شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(111) (1)
وكلمني أحدهم اليوم.. وكان بعض كلماته غمزة من عين.. وبعضها رقصة من حاجب.. يقول: ترى هل يتدخل في دنيا الأدب.. كدنيا الناس المادية.. حسن الحظ فيرتفع بشاعر بذاته ليجعله ملء الأسماع والعصور.. ويهبط سوء الحظ بغيره من الفحول والأنداد ليجعل منهم مجرد أسماء ليس لها إلا مجرد صفات الشعراء.. ذكراً في التاريخ؟!
ولويت رقبتي نحوه لية بطيئة.. وحدجته بنظرة كأنها كف أطبقت على زمارة حلقه لتقول له: لقد ضبطتك بفعلتك.. فإنني أعلم بما تعنيه نصاً.. وأحس بما تشير إليه ضمناً.. لأنني أدري أنك كنت بمكة يوم أمس الأول.. وذهبت إلى حي المعابدة صحبة فلان.. وفلان!..
ومع ذلك.. فقد بدوت ساكناً.. وسألته بصوت هادئ فاتر.. أجل هو كما تقول.. ولكن ما الدافع لسؤالك هذا الآن؟.. فأجابني.. لقد فكرت في صيرورة شعر المتنبي.. مثلاً.. صيرورة شغلت النقاد والكاتبين.. والرواة من قبلهم والمحدثين.. وعامة الناس.. حتى لتكاد تقتصر الأمثال في المناسبات.. والشواهد في الأحوال على البيت.. أو البيتين من شعره.. دون سواء من فناني الشعر اللَّهم إلا في النادر الذين يعنونه بقولهم: لا حكم له!
وقلت له: وأزيدك على هذا.. للتاريخ.. بالنسبة للموضوع نفسه.. لقد بلغ من طغيان هذا الذي تسميه حسن الحظ أن عمد شعراء ضاقت السبل في وجوههم.. وأعيتهم الحيلة حتى لجؤوا بشعرهم اللؤلؤي لينحلوه غيرهم من لاضمى الخرز المجمع.. حتى يتبارك باسم غيرهم.. فيروي.. ويسود.. صدقة مستورة.. لوجه الفن!
وأذكر للمقابلة لما سميته دنيا الناس المادية.. على سبيل المثال وفي عصرنا هذا من وقت ليس ببعيد.. إنه كان هنا بجدة رجل كادح.. والحق يقال.. في سبيل تنمية عمله التجاري المحدود في.. مبسط متواضع.. ثم دار الزمن حين طرق عليه الباب ذات نهار.. أو ذات ليلة لا أدري.. هذا الذي تسميه الحظ.. فإذا الرجل في خلال أعوام قلائل ثري شهير كيماني الحظ كما يقول صاحبك ابن الرومي.. فهو لا يكاد يستورد بضاعة حتى يغلو ثمنها وهي في عرض البحر.. ولا يكاد يعقد صفقة أرض.. أو عقار.. حتى يتصاعد ثمن كل منها إلى حد غير معقول..
وأصبح كثير من التجار الأصلاء.. والمستوردين الأقحاح.. وأصحاب الأراضي والعقار المتمرسين.. يسعون إليه بأقدامهم وبما لديهم يبيعونه بربح بسيط محدود.. بعد أن ضاقوا به وخشوا الكساد عليه.. ليبيعه هو بدوره بما يفوق تقديراتهم وحسابهم التجاري المألوف!
ومع ما ذكرت لك.. فإن في نفسي شيئاً من هذا الذي نسميه الحظ.. فما هو في ظنك؟ وما هي ماهيته؟ وأين تبدأ وتنتهي حدود كنهه الخفي؟ وهل هو كما قرأت عنه في سبابي.. عبارة عن ظروف متآلفة مترابطة جاءت مناسبة في وقتها المناسب؟.. وأحب أن أسمعها من فيك صريحة النص.. لا رمزية المضمون.. فقد ضقت منك بالتلميح يقتضيني جهداً لأستخرج منه التصريح..
أجاب باختصار.. إن الفرصة تلوح في حينها الموقوف لا يتقدم ولا يتأخر فإن أنت استقبلتها.. وصدتها.. فذلك حظك الحسن.. وإلا.. أبقى استنيني!!
وربما سماه بعضهم.. التوفيق.. وأركانه الشرعية الدأب.. والمثابرة.. والتفرغ.. والإيمان بالنجاح.. والعمل لإحرازه على طريقة حفر البير بإبرة من كثرة الصبر وطول الأناة.. ولعلمك فهو زئبقي رجراج لا يكاد يحس أو يلمس في حالتي الإقبال والتخلي.. وإنه لمن المسميات التي يصعب علينا تعريفها وصبها في قالب واحد.. ولذلك فقد عاش بين الإيمان المطلق بوجوده.. وبين الكفر الصريح به!
وخلصنا.. عند ذلك.. من التراشق بالعبارات المدرسية المنمقة وكأنها طلقات الرصاص المتبادل في صمت كأنما هي صادرة من مسدسات مكتومة الصوت.. وبتعبيرنا الدارج فقد.. درناها بلدي!!.. مستشهدين ببعض الأمثال الدارجة أيضاً:
.. درهم حظ.. ولا قنطار شجاعة!
.. قليل الحظ.. يلاقي في الكرشه عضمه!
.. الحظ يستر ما في المرء من خلل!
.. من لقي بختو.. (عملها) تحتو!
.. عديم الحظ.. يعثر.. في داك الكلام!
وأخيراً.. استعرضنا على منوال النقد الذاتي السائد.. ومجابهة للحقيقة التي لا تنكر.. ملامح أولئك المتسكعين في دروب الحياة يحملون فوق رؤوسهم كالدوادير.. وتحت إباطهم كالحافظ شعار سوء الحظ.. نادبين نصيبهم من الدنيا.. فلم نر بينهم ونحن منهم إلا كل شخص لا نكاد ننطق باسمه حتى نخلع عليه من فورنا أحد الألقاب المستحق لها بجدارة.. مثل: نكد.. عقدة.. غلس.. شكوكي.. معقد.. ما يعجبو العجب.. موسوس.. دغل.. فيلسوف.. بغيض.. راجل متعب.. ملس.. هلاس!
وهنا زفر أخونا زفرة طويلة.. واستأذن.. فصحت به وقد هم بتخطي العتبة حافياً من اللخمة ومع ذلك يا فلان فإن هناك مثلاً بلدياً أحب أن تحفظه.. وأن تعمل به.. كحل وسط بين حسن الحال وسوئه.. دون حاجة لتكرر زياراتك الكريمة لي قال لي هاته.. قلت خذه:
حط رجلك في مداس السعيد.. تسعد!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :562  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 150 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.