واليوم.. وبعد إضافة شهر جديد.. على مدة غيبتي السابقة والتي طالت عن البلاد حوالي ثمانين يوماً أو تزيد.. لا حول العالم.. بل في بقعة هادئة بضهور العبادية.. في حضن الجبل الأخضر البارد.. وعلى سطح أحد وديانه السحيقة الخضراء.. كذلك!
قرأت الآن رسالة الأستاذ الجليل الشيخ أحمد بن إبراهيم الغزاوي.. وكلها حسن وشوق.. وحب وحرارة.. ثم اطراء لما كنت أكتبه تحت عنوان.. الجبل الذي صار سهلاً.. ومع الرسالة عدد من جريدة البلاد فيه تشطير لقصيدتي.. كهولة.. بعنوان فحولة لا كهولة..
وخاصمت نفسي.. وأنبتها على هذا الجحود لا معذرة عنه.. وعلى التقصير الشائن لا يحسن السكوت عليه.. وإن كان لا ذنب لها.. ولا لمستلم الرسالة في حينها.. بل هو ذنب الظرف السيء.. والملابسات غير الموفقة..
ومن غير مراطلة مفتعلة كالمراطلات المحلية بين بعض الكتّاب والأدباء.. وبدون مزايدة أدبية.. فإنني وجدت في هذه الرسالة المصونة من غير أن تذهب الأيام الطويلة ببهجتها وفي تشطير تلك القصيدة روح شيخنا الفاضل.. نبيلة كريمة فاضت بها السجية المكية واضحة الدلالة على أثر تأثير التربة والأصل..
وخطر لي فور الانتهاء من قراءتيهما بعض ما كنت نظمته مرة.. وفي أعوام إقامتي الممتدة بمكة المكرمة واحداً من أبنائها.. ولم أكمله.. قصيدة لم تر النور نشراً.. ولم يرها وحدة تامة الموضوع حتى الآن.. ومنه:
أنا مكي بإحساسي..
وبالأعراق ملهم
عشت.. نهب الليل..
والقمراء.. مغرم
فكأني خفقة الأيا
م.. أكباداً تترجم
وكأني دفقة الأموا
ه.. من أعماق زمزم!
وأتقدم الآن.. لأجد العذر حلاً.. أو الحل ترجمة لشعور عميق بالأثر العميق.. حياء.. وذكرى فقد افتكرت أن لشاعرنا الفحل عليَّ في صدر شبابي يداً شعرية لم تخفها الأعوام.. فلقد كنت ذات صيف في الطائف.. وفي غمرة حب عذري مقتبس نصفه من المجنون ونصفه الآخر من جميل.. وقد سطت به ذات ليلة روح عمرية ربيعية بين خدود هفهفت في فضائها حلاوة الصفاء.. ونقاء الصراحة.. حين سألتني على مشهدة من أهلها وذويها من لا أقدر على رد سؤالها أن أسرد لها بعض ما قاله الحضريون أمثالي في مثيلاتها البدويات.. فأرتج علي كما يحدث ذلك لأطول المحدثين لساناً.. وأسرعهم بديهة.. وجاء الفرج والإنقاذ ببركة شيخنا المبارك وشاعرنا السبّاق الأستاذ أحمد إبراهيم الغزاوي.. فقلت.. دون ذكر القائل.. وإنني أعترف الآن دون شهود أو تجليف: