شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ الشاعر يحيى السماوي ))
ثم تحدث الأستاذ يحيى السماوي، وهو أحد زملاء الضيف الكريم ومن بلده العراق فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم أيها الأحبة..
 
- ما كان لي أن أكتب شيئاً أو أن أقول شيئاً، لولا أني قد وجدت أن لي رغبة في البكاء أمامكم، ليس لأنني قد أضعت وطناً وعائلة، وليس لأنني مشروع جاهز للاستشهاد، فاعذروني أيها الطيبون أن أقول شيئاً بحق صديقي.. لم أهيئ نفسي لشي، ولقد كتبت شيئا على عجالة.
 
- إذا كان العراق بستان شعر.. فصديقي الدكتور زاهد شجرة مثقلة بالخضرة والفيء والقصيد في هذا البستان، ولكن يا أحبة لم يعد العراق بستان شعر، العراق اليوم بستان مشانق، ولأن "زاهد" أخلص للشعر.. فقد كان عليه أن يدفع الضريبة: النقاء ممنوع في العراق، لا حق لنا إلاَّ أن نحزن في وطن لم نكن نميز فيه البرتقالة عن القنبلة، في وطن يمتد جرحاً في خارطة التاريخ لا نُميز فيه فاكهة الموز من أصابع الديناميت، وكان على زاهد أن يستعذب من أجل الشعر أقصى الضربات.
 
- فالشعر أيها الطيبون.. الشعر هو المرض الَّذي يمنحنا الصحو والعافية! ولأن زاهد أتقن فن المحبة، فقد ارتضى أن يحمل خيمته ويطوف في البلدان بحثاً عن حفنة أمتار مربعة.. ونحن في الداخل، فأقسم لكم بالله لقد نمنا في السجون أكثر مما نمنا مع زوجاتنا وأطفالنا؛ هذا الفتى الواقف بينكم الآن عرفته شاعراً في العراق، أتقن فن الحب للنخل وللرغيف وللمحبة والإنسان، وكان عليه أن يشقى لأنه عاش نقياً في زمن أصبح فيه النقاء في وطن يُدعى العراق ممنوعاً كالعملة المزورة.
 
- صديقي "زاهد" نقيُّ كثوب الصلاة، وديع وأليف، لكنه مشاكس يا أحبة؛ كل شاعر هو قلب صغير كبرتقالة، لكنه متسع حتى أنه بمستطاعه أن يستوعب العالم كله، ولن ينسى أن يتوشح بالحكمة والمعرفة، وكان متاعه بين الوطن المقتول والقلق القاتل، الشعر.. في وطن كان يدعى العراق، هذا السجين الوحيد الَّذي لا توجد له إضبارة في ملفات الشرطة السرية، ولم تلتقط له مخابرات صدام صوراً أمامية أو جانبية، ولم تؤخذ للوطن بصمات الأصابع مثلما اقتصوا أصابعنا نحن.. ليطبعوا بها في الملفات.
- نحن الَّذين عرفت الشرطة والهراوات خرائط أجسادنا.. أكثر مما عرفوا عن دهاليزهم السِّرية، فليس غريباً إذن أن يولد صديقي الشاعر ثائراً ما دام قد وُلد في مدينة الحي - عاصمة العراق أيام الحجاج بن يوسف الثقفي، الَّذي أراد حصاد الرؤوس في زمن لا تُحصد فيه السنابل.. فلم يحصدها، ولقد جاء صدام.. جاء صدام ليحصد تلك الرؤوس؛ أنا من وطن حرثته القنابل، ولأن "زاهد" لم يعرف غير المحبة.. فلم يكن غير واحة شعر؛ وتكريم الشيخ عبد المقصود خوجه له يأتي تكريماً لكل عراقي شريف، فأستميحكم - ساداتي - أن أنحني بهدوء - لكم جميعاً - لهذا الألق النبيل، ولكن أسألكم: لماذا ضاع وطني.
صار العراق عراق الخير مقبرة
للطيبين وجنات لمن أثموا
على المنابر جُهَّال بلا لغة
وفي المساجد من عاثوا ومن أثموا
يـا ضيعة المجـد يـا هارون قـد ثكلـت
بغداد بعدك واستشرى بها السأم
بغداد لما تزل عذراء عاشقة
أما بنوك فيا هارون قد هرموا
تناسل السُّل والزهريُّ في دمها
كأنها امرأة في رحمها عُقم
أنا من الشعب فرد لا حقوق له
ضاعت حقوقي لما ضاعت القيم
دمُ الشهيد على أعناقنا خَضِل
لكنت أندبُ لـو فـي الحكـم "معتصم"
 
- اعذروني أيها الأحبة، قبلاتي لكم جميعاً، وأشكر باسم كل الأطفال الَّذين دفنتهم سلطات الدبابات؛ باسم كل السجناء في الأقبية السرية.. في وطن كان يدعى العراق، وأشكر الشيخ عبد المقصود لتكريمه صديقي الدكتور زاهد، حيث لا يمكن أن يقدمه هذا الصعلوك المدعو يحيى السماوي غير دموعه.. هدية لكم؛ فاعذروني أيها الأحبة وشكراً.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :857  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 21 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج