شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد، وعلى آل بيته الكرام الطاهرين.
الأستاذات الفضليات
الأساتذة الأكارم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
إنه لمن دواعي السرور والحبور أن تستضيف ((الاثنينية)) هذه الأمسية سعادة الأستاذ الدكتور/أحمد شوقي بنبين، الذي شرفنا بالحضور من المملكة المغربية الشقيقة خصيصاً، وبقدومه تزداد أواصر التواصل صلابة، وتتوطد جسور المحبة تحت لواء التوأمة المثمرة بين ((الاثنينية)) و ((النادي الجراري)) الذي نال مباركة العاهل المغربي الملك محمد السادس.. فأهلاً وسهلاً ومرحباً به وهو يحمل قبسات من العلم والأدب والتراث والمعارف التي اختارها ميداناً للبحث والدراسة والتوثيق.
إن اقتعاد فارس هذه الأمسية مقعد الحفاوة والتكريم نتيجة طبيعية لجميل فضله وسابغ علمه، وسطوع نجمه في سماء الأدب والتراث المغربي.. فقد ترك بصمات واضحة في الخزانة الملكية الحسنية، ثاني أكبر المكتبات المغربية التي عمل بها وأدارها فترة ليست بالقصيرة.. كما أن قربه من عالم الكتب والمخطوطات جعله ينصهر في بوتقة شغف البحث والدراسة، فخصص جزءاً من وقته خائضاً غمار البحث والتنقيب بين فسيفساء المخطوطات العربية وغير العربية، وغاص في أعماق التاريخ باحثاً، منقباً، موثقاً، متذوقاً، مستمتعاً ومؤتمناً.. فكان بحق الرجل المناسب في المكان المناسب.
إن المخطوط العربي في حاجة إلى أمثال ضيفنا الكريم للحفاظ على الرصيد العربي من المخطوطات داخل أروقة الخزانة العربية، وإذا كان المخطوط الأوروبي قد خطا خطوات متقدمة، فإن المخطوط العربي الذي يعد أضخم تراث في العالم مازال في المراحل الأولى، وفي حاجة إلى مزيد من الجهد من قبل الباحثين والمهتمين.
ضيف أمسيتنا من مواليد مدينة مراكش الحمراء، موطن الفن والأدب بمختلف صنوفهما وألوانهما، المدينة التي تحتضن الأدباء والفنانين، المدينة التي سحرت أرباب الأقلام، وأصحاب الذوق الرفيع، الذين جاؤوا لزيارتها فاستقروا بها وطابت لهم بديلاً عن أوطانهم، فمنحتهم الإلهام والقوة المستوحاة من جبال الأطلس الشامخة، بطيبة مواطنيها عرباً وبربراً، وبرمزية قلاعها وحصونها، وبتواضع مساكنها التي يفوح منها عبق التاريخ.. المدينة التي احتضنت المرينيين، والموحدين والفاطميين، والأدارسة، والسعديين، والعلويين، فكيف لا تنجب مدينة كهذه أمثال فارس أمسيتنا ؟
إن المتتبع لمسيرة ضيفنا الكريم يجد أنه من أولئك النفر الكرام البررة، الذين آلوا على أنفسهم ألا يهدأ لهم بال أو تستقر بهم حال، إلا بمواصلة تلك المسيرة الطويلة من البحوث الشاقة، والتآليف المضنية التي خطّها آباؤنا وأجدادنا في زمن البدايات الصعبة، يوم كانت أدواتهم متواضعة، وإمكاناتهم المتاحة أقل من طموحاتهم الوثّابة، بل كان لحوافز وتشجيع الخلفاء والأمراء في العصر الذهبي لعلماء وأدباء تلك الفترة دافع للتميّز، والبحث عن الأصالة، وتجويد الأداء ترجمة أو نقلاً أو تأليفاً، في التفسير، والفقه، واللغة، والعلوم الطبيعية، والطب، والفلسفة، والقائمة تطول، وإن المرء ليعجب على القدرة الفائقة وقوة التحمل التي صاحبت الخطاطين الذين كانوا ينسخون بخط اليد وبأدوات تقليدية تلكم الأسفار التي ينوء بحملها أولو العزم، وتتابع عقدهم في انتظام محكم، وحرص دائب لتوثيق الموروثات الحضارية التراثية النادرة، التي تشكل مصدراً مهماً للثقافة والعلوم الإنسانية بمختلف صنوفها، ومختلف ضروبها، عبر عصور زاهية زاهرة، أفلت بغروب شمس منارة المجد التليد التي بناها الرشيد، نسأله سبحانه وتعالى أن يقيل عثرتها، وأن يعيد إليها بهاءها ورونقها وسالف عصرها الماسي، بعد أن يغير القوم ما بأنفسهم حتى يغير الله ما بهم.
وفي هذا الإطار يسرني أن أعلن أن الله سبحانه وتعالى أكرم اثنينيتكم بمجموعة من المخطوطات التي تراوح أعمارها ما بين مائة وستين سنة وستمائة وثلاثين سنة ، ورثت الشطر الأكبر منها عن أجدادي والآخر حرصت على اقتنائه، منها كتاب ((محض الوفا في فضائل المصطفى صلى الله عليه وسلم)) الذي يعود تاريخه إلى عام 634 هجرية، أي ما يقرب من ثمانمائة سنة، فقد وجدت في جمع تلك المخطوطات الحضن الدافئ الذي يبعث الطمأنينة في النفس، فتزهو معتزة زاهية بما خلفه لنا السلف الصالح، الذين تخطوا عقبات الطبع والنشر الكأداء، حتى وصلت إلينا تلك الروائع التي تشكل كنزا تراثياً يعلو هامة الأمة جمعاء، لذا رأيت بدافع وطني، أن أقدمها وعددها ستة عشر مخطوطاً هدية متواضعة عبر خطاب شرفت بتوجيهه إلى معالي الدكتور عبد الله بن صالح العبيد، وزير التربية والتعليم، لتأخذ مكانها اللائق في متحف الزاهر بمكة المكرمة، منتقلة بذلك من الملكية الفردية إلى المظلة المؤسساتية صوناً لها وتيسيراً لتمكين المختصين والمهتمين والباحثين من الاطلاع عليها.
أحسب أن إدارة ضيفنا الكريم للخزانة الملكية الحسنية مدة ثلاث وثلاثين سنة حتى الآن أمر لا بد من الوقوف عنده، لأنه يحمل دلالات كثيرة ومتنوعة، منها أنه حظي باستحسان ولاة الأمر، فأهلته كفاءته العلمية والعملية للتقدم من إدارة الوثائق الملكية في القصر الملكي، ليكون أميناً وحافظاً لتراث أمة وآمال جيل، وحافظاً لأسرار دولة في هيبة تاريخ وتراث المملكة المغربية، وما يتضمنه من مجالات الإبداع في الفكر والفن والأدب وعلوم الدين واللغة والطب والفلك والحساب والملاحة وغيرها من أصناف العلوم، مما يشكل حضوراً ثقافياً كبيراً ورمزاً في مضمار العطاء الفكري الإنساني.
كما قامت على يديه اللبنات الأولى لهذا الصرح الكبير الذي يضم مجموعات خطية زخرت بها خزائن الملوك، ومكتبات المساجد التي كان دورها يتجاوز العبادات إلى مرافئ العلم وتأصيل الثقافة والأدب والفكر، وقد أسهم بنصيب وافر في المحافظة عليها ومعالتجها بأسس علمية وفنية وتقنيات متطورة لمقاومة العوامل الطبيعية والفيزيائية التي تعبث بها، والعمل على ترميمها ومعالجتها بصورة تحفظ لها بقاءها ونقاءها على مر السنين، ومن ثم فهرستها وتبويبها وترقيمها، فلا يعرف الشوق إلا من يكابده.
ولا أنسى في هذا السياق والسباق مع الزمن أن أثني على دوره الأكاديمي في حقول التدريس الجامعي، والإشراف على كثير من طروحات الماجستير والدكتوراه، كما أسهم مشكوراً في إثراء المكتبة العربية بعدد كبير من المؤلفات التي لا يمكن الوقوف عليها تفصيلاً في هذه العجالة، غير أنني سعدت كثيراً بمطالعة كتابه القيم "دراسات في علم المخطوطات والبحث الببليوغرافي" الذي يشكل مرجعاً لا غنى عنه لكل دارس وباحث في علم المخطوطات، كما يرسم منهجاً محدداً لطلاب المرحلة الجامعية والدراسات العليا للتعامل مع المخطوط بما يحقق الهدف من تتبع هذا العلم المهم، ودمجه في الحياة اليومية، والإفادة منه كمصدر علمي تاريخي ووثائقي يعتز به.
مرة أخرى أرحب بضيفنا الكريم متمنياً لكم سويعات ماتعة في صحبته الماجدة، وأحيل لاقط الصوت إلى سعادة الأخ الدكتور جميل مغربي، أستاذ الدراسات العليا في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، ليرعى بسابغ علمه وفضله هذه الأمسية، على أمل أن نلتقي الأسبوع القادم للاحتفاء بسعادة الدكتور هاشم عبده هاشم، رئيس تحرير جريدة ((عكاظ)) السابق، وعضو مجلس الشورى السابق، والأكاديمي في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، الذي سلخ سبعاً وعشرين سنة من عمره المديد بإذن الله في بلاط صاحبة الجلالة ببلادنا الحبيبة، ليلتقط أنفاسه استعداداً لصهوة جواد آخر، فأهلاً وسهلاً بكم لنلتف حوله ونقدم كلمة شكر كفاء ما قدم لوطنه ومجتمعه.
وإلى لقاء يتجدد وأنتم بخير وعلى خير.
والسلام عليكم ورحمة الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :916  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 63 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.