظيفياً جداوياً.. ومدينياً أيضاً.. قد طغا على أبناء وادي إبراهيم الخليل.. وساد السكون.. لتقطعه شخصية كبيرة المقام بقولها: الدين لله والوطن للجميع!..
وهكذا قفلنا البحث بهذه الجملة المقتبسة من الشخصية الكبيرة اقتباساً كاملاً بالمسطرة وبالبيكار لقولة مهجورة لزغلول مصر.. وقد قيلت منه وفي عهده لا لطلب المساواة بين مواطنين كما هو الحال بيننا آنذاك.. ولكن للمساواة في الحقوق بين طائفتين ذواتي ديانتين مختلفتين.. تفترشان الصعيد الواحد..
وعند هذا الحد.. تعهد الجميع وتعاهدوا على ألا يسمح أي واحد منهم في حياته أبداً بأن ينفلت منه ريح خبيث له هذه الرائحة النتنة!..
وهكذا.. كذلك.. وصلنا إلى.. أبحر.. حيث أخذ كل منا يغسل نفسه.. ويرطب جسده بأمواج البحر وبنسماته الهفهافة.. ولما كنت بالنسبة للبحر طرش من طروشه.. ولما كان لي صديق العمر.. حبيته بلهفة.. حيث استقبلني بحرارة وشوق وتناجينا، ولكن.. على طريقة أكل الوجه!.. دون اتصال مباشر.. ومن بعيد لبعيد لأنني في تعاملي معهم من جماعة ابن الرومي القائل:
وأيسر إشفاقي من الماء أنني
أمر به.. في الكوز.. مر المجانب!..
ولقد تمليت من رؤيته طويلاً.. وتغلغلت في صميمه ملياً.. وعشت معه.. وفيه.. وله.. الشعر ـ للشعر ـ مردداً بعض المقاطع من قصيدتي الخيرة فيه:
أحب البحر من قلبي
فلي قلب به شاعر
فمن أمواجه حبي
من الساكن.. للهادر
وفي شطآنه دربي
به الأول كالآخر
تلاشى دونه الظل
فلا عال هنا ـ أو دون
متى انفض بنا السامر!..
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :553  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 151 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج