شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 30 ـ (1)
وفي مرة من المرات.. وكان ذلك قبل سنوات عديدة ماضية سألني أحد الكبار سؤالاً حبياً.. كما نقول.. عن نصيب الحقيقة في إشاعة راجت.. وتقول إنني وصديقاً لي كنا بطليْ رواية جرت بمكة.. وفي ليلة جمعة..
فأجبته.. يكفي لدحضها بل ونسفها من أساسها أنني في تلك الليلة بالذات كنت أبيت في جدّة.. بينما كان صديقي هذا يبيت في الطائف.. وذلك ثابت بشهود.. بوجودي هنا ـ وبوجوده هناك!
فقال.. إنني أميل إلى تصديقك.. فلقد عانيت شخصياً من الإشاعات ألوان كيد مختلفة.. فما هو تعليقك لهذه الظاهرة المتفشية ولمرض الغيبة المزمن والمنتشر بيننا بشكل مزعج مخيف؟
ثم لماذا يقع الاختيار دائماً على صنف بذاته من الناس.. طعاماً سائغاً ـ لم يكن بالهنيء ولا بالمريء إلا على هذه المائدة؟ فأجبت إنها محنة قديمة جداً.. ورثها بعض القوم منا كمزاج فني.. أو كفنٍّ من فنون حديث المجالس.. والخلوات.
وقد ألف هذا البعض ألا يمارسها عادة متأصلة.. وطبيعة ثابتة بالنسبة لكل من هب ودب.. بل قد ارتقى به التخصص حتى أصبح ذوّاقة ممتازاً لا ينتقي في الفرائس إلا ما طاب لحمها.. وشاع ذكرها.. وحلا السمر على المزمزة في أعضائها ـ شأنه في هذا الاختيار شأن الأكول الفنان ذي المزاج والخبرة يختار من الخروف مشارب الماء.. وما جاورها متجاوزاً الأجزاء النكرات المجهولة.. العادية المذاق والطعم.
واقتضى المقام أن أروي له بتلك المناسبة حكاية تاريخية قصيرة تقول:
كان أبو عبد الرحمن غيّاباً كبيراً.. قل أن يحضر مجلساً.. أو أن يختلي من الجلساء بثانيهما بعد أن يذهب ثالثهما إلا اغتاب المفارق للمجلس.. أو تناول الثالث بدوره من الجماعة في حينه.. فسلقه بلسانه.. وظل هذا دأبه وديدنه حتى أصبح ذا شهرة واسعة في ميدان الغيبة ـ وعلماً من أعلام أبوابها الواسعة.
ثم إن أبا عبد الرحمن هذا تاب عن الغيبة توبة صادقة، ساعده على الإصرار عليها كبر السن.. وضيق المجال.. وتبدل الأحوال.. فأضرب تماماً عن تناول اللحم الآدمي مهما كان ممتازاً لذيذ الطعم.. وأكثر من تلاوة الآية الكريمة أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ (الحجرات: 12).. وذلك لتقوية الإرادة في نفسه على التوبة كاملة غير منقوصة..
ولكنه رغم ما فعل.. فقد بقيت في نفسه لها صبابة قديمة.. وحنين متطور.. فقد صادف أن قابله عند باب المسجد شخص من عارفي طول لسانه في اغتياب الصنف المختار منه من الناس.. فقال له.. يعني الغيبة:
أو تركتها.. يا أبا عبد الرحمن؟!
فقال:
نعم.. ولكني أشتهي أن أسمعها!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :853  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 83 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج