ودعتُ أيّامَ الشباب تفيّأت |
زَهَراتُها ظِلَّ الشباب الأملدِ |
رفرافة الأوراق.. حيّتْهَا الصَّبا |
بالهمسِ.. بَين تَوَجُّد.. وَتَوَدُّدِ |
ممتدة الأعراق.. طاب غِراسَهَا |
في السَّفحِ.. في الأغوارِ.. لَم تتأبَّدِ |
رقت عَلى الأغصان نافحَة الشذى |
شعراً تنهَّدَ بُغْيَةَ المُتَنَهِّدِ |
تتعَانقُ الأطيافُ في أنفاسِهَا |
شَفَّافَةً رفافة في المِجْسَدِ.. |
مِعْطاءَةً مسح الندى جَبَهاتِهَا |
بيديه طَوْعَ الحب لا طَوْعَ الْيَدِ |
لا الرِّيحُ تَهْصُرُها إذا مَرَّتْ بهَا.. |
سَحَراً.. ولا التَّقْبيلُ مِنْ شَفَةِ الصّدي |
ودفنتُ أحلام الصبابة بَينهَا |
خضراء.. عاشتْ.. سِيرَةَ المتعَبدِ |
أذكَت نضارتها الغرام، وهدهدت |
مثواه.. بَين توحُّد.. وتَعَدُّدِ |
وتَبَتَّلتْ.. صومَ النجيِّ تواترت |
هَمَسَاتُهُ للسامر المُتَزيِّدِ |
مَهْوَى المُحبِّ تلجلجَت في صدره |
آهاتُه تُرْوى بِلَحْنِ مُجَوّدِ |
منغومةً غَنَّتْ تُحَرِّك في الدُّجى |
قلبَ الحَياة لشاعرٍ متهَجِّدِ |
وركبتُ أجْبَالُ الكهولة لاهثاً |
بَين الصخور.. بصلدها.. بالجلمدِ |
تجري السحائبُ ضحوةً في صَحْوِهَا |
غامت هناك بعيدةً عن مشهدي |
ظَمْآنَ.. ارْتَشِفُ السَّراب عَلالَةً |
جَوْعَانَ.. في مسرايَ.. غير مزوّدِ |
لَهْفَانَ.. عقَّتني السِّنون تجَرّدت |
فتمردت.. كفؤاديَ المُتَمَرِّدِ.. |
أغفو مع الليلات في أعتابهَا |
وأثور بالأبواب.. ! أصباح الغَدِ |
متلفِّت الأعناق مشدود الخُطَى |
للأمس.. مشبوب الهوى المتوقِّدِ |
مُتَلصلصَ النظرات حَيث ترددت |
للسفح تفضح حيْرة المترددِ |
نحو الشباب تَظَلَّلَتْ بِجِنَانِهِ |
أيَّامُه.. ذكرى شبابي الأوحَدِ |
يطأ المراعيَ فاءَ بَيْن ربيعها |
أو قال لم يجهد ولم يتأوّدِ.. |
حمل الْمَزاوِدَ للمزاودِ.. تَمْتَلي |
فيض العطاء الواهب المتجَددِ |
وَمَشَى.. كما تَمْشي النسائمُ حرة |
مَشْيَ الطبيعة.. في خُطى المتَعَوَّدِ |
صَوْبَ المناهِل ما تَمَهَّل ركبه |
نحو المنابع ثَرَّةً.. في الموردِ |
بَين الطيور السارحات غريبةً |
وقريبةً في ظلِّه.. لم يَبْعُدِ |
تشْتار من حُلْو القطافِ وُرُودَهُ.. |
تهفو مُغَرِّدَةً لكلِّ مُغَرِّدِ |
تَوَّاقَةَ الأسْماعِ أَرْوى غُلَّها.. |
طَيْرُ الْحِمَى بالشَّدوِ غَيْرَ مُقَلِّدِ |
نَفْحَ الشَّبابِ تَعَطَّرَتْ أردانُه |
بشذا الشباب بطيب ريّاه الندي |
عجلانَ.. زَفَّتْه الحياةُ لعيدهَا |
فرحان.. طبع وليدها بالمولدِ |
لا تُحْسَب السَّاعاتُ في أيامه |
إلا إذا حُسِبَت لِضَرْب الموْعِدِ! |
أحبابنا بالأمسِ.. في كنف الحمى |
في السَّفْح.. في الأغوار.. دون المصعدِ |
من مُتْهِمٍ سالت به أغوارُهُ.. |
أو مُنْجِدٍ سلك الشِّعابَ.. لِمنْجِدِ |
ماذا يقول مُصَفَّدٌ في حُبِّه |
لمنَعَّمٍ في الحبِّ.. غير مُصَفّدِ؟ |
تَاهَتْ عَلى شَفَتي رغم بَيانهَا |
وتعثرت في الصّدرِ بَينَ تَلَدُّدي |
مَحْمومَةً الأطْرافِ تطلب مَسْرَباً |
للنّورِ ذراتٍ.. ولمَّا تُولَدِ |
جَاءت كأنفاسِ الرَّبيعِ نَدِيّةً |
للعُشِّ مسْجوراً.. كقلبي الموصدِ |
تُدنى ليَ الأحْلامَ نائيةَ الهوى |
من سفحنا البَادي.. قريب المَشْهدِ |
ومضت كعُصفورِ الصّباح مُبَعْثِراً |
من عُشّيَ المكنونِ كُلّ مُمَهّدِ!! |
نام الشَّباب مُوَسَّداً أحلامَهُ |
وَصَحَا المَشيبُ عَلَيْهِ.. غَير مُوَسَّدِ! |