شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
1- في ظلال الدعاء
المحطة الأولى من تلك الظلال التي مررنا بها هي "ظلال الدعاء" وهي ظلال دوحتين: إحداهما موسومة بـ "دعاء" والأخرى تحمل عنوان "ضراعة" أما "دعاء" فقصيدة ذات خمسة عشر بيتاً منها أحد عشر بيتاً يمكن أن تدرج في مضمار المعاناة الإنسانية أما الأربعة الباقية فهي التي تحمل ظلال الدعاء. والمرء المسلم يجد الراحة النفسية عندما يرفع يديه إلى السماء داعياً ربه في كل حين، وهو أحوج ما يكون إلى ذلك عندما يصادف في يومه أو ليلته ما يقلق راحته، وينغص عليه حياته، ولقد أحسن الرفاعي صنعاً عندما بدأ قصيدته بالمعاناة، وختمها بالدعاء، والله يقبل دعاء عبده المؤمن الصادق، ولا يقبل دعاء الكافرين.
قال سبحانه وتعالى: وما دعاء الكافرين إلا في ضلال.
وفي معاناة الرفاعي في هذه القصيدة تلمس مظاهر الحرمان في صور تركيبية قاتمة ومن أمثلة تلك المظاهر قوله: "ضجة الحرمان تلذغ نارها جنبي". قوله: "وشمس شبابي المحروم قد مالت إلى الغرب" وقوله: "تذرو ناضر الحب" وتبلغ قسوة الحرمان أشدها في هذين البيتين:
تمـر مواكب النعي
وأشهد فرحة الركـب
وما حظي سـوى ما شا
هـدت عيناي عـن كثب
أليس من المرارة على النفس البشرية أن ترى مواكب مثقلة بكلِّ أسباب النعيم لا ينالها من تلك إلا أن تقف أمامها وتنظر إليها ولا تجد ما يسكت غضب وثورة الحرمان التي تعتلج في قرارتها، ولم يك حظها من تلك النعمى إلا ما يملأ حدقتي عيني صاحبها من النظر إلى تلك المواكب.
ثم أتبع المعاناة بالدعاء الخالص إلى الله معلناً خوفه من لقاء ربه خشية أن تغلب سيئاتُه حسناتِه، وتحجبه عن الظفر والفوز بجنات النعيم، ويطلب من ربه أن يهيئ له أسباب النعمى، وأن يمسح عنه لهفة الحرمان وأنه يكفيه من ربه أن تمس يدا رحمته مواطن الجدب منه. هذا الدعاء نمد أكفنا إلى الله أن يستجيب له، وأن يمنحه عفوه ورضوانه، إنه سميع مجيب، يجيب دعوة المضر إذا دعاه. والقصيدة من مجزوء الوافر وتفعيلاته أربع هي:
مُفَاعَلَتُـنْ مُفَاعَلَتُـنْ
مُفَاعَلَتُـنْ مُفَاعَلَتُـنْ
وفي بعض أبياتها زحاف بعضه حسن، والبعض الآخر لا يستحسن، لكن الشعر ليس بحوراً، وعروضاً، وضروباً، وليس أوزاناً وقافية، الشعر أسمى من ذلك. الشعر إبداع هدفاً ومعنى، والشعر عواطف تذوب على السطور، ومشاعر وثابة تحمل باقات الزهور، والشعر أنفاس يفيض عبقها، ويتشرب أفقها شذاها فإذا هي معانٍ تأخذ بالالباب، وشعر الرفاعي في مجمله ليس رومانسياً ينحدر من رومانسية مغلقة بل من رومانسية مطلقة أي لا تغرق في محيطها الضيق، وأنما تعمل لها كوى في جدارها تطل منها على الواقع المحيط بها فهي رومانسية ترتدي ثوب الواقعية أو لنقل واقعية داخل جسد رومانسيٍّ، ولا تخلو قصيدة من قصائده من الرومانسية أو الواقعية .
ضـراعة:
القصيدة الثانية في "ظلال الدعـاء" بعنوان "ضراعـة" وقد كتبت على شكل "شعـر التفعيلـة" أو بالأصح، على شكل "الشعر المنثر لأن الرفاعي لم يلتزم بالتفعيلة في كل أبياتها، وفي الواقع أنها لو كتبت على طريقة الأقدمين أو الطريقة التقليدية ملتزمة بأوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي لكانت في جملتها أحد عشر بيتاً هي كالتالي:
أنا مـا التفـتُّ إليـكَ يا أمسـي
غذَّ الشراعَ وراح لم يُرْسِ
أحدو الصَّباحَ وأرفو مـن أشعتِـهِ
عمري وأعرفُ أنَّه يمسـي
الليـل مركبـة عنـدي يواكبُهـا
حلمُ الصَّبـاحِ وطلعـةُ الشمـس
والليـلُ مزرعةٌ للـوردِ موسُمهـا
في مهرجان الهَوى أو زفَّـةِ الغـرس
لا تقنطوا إنَّ كأسِي في مَرارتِها
بعضُ الصَّبابةِ كانتْ مِلأهَا كاسـي
خلوا الضَّبابـةَ أحسوهـا مروَّقـةً
هذي الصبابةُ قد طابتْ بها نفسـي
* * *
يا رافعَ البأسِ عن أيـوب معجـزةً
هلا رفعت بفضل منك عـن بأسـي
ولستُ أيوبَ لكـن من ضراعتِـهِ
عندي أفانين من جهـر ومن همـس
وليس لي صبره أو لي مكانتـه
لكنني مثلُـه مـا مِلـْتُ لليـأسِ
إذا سرت دعواتي في معارجها
وجدت عندك ينبوعاً مـن القـدس
وَاسِ الجراحَ فما للبائسـين سـوى
يديك أرجوهما كي يرفعـا بؤسـي
والقصيدة من حيث العروض من بحر البسيط التام باستثناء بيتٍ وشطرين فهي من بحر الكامل التام أما البيت فهو مطلع القصيدة.
أنا مـا التفـتُّ إليـكَ يا أمسـي
غذَّ الشراعَ وراح لم يُرْسِ
وأما الشطران فالأول عجز البيت الثاني من القصيدة ونصه.
عمري وأعرفُ أنَّه يمسـي
وأما الشطر الثاني فهو عجز البيت الثالث ونصه:
حلمُ الصَّبـاحِ وطلعـةُ الشمـس
وأعتقد أن الرفاعي – رحمه الله – قد تنبه لذلك فتجنب كتابتها بالشكل التقليدي، وسلك بها مسلك الشعر الحديث من حيث الشكل الكتابي لا من حيث المضمون. وقد تعتبر على رأي البعض من بحر الكامل لوجود خمس تفعيلات من تفعيلات بحر الكامل، وكان يلغي وجود تفعيلة واحدة منه.
وقد نهج الشاعر هنا نفس النهج الذي سار عليه في قصيدته الأولى "دعاء" حيث بدأها بالمعاناة، واختتمها بالدعاء، وما أجمل اللجوء إلى الله بعد المعاناة.
وفي القصيدة صور جميلة نذكر منها قوله:
"أحدو الصباح وأرفو من أشعته عمري" ومنها "الليل مركبة عندي يواكبها حلم الصباح وطلعة الشمس" ومنها أيضاً:
إذا سرت دعواتي في معارجها
وجدت عندك ينبوعاً مـن القـدس
 
طباعة

تعليق

 القراءات :596  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 72 من 94
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج