شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
2- في ظلال الوجدان
ضمَّت ظلال الوجدان ست قصائد من إبداع الرفاعي ومقطوعة تنتمي إلى الأستاذ أنس عبد الرحمن، والقصيدة الأولى في ظلال الوجدان بعنوان "بقية" وكتبت القصيدة عام 1409هـ وهي من بحر مجزوء الكامل المرفَّل وهو ما زاد في ضربه "سبب خفيف" ووزنه:
متفاعلـن متفاعلـن
متفاعلـن متفاعلاتـن
وعدد أبياتها اثنا عشر بيتاً وقد يلحظ القارئ خلال قراءته للقصيدة أن هناك أخطاء مطبعية، كانت سبباً في إحداث تغيير في وزن بعض الأبيات ففي البيت الرابع من القصيدة ورد على النحو التالي:
يا عُمْرُ ما صنعت بـك الأيـام والأيـام واسعـة الفضـاء
وصحة البيت بعد حذف الكلمة الزائدة "والأيام" هي:
يا عُمْرُ ما صنعت بك الأيامُ واسعة الرجاء
وفي البيت السادس نجد كلمة "وكلاهما" في عجز البيت زائدة ويستقيم البيت بحذفها:
وتظلني شمس الخريف وبرده جمُّ البلاء
وفي أول صدر البيت العاشر حرفين زائدين يكونان كلمة لا وهو ما يسمى الخزم وهو من العلل غير اللازمة ولا تدخل هذه الحروف في التفعيلة ويستقيم البيت بدونها.
لا. لن أذلَّ وأستكين ولن تنالي من بنائي
وفي البيت الأخير من القصيدة والذي يقول:
ستظل تربطني بإيماني حبائُل في بقيتها بقائي
ولو حذفت كلمة "بإيماني" لاستقام البيت وجاء هكذا:
ستظل تربطني حبائُل في بقيتها بقائي
وربما يكون القائم بأعمال مراجعة الطباعة لم يصرف مزيداً من الجهد في مراجعة النص بعد طباعتها، فالأخطاء المطبعية مسألة يشكو منها الكثيرون.
وفي هذه القصيدة القليلة الأبيات يبدو القلق مسيطراً على مشاعر الشاعر فلا يجد أمامه مؤنساً ولا مرشداً ولا نجماً يستهدي بضيائه فقد أظلمت الدنيا في عينيه بعد أن غارت أحلامه وأمانيه وغار معها في أعماق الظلام.
وضاقت عليه الأيام بما رحبت، وانفض عنه سامرها، ولكنه رغم كل ذلك يقف صامداً متحدياً كل أسباب الإحباط معتمداً على ربه يمده بالقوة التي ترتعد من شدتها العواصف، واثقاً بأن هناك صلة بينه وبين ربه يجد في استمرارها نور بقائه. وما دام إيمانه بالله قوياً فلن يذل ولن يستكين لأن الله ينصر من ينصره، قال تعالى: إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم.
أغنية تتمنع:
هذا عنوان قصيدة أخرى من ظلال الوجدان تمثل بوضوح الفترة التي عاشها عبد العزيز الرفاعي مع أحلام اليقظة، وأدرجها الدكتور محمد مريسي الحارثي في كتابه "عبد العزيز الرفاعي أديباً" ضمن ظلال الطبيعة لاشتمالها على عدد كبير من المفردات الدالة على مشاهد من الطبيعة، والحقيقة أن الرفاعي لم يستخدم تلك المفردات للتعبير عما يحس به نحوها لذاتها، بل لتقرِّبَ إليه المعنى المطلوب، أو الهدف المنشود الذي يسعى إليه، ولا يرغب أن يبوح به، لقد كتب هذه القصيدة ونشرها بالعدد 693 من جريدة البلاد السعودية الصادرة في 6 ربيع الآخر عام 1367هـ تحت عنوان "أغنية متجنية" أي وهو في عنفوان شبابه، يعبر السنة الرابعة والعشرين من عمره، وهي مرحلة تضطرم فيها المشاعر، ويتحرك فيها الوجدان، وفيها يفقد الكثير من الشباب زمام عواطفهم، وبعضهم يحقق رغباته بالتعبير عنها شعراً ونثراً، وأما الذين تضع التقاليد والأعراف، ومكارم الأخلاق السدود والموانع حتى لا تجرفهم التيارات الثائرة في تلك الفترة، كشاعرنا الرفاعي فإنهم يلجؤون إلى الطبيعة، فيصورون فيها أنفسهم، ومن يحبون ليتجنبوا أن يضعوا أنفسهم تحت طائلة العقاب، وتكون الرومانسية حينئذ الروضة التي يتفيؤون ظلالها.
القصيدة من بحر الطويل التام، ومطلعها :
أحباي في نفسي من الشعر عنـوةٌ
يجيش بها قلبي وتأبى علـى فمـي
في هذا البيت يعلن الشاعر الرفاعي – رحمه الله – عن رغبات وأمنيات تتفاعل في داخله، لكنه لا يستطيع أن يبوح بها، ولا يمكن أن نصدق أن هذه الرغبات هي التي تأبَّتْ أن تأخذ طريقها إلى فمه، وتكشف أسرارها لكن الواقع هو صرامة في الطبع، وتقيد بالعرف الذي نشأ عليه الرفاعي حال بينه وبين السَّماح لهذه الرغبات أن تكسر القيود، وتنطلق، لأنه يرى أن في انطلاقها هلاكها وهلاكه، ولذلك يحاول جاهداً أن يشد وثاقها، ويمنعها من الجموح.
ولننظر إلى الكلمة في صدر البيت وهي "أحبايَ" يخاطب بها من هم أعز الناس إليه، ويخبرهم أنه يكن لهم في قلبه ما لا يستطيع أن يرسمه على شفتيه ليقرأه الآخرون. والذي يؤخذ على الرفاعي في هذا المطلع هو استخدامه كلمة "غُنوة" بمعنى "أغنية " ولم ترد في القواميس "الغُنوة" إلا بمعنى الغِنَى أي الثراء.
ثم يواصل الشاعر حديثه عن الأمنيات والأحلام التي تراود خاطره، فيصفها مياسة، رقيقة، ندية تحمل رفيف الزهر وعطره واصطفاق الموج هائجاً، وارتماءه على أحضان الشاطئ، وفي قسماتها هدوء الصحراء، وتشوقها إلى زخات المطر، ومنها تنبعث نغمة الينبوع وهو ينساب في حنين إلى الأعشاب ويبصر فيها فرحة العصفور وهو هيمان لرؤية إلفٍ يلطف عنه قسوة الغربة والبعاد، ويبصر فيها، لهفه المشتاق المتيم الذي لا تعرف عيناه طعم الكرى، ويرى بها صبوة المفتون الذي يحلم أن يرافقه الهوى إلى محبوبة قلبه المليحة المنعّمة.. ويصورها حوراء نكهة قبلتها كالشهد استخلصت من ريق مبسم عذب وهو ما يسمونه الخمر الحلال وفي هذا البيت صورة جميلة جذابة حيث يقول:
أحس لهـا كالشَّهـدِ نكهـةَ قُبْلَـةٍ
تغرِّد من صهبـاءِ أعـذبِ مبسـم
ويستمر في أحلامه حتى يصل بنا إلى قوله:
رؤى حالمٍ مرت بأعطـاف كاعـب
وسحر على ثغـرٍ وفتنـة معصـم
وهناك لم يستطع صبراً على كتمان هذه الأحلام التي تشغله وقت يقظته وتحمله على بساطها تطوف به حول الرياض الغناء، والميادين الفسيحة، ومسارح الجمال، ومنتديات الحب في دقائق محدودة يتلذذ بما يرى، ويسر بما يسمع وإن كان في الواقع لا يرى ولا يسمع شيئاً، وإنما يكون في تلك الدقائق قد أسلم نفسه وتفكيره إلى الخيال الذي يسلبه إرادته وتركيزه، ويقلب له الأمور، ويصور له الأشياء كما يحب ويرضى كأنها واقعة فعلاً، وهي لا تعدو أن تكون نمطاً من الأوهام، أو الأحلام التي تنبت خارج دائرة الجدية من أحاسيس الإنسان، وبالتالي لا يهتم بها الشعور، ومثل هذه الاحلام لا تعمَّرُ طويلاً فما إن تتفتح أزهارها حتى تذبل ويجف ماء العطاء فيها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :598  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 73 من 94
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.