شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 35 ـ (1)
والحديث عن الحب.. عاطفة كونية متواترة.. حديث لا يمل.. وصاحبنا فيه اليوم كثير عزة.. وهو أبو صخر كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر.. من فحول شعراء الإسلام.. وكان من آتيه الناس وأذهبهم بنفسه على كل واحد.. حتى إن أناساً من المدينة كانوا يلعبون به فيقولون وهو يسمع.. إن كثيراً لا يلتفت من تيهه.. فكان الرجل يأتيه من ورائه فيأخذ رداءه فلا يلتفت من الكبر ويمضي في قميصه..
على أنه كان قصيراً دميماً.. حتى كان إذا دخل على عبد العزيز بن مروان يقول:
طاطئ رأسك.. لا يصبه السقف..
وفي ذلك يقول كثير:
وإن أك قصداً في الرجال فإنني
إذا حل أمر ساحتي ـ لطويل!
ويبالغ الوقاص في الأمر مبالغة ملحوظة ساخرة حين يقول: رأيت كثيراً يطوف بالبيت.. فمن حدثك أنه يزيد على ثلاثة أشبار فكذبه!
هذا.. وقد قال عنه محمد بن سلام الجمحي ـ كان كثير شاعر أهل الحجاز.. وهو شاعر فحل.. ولكنه منقوص حظه بالعراق.. ونسب كثير لكثرة تشبيبه بعزة الضميرية إليها ـ وعرف بها.. فقيل: كثير عزة.. وهي عزة بنت جميل بن وقاص.. وكان ابتداء عشقه إياها أنه خرج من منزله يسوق جلب غنم إلى الجار على ثلاث مراحل من المدينة بساحل البحر.. فلما كان بالخَبْث وقف على نسوة من بني ضمرة فسألهن عن الماء فقلن لعزة وهي جارية حين كعب ثدياها.. أرشديه إلى الماء فأرشدته وأعجبته، فبينما هو يسقي غنمه إذ جاءته عزة بدراهم.. فقالت تقول لك النسوة.. بعنا بهذه الدراهم كبشاً من ضأنك.. فأمر الغلام فدفع إليها كبشاً وقال: ردي الدراهم وقولي لهن: إذا رحت بكن اقتضيت حقي.. فلما راح بهن قلن له.. هذا حقك فخذه.. فقال: عزة غريمي.. ولست أقضي حقي إلا منها.. فمزحن معه.. وقلن ـ ويحك.. عزة جارية صغيرة وليس فيها وفاء لحقك.. فأحله على إحدانا فإنها أملأ به منها وأسرع له أداء.. فقال: ما أنا بمحيل حقي عنها.. ومضى لوجهه.. ثم رجع إليهن حين فرغ من بيع جلبه فأنشدهن فيها:
نظرت إليها نظرة.. وهي عاتق
على حين أن شبت وبان نهودها
وقد درعوها وهي ذات مرصد
مجوب ولما يلبس الدرع ريدها
نظرت إليها نظرة ما يسرني
بها حمر أنعام البلاد وسودها
وكنت إذا ما جئت سعدي أزورها
أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ود جليسها
إذا ما انقضت أحدوثة.. لو تعيدها!
كما قال لهن:
قضى كل ذي دين فوقي غريمه
وعزة ممطول معَنَّى غريمها
فقلن له: أبيت إلا عزة.. وأبرزنها إليه.. وهي كارهة.. ثم أحبته هي بعد ذلك أشد من حبه إياها..
أما الحكاية عنهما في دائرة الحب ترعاه النجوم.. ولا تتلبد حوله الغيوم.. فهي عن إبراهيم بن أبي عمرو الجهني عن أبيه.. قال:
سارت علينا عزة في جماعة من قومها.. فنزلت حيالنا.. فجاءني كثيّر ذات يوم فقال لي: أريد أن أكون عندك اليوم ـ فاذهب إلى عزة.. فصرت به إلى منزل.. فأقام عندي حتى كان العشاء.. ثم أرسلني إليها وأعطاني خاتمه وقال: إذا سلمت فستخرج إلي جارية.. فادفع إليها خاتمي وأعلمها مكاني.. فجئت بيتها فسلمت فخرجت إلى الجارية فأعطيتها الخاتم فقالت: أين الموعد؟.. قلت: صخرات أبي عبيد الليلة.. فواعدتها هناك.. فرجعت إليه فأعلمته.. فلما أمسى قال لي: انهض بنا.. فنهضنا فجلسنا هناك نتحدث حتى جاءت من الليل فجلست.. فتحدثا وأطالا.. فذهبت لأقوم.. فقال لي: إلى أين تذهب؟.. فقلت: أخليكم ساعة لعلّكما تتحدثان ببعض ما تكتمان.. فقال لي: اجلس! فوالله ما كان بيننا شيء قط.. فجلست وهما يتحدثان وإن بينهما لثماثة عظيمة.. نبت شبيه بالخوص.. وهي جالسة من ورائها حتى أسحرا.. ثم قامت.. فانصرفت.. وقمت أنا وهو.. فظل عندي حتى أمسى.. فانطلق!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :824  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 88 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج