شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ هاني فيروزي))
الحمد لله رب العالمين.. الواحد الأحد.. الفرد الصمد.. الأول.. والآخر.. الظاهر والباطن الكريم الحنان.. الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش استواء يليق بعظمته سبحانه.. وأول ما خلق من الأرض أرض مكة ـ وجعل نواتها موقع البيت الحرام ثم بعد ذلك دحاها.. وألهمها فجورها وتقواها.. فسماها الله واختصها لنفسه مكة ـ وجعل من أسمائها أم القرى.. والمسجد الحرام.. والبيت العتيق.. ميعاد..
والحمد لله الذي لا تعد نعمه ولا تحصى.. ومن نعمه العظيمة أن أمنّ علينا بالإسلام وجعلنا من أمة حبيبه الذي اصطفاه واجتباه وأعلا منزلته دون سواه فأمر سبحانه وتعالى أن يكتب اسمه الذي سماه الله به محمد على العرش قبل خلق الخلق والسموات والأرض.
والحمد لله.. أن جعلنا من أهل بيته وسكان حرمه.. اختياراً واصطفاءً يُنعم به الله على من يشاء من عباده سبحانه.. وهو الكريم المتفضل المنّان.
والصلاة والسلام الأتمين.. على الرحمة المهداة.. على من قربه ربه وأدناه فكان قاب قوسين أو أدنى.. فغمته الهيبة الربانية وغشيته الأنوار الإلهية فما كذب الفؤاد ما رأى..
والصلاة والسلام على من وصفه الله سبحانه وتعالى بأنه رؤوف رحيم وأنه لعلى خلق عظيم.. امتثالاً لأمر أمرنا الله به وبدأ بنفسه وثنى بملائكته في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (الأحزاب: 56) وهي خاصة بحبيبه وصفوته ولم تكن لغيره من خلقه في آية صريحة بالقرآن الكريم وجعل سبحانه وتعالى النداء للذين آمنوا فصلاة عليه من الإيمان صلى الله عليه وسلم .. فاللَّهم صلِّ على عبدك وحبيبك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه.. ونسلِّم عليه كما سلَّم الله عليه عزّ وجلّ وما نردده في صلاتنا في التحيات بقوله سبحانه: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. سلام جعل لنا الحبيب منها نصيب في دعائه صلى الله عليه وسلم ـ السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.. فاللَّهم اجعلنا بفضل جودك منهم..
أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة.. أيها الأحبة..
من جمعتهم المحبة في اثنينية المحبة والعلم والوفاء.. وهي.. ليلة عكاظية.. كما أطلق معالي الأستاذ الدكتور محمد عبده يماني. تسمية عكاظ على هذا المنتدى.. وإني أميل أن هذه الأمسيات التي تمثل ليلةً من ليالي عكاظ..
وإني لا أعلم أن الشيخ الوجيه عبد المقصود خوجه ـ يسعى ويرجو عدم الثناء عليه لأنه يرى أن ما يقوم به هو من أداء الواجب نحو وطنه وأمته.. ونزولاً عند رغبته أتجنب المديح والإطراء.. الذي مهما قيل فيه فلن يوفيه حقه.. ولكن اسألوا الله معي أن يجعل ذلك في ميزان حسناته.. وأن يجعله في مرضاة الله تعالى ليكون له نوراً يضيء دروبه في دنياه وآخرته.. وأن لا يقطع عمله هذا وبرّه وأن يجعل برّه في خلقه.. لتكن ذرية طيبة بعضها من بعض. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أيها الأحبة..
في هذه الليلة المباركة.. المضاءة دائماً بنورين.. نور علم الله الدائم.. ونور يوم مبارك من أيام الله المباركة.. الذي اختاره الله ليكون فيه مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم.. كما جعل الله يوم الجمعة يوماً مباركاً لخلق آدم عليه السلام.. كما جعل الله يوم الخميس يوماً مباركاً.. يسر فيه صلى الله عليه وسلم عند عرض أعمال أمته عليه فما كان منها خيراً حمد الله ـ وما كان غير ذلك استغفر لهم الله.. فكيف إذا كان في هذه الليلة نور ثالث من أنوار رحمة الله.. عند الحديث عن بلد اصطفاها الله لنفسه وحرمها.. وأمنها وجعل أبواب الجنة متجهة إليها.. وجعل فيها من الجنة شيئاً كثيراً.. بل وخصَّها ببيته.. وبمنّه رحمة بعباده.
ما عساني مضيفاً في الحديث عنها والمتحدثون الليلة أعلام من أعلامها.. أدباً وعلماً.. ومكانةً.. فالشيخ العميد الأستاذ المؤرخ غيث بن عاتق البلادي من أفادنا وعلمنا بما كتب وألّف عن مكة المكرمة.. وما بذله في سبيل ذلك وجاهد واجتهد.. وأصبح من جاء بعده يستقي من علمه وفضله، أما معالي الأستاذ الدكتور سهيل بن حسن قاضي الأخ والصديق والزميل والرئيس: فقد تشرفت بأخوته وزمالته وأعتز برئاسته وإدارته ـ ولا أزكيه على الله فهو رجل مفضال اجتهد وجاهد في سبيل النهوض بجامعة أم القرى لتكون في مصاف الجامعات الكبرى لتكون في مستوى شرف المسمّى الذي تحمله.. حريصاً دؤوباً جريئاً.. عنيداً في الحق. نهض بمركز أبحاث الحج ليجعله معهداً ووفر له كل ما استطاع.. ونهض بمركز البحوث العلمية. ونهض بمركز خدمة المجتمع ليكون كليةً قادرةً على تحقيق الأهداف المطلوبة منها.. كثيرة إنجازاته.
إذاً وبين هذين العلمين: أستسمحكم في الوقوف معاً عند بعض النقاط التي أعتقد أن علينا مراجعتها أو بعضها.
النقطة الأولى ـ ما يتعلق بمكة المكرمة عاصمة الثقافة:
وسوف أمر بها مروراً.. هي في اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية وما قرأت وما سمعت حول هذا الموضوع.. ولعلّكم إذا ما اختيرت أي عاصمة إسلامية قبل مكة المكرمة لبدء تفعيل ما هدفت إليه منظمة المؤتمر الإسلامي باستنهاض الشعوب الإسلامية من قاعدتها الثقافية ـ وهو ما اتفق عليه وزراء خارجية الدول الإسلامية لكان غضبنا أشد.. وأصواتنا أعلا.. ويكون لنا الحق.. خصوصاً إذا ما علمنا أن العام القادم سوف يكون الاحتفال مناصفة بين طهران وحلب على ما أظن.
لكن المسؤولين في المنظمة رأوا أن تكون البداية من المكان البدء.. والبعثة البدء. فالشكر لهم على هذا ونقدر لهم اعترافهم بالحق. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو هل قمنا نحن بمسؤوليتنا وأدَّينا الدور المطلوب منا كما يجب؟..
هل كل جهة أعدت برامجها القادرة على استقطاب الشعوب الإسلامية للحضور والمشاركة وفق ضوابط تمكّن رجال الأعمال من الاستعداد وتوفير الخدمات للأعداد المطلوبة؟
هل تمكّن أعلامنا بكل وسائله متابعة الفعاليات التي تمَّت رغم تواضعها وتفرُّقها؟.. وهل استطاعت هذه الوسائل أن تؤثر في مجتمعها للتواصل معها ناهيك بتأثيرها على المستوى العربي فقط وليس الإسلامي؟
ما هي الأدوار التفعيلية لمؤسسات الثقافة والأدبية التي أدتها حتى في الإطار التي كبلت به وهو نشاط المطبوعات والنشر والنشاط المنبري؟.. وبكل أسف كانت بعض المؤسسات تبحث عن جلوس لتعبئة الكراسي لإرضاء الضيف المحاضر؟ وبقيت عناوين المشاركات خاضعة لخيارات خاصة وخصوصيات وعلاقات؟.. وهل الثقافة المكية هي كتب ومجلات ومحاضرات؟.. أين بقية عناصر الموروث الثقافي؟..
وإني لأتمنى على معالي الأستاذ السيد إياد أمين مدني وزير الثقافة والإعلام أن يتبنى نشاطاً مماثلاً لما أنجزه على مدى ثلاث سنوات في الاحتفالات بمكة عاصمة الثقافة حين كان وزيراً للحج.. واستفاد من ضيوف الوزراء وخصوصاً أن من أسند إليه تلك المهمة الأستاذ الدكتور أبو بكر باقادر أحد مستشاري معاليه؟ لنتدارك ما يمكن تداركه.. وهناك علامات استفهام كثيرة تصل منصبه.. حتى تجد أجوبتها إن وجدت.
النقطة الثانية ـ وهي خاصة بمصادرنا التاريخية والثقافية:
إن معظم الباحثين والدارسين يدركون تماماً أن كثيراً من مصادرنا تحتاج إلى دراسة وغربلة.. ونقد لما أدخل عليها من الافتراءات.. المقصودة وغير المقصودة والتي استهدفت تضليل المسلمين.. ونقلها علماؤنا الأجلاء بحسن نيّة وبأمانة العَالِم الناقل كما هي.. وتناقل الأوائل بعضهم من بعض ولعلّ بعضهم كان ينقل بالأبواب دون الإشارة إلى مصدرها.. وفي هذا كثير.. ولكن ما كنت أتمناه على مشايخنا وأساتذتنا.. أن يكونوا أكثر حرصاً في نقلهم وأن يُعملوا العقل فيما استهدف من نقل.. خصوصاً أن لهم مكانة وتقدير.. ومثال على ذلك..
تحدث كثير من المصادر وهي كثيرة ومتعددة.. عن خلق الكون وخلق آدم عليه السلام.. وفيها كثير من القصص المختلفة عما جاء في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.. وعن حياة آدم عليه السلام على الأرض وذريته وأبنائه.. ونحن نعلَم أن طوفان نوح عليه السلام قد عمّ الأرض ولم ينجُ ممن على ظهرها إلا نوحاً وبعض أبنائه.. وممن آمن معه.. فمن أين جاؤوا بتلك الأحداث.. وليس هناك ما يثبت أو يؤكد.. وإنما هي روايات، وما آفة الأخبار إلا رواتها.. وكثير أيضاً من تلك من يرجعها إلى ما بعد نوح عليه السلام والطوفان.. ويثبت عليه نظرية تقسيم العالم إلى أقسام ثلاثة جعلوا أنسابهم إلى أبناء نوح عليه السلام. من أعلمهم بذلك؟ والسؤال الثاني.. أين ذرية ممن كانوا مع نوح من المؤمنين؟ وإلى من تُنسب الشعوب التي لا تنطبق عليها معايير الأصول الثلاثة؟.. وفي نفس السياق نجد إشكالية رغم وضوحها وحقيقها بما نصَّت عليه الآيات القرآنية.. والخاصة بالذبيح إسماعيل عليه السلام ـ والتي آثارها قائمة تتجدد ذكراها كل موسم الحج.. وهو النبي الأواب أسلم مصدقاً بما رواه إبراهيم عليه السلام حتى إذا تله للجين افتداه الكبش وإن لحقه ما لحق غيره من الآثار.. ومع هذا ذكرت بعض مصادرنا التاريخية رواية من الروايات أن الذبيح إسحاق عليه السلام. ونقلها عنها بعض مشايخنا الأعلام في مؤلفه المرجع ـ وكان الأولى أن لا تذكر.. وأن ندرك ما وراء مثل تلك الروايات الخبيثة التي استهدفت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والتشكيك في رسالته.. وعلامات نبوءته وهي الواضحة لديهم في كتبهم ومصادرهم..
ومما يؤسف له أن بعضاً من روّادنا الذين كان لهم دور إعادة كتابة التاريخ أنهم ساروا على منهج تلك المدارس..
لقد حظيت كل العواصم والحواضر الإسلامية على امتداد الدول المتعاقبة بتسجيل وتوثيق تاريخها وحضارتها وعلومها وعلمائها إلا مكة المكرمة.. فلم تجد العناية الكافية لتوثيق تاريخها بشكل كامل.. ولا أنكر الجهود العظيمة التي قام بها علماء مكة المكرمة وعدد من علماء المسلمين في تدوين بعض تاريخ مكة المكرمة.. على مراحل زمنية متباعدة.. ومنها ما كان لإرضاء الحكّام.. وهي مراجع للمتخصصين ومن تلك المراجع التي قصدت أخبار مكة لأبي الوليد الأزرقي.
والذي نُشر في عدة طبعات منها طبعة من تحقيق الأديب المؤرخ محمد سعيد عبد المقصود في عام 1352هـ ولم أطلع على هذه الطبعة وهناك أكثر من ثلاث طبعات محققة منها ما نشره الأديب الأستاذ صالح جمال تحقيق الأستاذ رشدي ملحس. في (6) طبعات وأخرى من تحقيق معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ـ وطبعة أخرى غير محققة طبعت بحروف مغربية في مطابع المدرسة المحروسة في (مدينة غنتغه) في ربيع الأول سنة 1375هـ ـ لكن هذه الطبعة التي جاءت في ثلاثة مجلدات لم تكن كلها لأبي الوليد الأزرقي. فقد انتهى المجلد الأول بالصفحة 502. وفيه اختلاف واضح وبينه وما هو بين أيدينا من نسخته المحققة ـ أما الجزء الثاني فقد تضمَّن (منتخبات) من كتاب المنتقى للإمام الفاكهي.. والذي طبعته جامعة أم القرى محققاً على نفقة الشريف منصور أبو رياش. وتضمَّن المجلد الثاني أيضاً منتخبات من كتاب شفاء الغرام للشيخ القاضي تقي الدين الفاسي وأيضاً منتخبات من كتاب الجامع اللطيف للشيخ الإمام العلاَّمة محمد بن أمين بن طُهيره. وهو غير محقق. وفي بعض هذه المنتخبات اختلاف عما وجدته من النسخة المطبوعة من كتاب الجامع في طبعته الأولى سنة 1340هـ ـ 1921م. والتي طبعت بمطبعة دار إحياء الكتب العربية بمصر.
وجاء به صحيح اسم المؤلف العلم كما يلي: جمال الدين محمد جار الله محمد نور الدين بن أبي بكر بن علي بن ظَهيره القرشي المخزومي. وهي عندي وطبعة أخرى جديدة من تحقيق الدكتور علي عمر نشرته مكتبة الثقافة الدينية في بور سعيد، أما المجلد الثالث فجاء فيه كتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام للشيخ العلاّمة قطب الدين النهروالي الحنفي المتوفى سنة 988هـ والمعروف بتاريخ القطبي. وقام الشيخ عبد الفتاح فدا صاحب المكتبة العلمية في مكة بطباعته وكَتب مقدمة الكتاب علاَّمة المسجد الحرام بعد إجازته من المحدث الشيخ عمر حمدان 1368هـ والشيخ محمد عبد الباقي الأنصاري 1364هـ وشرحه وعلّق عليه ووضع صوره الشيخ المؤرخ خطاط مصحف مكة المشرفة محمد طاهر بن عبد القادر كردي ـ الخطاط.. وكان ذلك سنة 1370هـ وهي الطبعة الثانية.
وفي هذه الطبعات المختلفة جاء الاختلاف في متن النص وأصله، وليس في حواشيه وتحقيقاته وأربكت الكثير من القرّاء.. بل وجعل كلاً منهم يتعصّب لما قرأ.. كما نجد أن بعض الباحثين نقلوا الكثير من روايات تلك المصادر على أنها روايات ومعلومات وأخبار مسلَّم بها.. ولم يحاول الرجوع فيما ورد فيها إلى كثير من مصدر أو مرجع أو يخضعها للنقد والتحليل والمقارنة والترجيح وهو المنهج المطلوب من كل باحث يعرف رسالته ويدرك مسئوليته.. والأمثلة في هذا كثير.. ولكن ليس لها مجال في هذا المقام.
النقطة الثالثة ـ والأخيرة عن مشروع تعظيم البلد الحرام:
لقد تزامن مع هذه الاحتفالية.. نشاط آخر يصب في نهاية الأمر في الاحتفاء (بمكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية) وهو مشروع تبنّاه وخطط له وأخذ ينفذه فرع جمعية مراكز الأحياء في مكة المكرمة ـ تحت عنوان (مشروع تعظيم البلد الحرام) وهو مشروع جميل وطيب ذو أهداف نبيلة ولعلّ المراكز بمجمل نشاطاتها ومنها هذا المشروع العظيم إنما تمثّل محاولة جادة في إعادة القيم والأخلاقيات التي كانت متأصلة في الحارات والأحياء والتي اختفت بتفرُّق البيوت والعائلات نتيجة التطور المدني.. والتوسع العمراني فابتعدت العائلات المتراحمة.. لابتعاد القلوب.. وانشغال الناس عن تعليم وتدريب أبنائهم.. ولم يعد البيت (الكبير) موحداً والذي كان فيه الجد أو كبير العائلة يمثل المدرسة الأولى والقدوة الحسنة والرقيب العطوف.. فقد الأبناء الكثير لأنهم وفي ظل هذه الظروف فقدوا المربي والمعلم في مراحلهم الدراسية ـ فقد حلّ محلّهما.. ((المدرس)) الذي انحصرت مهمته في نقل ما كدس في الكتب ذات الأحجام الكبيرة المفرغة من مضامينها إلى الكراس. الذي أصبح هو الآخر يشكّل عبئاً جديداً على ميزانية الأسرة المتوسطة التي يتطلع أبناؤها إلى كراريس ذات تجليد فاخر وألوان باهرة.. ولا يرسخ في الأهداف المنقولة إليها وهي أذهان التلاميذ شيء مما فهم المدرس أو لم يفهم دوره في نقل تلك الكتب إلى الكراس ولا يعينه الرأس.. المهم تحقيق العلامات..
في ظل هذه المعطيات كيف يمكننا بعد أن فقدنا الكثير من ترسيخ قيم تعظيم البلد الحرام في أذهان النشء أو الشباب.. كيف وقد انقطعت حلقات التدريس في المسجد الحرام.. التي كانت مقصد الآباء مع أبنائهم الذين كانوا مثل النحل يتنقلون من روض نضر إلى آخر ولكل زهوره وأريجه.. أما اليوم فلم نعد نسمع وعلى مدار العام غير أحكام الحيض والنفساء والاغتسال من الجنابة وكفارة من أتى أهله في نهار رمضان.. وكأن لم يعد يعنينا في هذه الدنيا من أمور ديننا إلا هذه.. حتى فقد المسجد الحرام دوره التشريعي في البلاد الإسلامية التي كانت لا تقضي أمراً إلا بعد الرجوع إلى علماء المسجد الحرام..
وإلى جانب ذلك توقفنا عن تدريس السيرة النبوية العطرة. التي كانت ترقق القلوب وتصفّي النفوس وتسمو بالأرواح.. وتجعلها نسيجاً في ملكوت الله متأملة طائعة..
وفي مكة المكرمة كان يقف بعض مشايخنا على ما كان موجوداً من آثار النبوَّة الشريفة ومن المعالم الإسلامية العظيمة.. وكل شيخ يلقِّن طلبته وتلاميذه تلك السيرة بمشاهدة المكان وتلمُّس الموقع.. فيسر الطلاب والتلاميذ بعظم رسالة الإسلام.. ويحمد الله الذي هدانا إلى الحق واليقين..
كيف يمكن أن ترسخ القيم والأخلاقيات في تعظيم البلد الحرام. وقد تغيّر الخطاب الديني.. وأصبح خطباء بعض المساجد.. وبعض أصحاب الدروس وكثيراً من طلبة العلم ليس عندهم سوى تحريم كل شيء والشك في عقائد الناس.. والتفكير.. رغم كل الجهود التي تبذلها الدولة.. كما نجد البعض بكل أسف ماضيٍاً في غيِّه.. بل إن البعض يرمي المكيّين بالبدع وكثير من أعمال الشرك.
كيف يمكن استعادة مكانة المكيين.. وما زال هناك من يُجهلهم علانية وعلى المنابر.. وفي مناسبات ثقافية رسمية.. ومما يؤسف له أن بعضهم من أساتذة الجامعات ومنهم إلى جانب ذلك أئمة في المساجد.. ونسوا أو أنهم لم يقرؤوا فضل أهل مكة المكرمة بعامتهم.. وإن عامتهم كانوا فقهاء في أمورهم الدينية قبل أن تلغى دروس المسجد الحرام المتنوعة على مذاهبها الأربعة.. ولعلمائها الأفاضل من فضل تعليم الناس. وخصوصاً عامتهم.. ولم يستفيدوا مما روي عن موقف أحد أبناء مكة المكرمة الذين يشتغلون بخدمة الحُجاج وموقفه من عطاء بن رباح.. إمام علماء مكة في عصره.
الخاتمة:
لا أود التوسع في هذه النقاط.. فالاحتفاء بمكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية ومشروع تعظيم البلد الحرام.. وغيرها.. تسعدنا جميعاً ونأمل استمراريتها في مضمونها وعطائها لا في شكلها وأعلامها فقط.. لأن مكة المشرفة عاصمة أبدية للثقافة.. وإن تعظيم البلد الحرام حتمية دينية ولا اختلاف عليها ولا يستطيع أحد التشكيك فيه.. ولكن ما هو مطلوب منا جميعاً أن نسعى بكل جهودنا.. أن تعود إلى مكة المكرمة عناصرها وقِيَمها وأبنائها العلماء ودروسهم في المسجد الحرام وفي المساجد.. وأن نحافظ على ما تبقَّى من آثار النبوّة وفجر الدعوة الإسلامية.. نتطلع إلى تحويل مشاعرنا وتمنياتنا إلى تصرفات عملية إيجابية.. ولنتحمل مسؤولياتنا المنوطة بنا من شرف الأهل والجار.
وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلَّم.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :663  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 46 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.