شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الدكتور عاتق بن غيث البلادي))
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وصحبه ومن اهتدى بهديه واقتدى بفعله،
أيها السادة والسيدات بلا تخصيص
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مكة عاصمة الثقافة الإسلامية هكذا جاء العنوان ليست هذه السنة مكة عاصمة الثقافة الاسلامية منذ أن نزلت سورة إقرأ على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في غار حراء، هذا لا يجادل فيه أحد قال بعض المجتهدين ولكننا هنا نذكر ونؤكد وهذا لا بأس به، مكة المكرمة ذكرت لكم فيها سطوراً مركزة أسأل الله أن تنفعكم ولا تطيل عليكم الحديث خلق الله مكة المكرمة قبل أن يخلق السموات والأرض وأجمع علماء المسلمين أنها كانت غثاء على الماء ثم خلق الله من هذا الغثاء موضع الكعبة ثم دحى الدنيا من تحتها من أقصى المشارق إلى أقصى المغارب وكلها نسل لهذا المكان الطاهر المقدس فهي أم الدنيا، وسماها الله سبحانه وتعالى أم القرى ولا تناقض في ذلك وهي سيدة وأقدس مكان في هذا الكون، عندما خلق الله السموات والأرض قيل في تاريخ مكة متواتراً أخذ الملائكة يطوفون بالعرش، فأمر ببناء بيت سماه الضراح وقال للملائكة طوفوا بهذا ودعوا العرش، طاف الملائكة بالضراح فانتدب منهم ملائكة إلى الأرض ليعمروها قبل أن يهبط إليها سيدنا آدم عليه السلام، فقال لهم ابنوا لي بيتاً في الأرض على غرار هذا البيت فبنت الملائكة الكعبة، عندما خلق الله سيدنا آدم أنزله إلى الأرض فتلقته الملائكة وهو حاج قالوا طاب حجك يا آدم، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألف سنة، قال ماذا كنتم تقولون قالوا كنا نقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وقال ((زيدوا عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله))، ثم جاء بعد سيدنا آدم عليه السلام نبي الله شيت وبنى الكعبة البناء الثاني، وبعده بناها إبراهيم بأمر من الله وقال له أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وأمر إبراهيم أن يحدد الحرم وحدد الحدود المعروفة هذه ورثتها قريش عندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى قريش أن ابقوا على حدودكم فإنكم على إرث من إبراهيم، وهذا المكان الذي حدده سيدنا إبراهيم عليه السلام بأمر من الله، محرم القتال فيه وقطع شجره والتقاط اللقطة، ثم جاء العمالقة وجددوا بناء البيت ثم جددته جُرهم ثم قصيّ الجد الخامس للرسول صلى الله عليه وسلم ثم جدده عبد المطلب، وإن كنت أرى بين قصي وعبد المطلب وقريش مسافات بسيطة، وهكذا أجمع مؤرخو مكة على هذا الكلام، ثم بنته قريش بناء كان الرسول صلى الله عليه وسلم موجوداً فيه قبل أن يرسل، ثم بناه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، فاحترق البيت في عهده قيل من فعل بني أمية وقيل لأمور سياسية ندعها جانباً، احترق البيت فبناه ابن الزبير معتمداً على حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها إن هذا الحجر هو من الكعبة، وبعضها توصيات أن هذا البيت كذا وكذا وأخذ هذه التوصيات وبنى البيت وضم فيه الحجر وفتح له باباً من الجهة الغربية وعندما قتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبدالملك بن مروان أن ابن الزبير فعل كذا وكذا، فقال له اهدم ما زاد ابن الزبير في الحجر وأغلق الباب الخلفي ويسمّى الباب المسدود، وكثير منكم من رآه تحت الستارة، وكان هذا الملحق بالجدار الشامي لأنه هدم وألحق إلحاقاً كان يبدو فيه الصدع من زمن إلى آخر حتى جاء القرن الحادي عشر فجاء السيل وانهدم البيت وبناه السلطان مراد سنة 1040 هـ، هذا تاريخ لبناء البيت على مر العصور وأعتقد أنه من الأمور المهمة.
ونعود إلى شيء اختص الله به مكة المكرمة من الفضائل فهو فضلها على بقاع الدنيا وجعلها بيته المحجوج، لا يحج إلى بيته سواه أبدأً بالنسبة للمسلمين، فجعل فيها مطافاً يطوف به الناس تقرباً لله وعبادة ولا يوجد في غيره مطاف يطوف به المسلمون، وجعل لها حجراً يقبَّل لا يقبَّل سواه للعبادة وقال عمر رضي الله عنه والله لولا أنني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبّلتك..فقال الإمام علي رضي الله عنه له لا تقل هذا يا عمر إن هذا الحجر يأتي يوم القيامة يشهد لمن قبَّله بهذا الفعل، ثم من آيات مكة المكرمة وما حول الكعبة مقام إبراهيم عليه السلام آية من آيات الله لأنه كان يرتفع على طول هذا البناء وإبراهيم يبني عليه وإذا نزل عليه انخفض ورجع، ولما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء الكعبة قال الله سبحانه وتعالى وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (الحج: 27) قال يا رب وما يبلغ ندائي، قال أذن وعلي البلاغ فصعد على المقام فارتفع به على جبال مكة المكرمة وقال أيها الناس إن الله يأمركم بالحج فحجوا فما بقي إنسان في الآفاق إلا وسمع هذا الكلام، فجاؤوا حاجين كما ترون الآن ويقدر بعض الناس أن عددهم في يوم من الأيام، لا نعلم سيكون عشرة ملايين حاج..
وفي مكة المكرمة من الأماكن الفضيلة زمزم وجوده طبيعي ولكن مادته آية من آيات الله، فماء زمزم لما شرب له، ماء زمزم طعام طعم وشفاء سُقم، هذه الخاصية لا توجد في أي ماء، وما يروى عن أهل مكة المكرمة وقد عاصرته ولا أشهد برؤياه أن رجلاً من أهل مكة المكرمة مرض وانسدَّ حلقه وهو نوع من السرطان، وأدخل المستشفى في انتظار موته، جاءته زوجته ومعها ماء زمزم فصارت تبلِّل له فمه به، وفجأة سُمع صوت وطلب الماء وصار يشرب لما سأله الطبيب قيل له لقد شرب زمزماً فشفي وخرج من المستشفى.. وامرأة جزائرية ـ وهذا شائع عند أهل مكة المكرمة قبل بداية هذا القرن وقد تكون هذه الأخبار صادقة ـ كانت تتعالج في فرنسا قال الطبيب لزوجها إنه تبقت لها أيام لتموت فقد كانت مصابة بالسرطان، فقالت له لنذهب إلى مكة المكرمة لأموت هناك.. وجاءت إلى مكة وصارت تشرب ماء زمزم ويوماً بعد يوم وجدت نفسها تتعافى، قالت له أتركني هنا واذهب، فقال لها لن أذهب، فبقيت مدة من الزمن لا أدري كم فإذا هي من أصح الناس وعادت إلى بيتها وقيل إنها شفيت تماماً.. فزمزم من آيات الله سبحانه وتعالى..
هناك نقاش طويل بين مثقفي الدين هل الصلاة بمائة ألف صلاة في المسجد الحرام الذي يصلِّى فيه؟ الأصح ما قال به العلماء، إنما المسجد الحرام الحرم كاملاً بحدوده لقوله تعالى وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ (البقرة: 191) ولا أحد يقاتل في الكعبة، بل وحول الكعبة القريب والبعيد. البقعة التي حرمها الله سبحانه وتعالى. فقداسة تحريمها تعطي مضاعفة حسناتها.. فكثير من الناس يطلق كلمة الحرم على مكان صلاة الإمام حول الكعبة، فالحرم من الشرق إلى الغرب يبلغ نحو 35 كيلو متراً، ومن الشمال نحو الجنوب يبلغ حوالى 15 ـ 16 كيلومتراً فالصلاة في هذا الحرم تضاعف إلى مائة ألف صلاة، وبالقياس الصيام والكلمة الطيبة، وخصَّ الله سبحانه وتعالى بمكان يسعى له الناس ويركضون طلباً للأجر، بطوله وعرضه من الصفا إلى المروة، فهذا المكان لا يوجد في مكان مقدس آخر، حتى عند اليهود والنصارى، قالوا سبب هذا التحديد أن هاجر عندما جاء بها سيدنا إبراهيم إلى المسجد الحرام وأسكنها في واد غير ذي زرع، فكانت تبحث عن الماء وتركض من الصفا حتى تصل إلى المروة ومن المروة حتى الصفا فلا تجد أحداً، فأنبع الله ماء زمزم من تحت رجلي سيدنا إسماعيل وأصبح هذا ماء زمزم، تاريخ مكة فيه تفاصيل كثيرة بلغت حتى الآن أكثر من 125 مجلداً ما نعرفه حتى الآن، وليس في مقدور الإنسان أن يعلمها كلها، ومن مميزات مكة أن ليس هناك مدينة في العالم لها من هذا الفيض من المجلدات ومن العلماء والعلم ومن المؤرخين بلغوا المئات.. وجاور الله مكة ببعض البقع المقدسة، عندما فرض الحج على البشر قبل الإسلام ولكن الإسلام طوَّره وتوسع فيه، جعل الحج عرفة، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: الحج عرفة من وقف بعرفة ساعة من ليل أو ساعة من نهار فقد أدرك الحج، وللأسف فقد حضرت حادثة ربما لم يشترك فيها العملاء ولكن شارك فيها الدهماء، كانت قافلة خرجت بعد المغرب من مكة ليلة مزدلفة قاصدة عرفة فثير عليها وكسر زجاج سياراتها وأعيدوا إلى مكة واضطروا أن يبقوا في مكة سنة كاملة ليحجوا مرة أخرى، وهذا جهل لأن الوقوف بعرفة من الصباح إلى ما قبل الفجر ليلة مزدلفة، ومن فضائل عرفة مقبول فيها الدعاء ولهذا يطلب من الإنسان أن يكثر من الدعاء ومن قراءة القرآن، فضائل القرآن من قرأ القرآن وفي نفسه أن يدعو تقبَّل الله دعاءه وفي نفس الوقت قراءة القرآن.
وهنا شيء عرجت عليه لأسباب أن كثيراً من الناس في الخارج ينالون من أهل مكة ويصفونهم بأوصاف غير لائقة، فقد نزلت في حي في الطائف وأحجب الجيران عن زيارتي تعرفت عليهم وقالوا حسبناك مثل بعض أهل مكة، فقلت لهم جاورتوهم هل جالستموهم! هؤلاء أهل الله، وكان في الجاهلية إذا جاء أحد من أهل مكة المكرمة، يقولون اليوم نزل شخص من أهل الله، أهل مكة أهل الله، المورقي ـ رحمه الله ـ قال سفهاء مكة حشو الجنة، وقبل سنتين تكلم رجل غفر الله لنا وله يقول ((أسألوني عن المكيات أنا أعرفهن)) لا يا أخي ربما تعرف الشاذ وليست هناك أمة إلا وفيها الشاذ، وليست هنالك أمة مبرَّأة كلها، لكن أهل مكة ونساء مكة مجلّلون مقدرون ومن يتعدى عليه بمثل هذه الوشايات ((مكاوية خبيثة)) !! لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول الإسلام ليس فيه نصب، نعم فيه نصب، النصب هو بغض أهل البيت، وكل من يقول ذلك فهو متجنٍّ على أهل مكة، القاعدة لدينا لا يعرف الشاذ إلا الشاذ، فلو قلت إن هذا الرجل فاضل، قال لا، كان ابن المسيب رحمه الله في مسجد المدينة وكان مندوب السلطان يقسم عطاءه السنوي فوجد ابن المسيب أمامه العطاء وكان يصلّي ثم ذهب إلى البيت وعندما سألوه هل أعطاك مندوب السلطان عطاء، قال نعم ولكني نسيته، فقيل له سيأخذه الناس، فقال سبحان الله هل يأخذ أحد ما ليس له! ما كان يصدق أن أحداً يأخذ نقود غيره.
عادات أهل مكة عادات جميلة، أنا عشت في مكة منذ الصغر فكانوا يشبهون عرب الجزيرة في عاداتهم يتخلقون بأخلاق المسجد الحرام، وعندما أدركناهم كان نصفهم يشاهدون المسجد الحرام من بيوتهم كانت مكة لا تتعدى البريد الذي كان هنا إلا قليلاً ومن الشرق حددتها جبال الشام ومن الجنوب المسفلة مسجد أبي بكر وجياد والمالية وما بعدها إلا البراري، كانت المرأة تصحو مبكرة ويحضر زوجها البرسيم وتنادي العنزة، هل العنزة تسمع، كان لكل بيت عنزة أو عنزتان، كان قبل الأستاذ عبد الله عريف كانت الغنم تبيت في الزقاق، ولكن عندما جاء قال لا يمكن، ولا أحد ينتقده، فالمدينة تحتاج إن يرفع عنها القاذورات، كانت العنزة تعرف صوت صاحبتها من وراء الباب تعطيها البرسيم وتحلبها وتخضه في السعن قبل التنك وتضع السمن لزوجها وتضع الشنكار طويل في السقف تعلق السمن عليه، وتقوم لخدمة بيتها لا شغالات، فتكنس وتمسح وتحضر الغداء لزوجها، خدومة لزوجها مربية لأبنائها من الطراز الأول، أما بالنسبة للأيتام والأرامل فقد كانوا يحسنون إليهم كثيراً أهل مكة ما كانوا أغنياء لأن الله عوضهم بالبيت، لم يشأ أن يشرك عليهم الثروة والعبادة، فجعل لهم الستر فكانوا يتعهدون البيت الفقير بالكسوة والطعام، وفي العيد يخرجون من أقصى مكة إلى أقصاها يعيدون على كل البيوت، هذه عادات أهل مكة، كانت تشترى بالذهب.. يأتي اليوم أحدهم أظنه خبيث يقول ((هذه مكاوية خبيثة)) و ((هذا مكاوي خبيث)) سمعت هذا بنفسي، يقول المكية نزلت عليهم ولا عليها شيء سوى ثوبها! قلت له كذبت المكاوية ما كانت تنزل السوق، كانت تنادي على ولدها أو ولد الجيران ليذهب إلى القماشة في سويقة ليشتري لها الفاتورة، يأتيها بفاتورة، كانوا على خلق حسن، نساؤهم ورجالهم، سفهاء مكة حشو الجنة..
لا أود أن أطيل عليكم، العلماء قالوا منطقياً كل ما حاط بالكعبة أفضل، الكعبة أفضل ما في الدنيا، المسجد أفضل، الحرم أفضل مما حوله من الدوائر، الحجاز أفضل بلاد الله، الجزيرة أفضل مما في الكرة الأرضية، هنالك جيران لمكة وجيران للحرم ظلوا على مر السنين يدافعون عن مكة وهزموا جيوشاً دونها، هذه هي القبائل الواقعة بين المسجد الحرام وبين مواقيت الحج، قال تعالى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (البقرة: 196) سألوا عبد الله بن عباس، فقال من أحرم من بيته فهو حاضر المسجد الحرام، كل ما دون المواقيت يحرم من بيته، فأهل مكة يحرمون من مكة، هؤلاء الجيران قبائل بعضها ذات قداسة صمدوا لقتال القرامطة، هذه القبائل قبائل قريش ومنها كنانة وقبائل هذيل وقبائل حرب وخزاع إلخ... معظم سكان مكة من هذه القبائل إن من تحضروا وفي زمن الدولة العثمانية كان يُسكت عن النسب، فكانوا يقولون عرب فلان، أي من عرب البدو وليس عرب اللغة، فأهل مكة الذين جاوروا من أمثال هذه القبائل محمد سرور والصبان ليس هو الصبان الأصل لكنه أخذ الاسم من ربعه، والصبان بيت كبير من هذيل، القزاز من ثقيف، معظم البيوت العريقة ليست من الخارج وليس لدينا اعتراض على من جاور الحرم فقد أثروا مكة بالعلم وبالذرية..
أشكر زميلي الدكتور سهيل ونتمنى للشيخ عبد المقصود خوجه عوداً حميداً وفقدناه هذه الأمسية وقد قام معالي الدكتور مقامه خير قيام ولكن في الليلة الظلماء يفتقد البدر..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :799  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 45 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.