شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الأستاذ الدكتور جميل مغربي))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسائر الأنبياء والمرسلين.
أكاد أركن إلى فراسة المؤمن لأزعم بشيء كثير من اليقين أن هذا الرجل رجل أسرار يقتادني إلى ذلك أن هذا الرجل فيما عرف عنه أنه نذر نفسه على العمل في صمت وفي دأب وفي سرور بما يؤديه وفي تواضع جم يكاد يغفل فيه ذاته ولذلك أصبح رجل أسرار، لقد أكرمنا بمجيئه من المغرب ولكم أن تدركوا أن الله عز وجل أكرمه بأن تكون هذه الاثنينية هي اثنينية مولد محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام واثنينية نجاة موسى عليه السلام فصامه الرسول صلى الله عليه وسلم وصمناه معه ونأتي جميعاً على ضفاف الصيام لنحتفي بهذا الرجل الذي يحل ضيفاً كريماً بيننا، هناك محوران يتجاذبان حياة هذا الضيف أولهما يتصل بالخزانة الملكية بالرباط وقد زرتها وسعادته يتوسد سدتها وهو ربما لا يعرفني كنت ضمن وفد من طلاب الدراسات العليا في السعودية وأذكر أن ما تحتويه هذه الخزانة يغري كل باحث بالعديد من الدراسات وخصوصاً فيما يتصل بتخصصنا تستهويه دراسات الأدب الأندلسي، لن أطيل في هذا الجانب رغم أنني عنيت بالمخطوط في تلك الفترة، وكفاني مؤونة الخوض في هذا الجانب سعادة الشيخ الوجيه عبد المقصود فيما عالج به ذلك الجانب من كلمته، أعود إلى الجانب الآخر من اهتمامات الضيف ويتصل بدراساته وأبحاثه وأود أن أقف وقفة إنصاف بإزاء دراسة علم التصوف أو بدراسة التصوف وما زلت أرى أننا نحن في المشرق ولدي الشجاعة أنني أذكر أننا نظلم التصوف حين نعمد إلى وضع البيض كله في سلة واحدة. لم نقف على حقيقة التصوف بالدرجة التي تؤهل إلى إصدار الحكم، نتغاضى ونتغافل عن الدول التي قام به التصوف في نشر الإسلام في شرق آسيا وفي القارة الإفريقية نتغاضى عن الدراسات الغربية ((ماسينيون)) وغيره وغيرهم من الباحثين الذي عكفوا على دراسة التصوف، أود أن أشير فيما يتصل بالتخصص أيضاً أن المبدأ السريالي اعتمد في قيامه على فكرة التصوف، أنا مدرك تماماً أن التصوف قد يتوزع في نسبة بين المسيحية والإسلام، ولكن هنا أركز على التصوف في مفهومه الإسلامي، بعض علماء التصوف وبعض رجالات التصوف ظلمني حتى في الدراسات وما زلت أذكر نصوص الحكم منذ عشرين عاماً وذهلت لبعض المواقف التي نحتاجها اليوم والتي كان يتبناها محيي الدين بن عربي من إنصاف لأصحاب الديانات الأخرى ومن مرونة في التفكير ومن نظرة شاملة في معالجة الكثير من القضايا، لا أود أن أستفيض في هذا الجانب أيضاً وفي وسعي أن أشير إلى دراسات محمد عبد الحليم في هذا الجانب وأنا أشير أيضاً إلى كتاب كان مصادفة في يدي للدكتور نصر أبو زيد حول فلسفة التأويل عند ابن عربي، أنا يهمني في هذا الجانب بالدرجة الأولى ما كنت أذكره لزملائي وأصدقائي، مفارقة عجيبة، أجد أن شعراء التصوف من أكثر الشعراء تدفقاً في الجانب الموسيقي على الرغم من أننا نعرف أن عالم التصوف يحفل بكثير من المصطلحات وبكثير من الدلالات والرموز والتهويمات وما إلى ذلك ولعل هذا أثر حتى إلى جانب الغناء وأذكر أنني أشرت إلى أن بعض الفنانين أيضاً يعمدون إلى الاستفادة من هذا الجانب دون أن يعوا ذلك، سأذكر لكم مثالاً فناناً سعودياً كبيراً يستهل بما نعرفه في اللهجة الحجازية بالمجس وهو موال تستهل به الأغنية قبل الشروع فيها لعل فكرته تقوم على جس نبض المتلقي من خلال التصوير في المقامات لإدراك ما هو المقام الذي يوده المتلقي لبدء الغناء فيه سواء كان الرصد أو الطنجكة أو الجهاركا، الخ.. سأسمعكم هذا المجس وسأقول لكم حوله بعض الشي لتلاحظوا مدى التدفق الموسيقي في هذا الجانب. حين يقول الشاعر:
أنت في حل فزدني سقما
وافني روحي واجعل الدمع دما
وارض لي الموت بهجرك
فإن ألمت روحي فزدها ألما
روعة العاشق في ظل الهوى
وإذا استودع سراً كتما
ليس منا من شكا علته
من شكا ظلم حبيب ظلما
هذا الشعر لأمير العشاق عمر بن الفارض وهو من هو في شعر التصوف وأيضاً لم يقتصر على الجانب الموسيقي في حشو البيت كما نطلق عليه في علم العروض ولكنه أيضاً نجد لدى شعراء الصوفية التركيز على القوافي انظروا إلى القوافي التي نجدها مقيدة، حين يقول شاعرهم:
سائق الأضعان يطوي البيد طي
منعماً عرج على كثبان طي
وبذات الشيح عني إن مررت
بحي من عريب الجزع حي
هذا الشعر يكشف أن هناك جوانب موسيقية يحسن دراستها وهناك جوانب تتصل بالرؤى وجوانب تتصل بالقافية، هو مناخ خصب سأذكر أنه أثر حتى في الجانب العامي وربما أشرت إلى هذا الجانب.
شويخ من أرض مكناس موجودة في كتب بهجة المجالس وهي تتصل بأمير ابنه أصبح وزيراً ثم عزف عن ذلك، واستخدم حتى مصطلحات الصوفية العصا والغرارة وبقية الأمور التي يعرفها أهل الذوق.
أعود من ذلك الجانب لأشير إلى نظم بيرم التونسي أغنية لأم كلثوم أيضاً كان يتصور أنها عاطفية ((القلب يعشق كل جميل)) وهي أغنية أيضاً في قالب الأغنية ولكنها من الأغاني الصوفية، لا ننكر جميعاً أن الموشح في أخريات عهده بدأ يدخل في الجانب الديني وأصبح شعراً صوفياً ثم انتقل إلى بلاد الشام ليصبح شعراً صوفياً.
دراسات الطيف تحاول أن تقارب هذه المسائل في الفكر الصوفي وربما هي تبعد عن هذه الجوانب الموسيقية، وددت أن أشير إلى هذه المسائل لأننا نود أن نتعامل مع الحياة ومع الفكر بأفق رحب وبفكر منفتح وبتسامح يجعلنا نتقبل بعضنا بعضاً ونعيش في ظل الحوار وفي ظل التفاهم.
أود أن أختصر ولا أريد أن أستأثر بجوانب الأمسية كافة، وأود أن أعرج أيضاً على جانب آخر وهو أن الاثنينية تقترب من الاحتفال والاحتفاء بيوبيلها الفضي بمرور خمس وعشرين سنة على تأسيسها في الرابع والعشرين من هذا الشهر. إن شاء الله لدي فكرة أخرى ربما طرحتها في مناسبة أخرى، أتمنى أيضاً، لا أعلم إن كنتم ستشاطرونني في هذه المسألة وهي ضرورة الاحتفاء بمؤسس هذه الاثنينية عقب الاحتفاء بيوبيلها، لأن الرجل الذي كرم الكثير يحسن بنا أن نقف وقفة فيها شيء من رد الجميل وفيها شيء من الوفاء بتكريم صاحب الاثنينية، وإن كنت أكرر التماسي منكم أيضاً أن تلوذوا بالدعاء فلا زلت أكرر أنه عمود الفسطاط الذي نلتف حوله، وهو ربان هذه السفينة وهو الذي يدير دفتها ونحن في عوز إلى استمراره معنا نحس بالاطمئنان ونشعر بالراحة في وجوده بين أكنافنا وهو يقتاد هذه المسيرة ألتمس منكم الدعاء له خاصة بظهر الغيب أيضاً، أكرر احتفائي وترحيبي بهذا الضيف الكريم الذي تجشم المعاناة ولا أقول معاناة في سبيل التواصل ولكنه في الواقع أسهم في قيام هذا الجسر من التواصل وأشكر لصاحب الاثنينية تكريس هذه الفكرة فكرة التواصل وبناء جسر مع جميع أصقاع العالم العربي والإسلامي، أرحب بضيفنا الكريم باسمكم جميعاً وأتمنى أن يعرج في كلمته على الحديث عن تجربته في دراساته ومع الخزانة ولكن قبل ذلك أستميحه في منح فرصة موجزة لأخي الكريم سعادة الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي الذي يرغب في التحدث في عجالة حول الضيف الكريم. فأدعوه للحديث وشكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد المقصود خوجه: أيها الأستاذ الدكتور مغربي يبدو أن اختيارنا هذه الأمسية كمغربي يدير ويرعى أمسية مغربي آخر توافقاً بجميع عباراته التي نسعد دائماً بها أسلوباً وروعة وعطاء ومعالجة لأمر تكلم فيه وهو الصوفية، فالصوفية وما عرج عليه فيما ذكرتموه موضوع في غاية الدقة وفي غاية الحساسية ولكن أمثال الأستاذ الدكتور مغربي رجل علم وفضل يستطيع أن يتكلم وهنا أقول إن مساحة الحرية كبيرة ولكن أين الذين يستطيعون أن يجولوا ويصولوا في ميدانها. هذه الأرض وحكومتها وولي أمرها أعطتنا الكثير من مساحة الحرية ولكن مع الأسف أكثرنا لا يستطيع أن يجول في هذا الميدان فالنقص منا لأن من يريد المساحة الأكبر عليه أن يستعمل المساحة التي لديه، فإذا لديك قطعة من أرض فليس من حقك أن تطالب بقطعة أخرى إذا لم تبنِ التي لديكم لتدلل أنك في حاجة إلى قطعة أخرى، هذه من ناحية، من ناحية أخرى أحب أن أقول لكم إنني في اليوم الذي بدأت فيه هذه الاثنينية اعتبرت أن ليس لي فيها إلا المقعد الذي أقتعده ورددت على مدى الخمس والعشرين سنة التي مضت هذا القول وأنا أقوله صادقاً. الاحتفاء بي هو الاحتفاء بكم، احتفاؤكم بي حضوركم ومؤازرتكم فلولاكم لما كانت الاثنينية ولولا أمثال الضيف الكريم الذي نسعد جميعاً اليوم بتكريمه لما كانت الاثنينية، فالاثنينية لها ثوابت أولاً من تفضل علينا وأعطانا الفرصة لنكرمه ولا نكرم في الاثنينية إلا أهل الفضل الذين اقتعدوا مقعدهم بما قدموا لأمتهم وبفضلهم وعلمهم. فأنا لا أقعد شخصاً على مقعد وكلمتي إذا تلاحظون دائماً من عطاء يعني لماذا هذا الرجل يقتعد هذا المقعد، فليس لي من فضل هو صاحب الفضل. كل من اقتعد هذا المقعد سعى علمه وأدبه وفضله وعطاؤه ليقعده هذا المقعد فهذا فضله، ولولا حضوركم والتفافكم حوله والاحتفاء به لما كانت الاثنينية فأنا واحد منكم ومعكم وإليكم وما أنا إلا سبب وقد أخذت على نفسي عهداً أنني لا أستحق منذ البدء أن يكون لي أي حفل تكريم ولا أقولها سراً بأن نادي جدة الأدبي الثقافي ممثلاً في شخص رئيسه السابق تفضل عليّ وطلب مني أن يكرمني وفي حركة ما يسمى وضع الإنسان تجاه الأمر الواقع طبع بطاقة الدعوة ووزعها ولكن الله سبحانه وتعالى أكرمني بأنني حافظت على أن أقتعد مقعدي لأكون واحداً منكم تكريمي وهو تكريمكم ونحن نكرم بعضنا بعضاً بالتفافنا بعضنا مع بعض لنكرم العلم والفضل هذا هو التكريم وأما ما بقي فهو من الأبواب التي يمكن أن نأخذ ونعطي فيها محبة وإخاءً ونمحض الحب بعضنا لبعض.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2051  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 64 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.