شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مقدمة الديوان
أصدر عبد العزيز الرفاعي قبل وفاته ديوان شعر سماه "ظلال ولا أغصان" وهو الديـوان الوحيـد الذي جمع بين دفتيه ما اختاره من جيد شعره من قصائد ورباعيات، أو لنقل ما رضي عنه وارتضى أن ينسب إليه، ويدخل دائرة أسرته الأدبية، بمعنى أن هذا الديوان لا يمثل كل شعره أو جله ولكنه مختارات، وأنا لا أصدر هذا القول من تلقاء نفسي، ولكن حجتي في الادلاء به مصدرها قوله الذي تضمنته المقدمة التي كتبها عبد العزيز - رحمه الله - لديوانه حيث جاء في الصفحة الرابعة من الديوان قوله: "وما جمعت من هذه الكلمات، فقدمته لقرائي اليوم بعد تردد لم يطل أكثر من ثلاثين عاماً.. إنما هو شطر من ذلك العمر التهويمي الذي عشته، أما الشطر الآخر فقد زويته وطويته مؤثراً أن يظل حيث هو من مخبئه".
وفي آخر الصفحة الخامسة ورد قوله: "على أن ذلك الشطر الذي أسدلت عليه الستار لا يعدو أن يكون مما ألف الناس من العواطف والأحاسيس، بل هو مما أحبوا، منذ عهد أمرىء القيس إلى عهد علي محمود طه".
وقد يفهم من هذه العبارات أن جميع القصائد التي نظمها في مرحلة الشباب وما قبلها قد ألقيت في ملفات النسيان، أو في أضابير لا تصل إليها أيدي الراغبين معرفة حقيقة أمرها، لكن ما يتبادر إلى ذهني وما أوحت به إلي ومضات لمَّاحة في عبارات سابقة يستشف منها أنه لم يقبر ولم يئد تلك الأشعار ولم يحرقها كما فعل كثير من الشعراء قبله وقد يفعل ذلك من يأتي بعده ولكنه ظل محافظاً عليها حتى تحين الفرصة لنشرها، وهو لا يمانع إذا حانت تلك الفرصة من نشرها، ولا يرى في ذلك ضيراً، ولنقرأ ما كتبه في مقدمة ديوانه وبالصفحة السادسة حيث ورد ما يلي: "كان من الطبيعي أن تأتي الأغصان أولاً، ثم تزحف الظلال، ولكن أبت صرامة في الطبع إلا أن تحجب الأغصان، وتسمح للظلال، ويوشك أن يكون في الأمر شيء كالمستحيل، ولكن هكذا كان.. ".
ثم نقرأ ما جاء في الفقرة الأخيرة من نفس المقدمة حيث نقرأ "كانت هناك في الغابة أغصان.. وكان لي فيها أشجان.. أما الأغصان فذوت.. وأما الأشجان فانطوت.. وقد رأيت أن أحجبها فما عاد لها اليوم مكان إلا في الأعماق.. وما كان في الأعماق قلّما يطفو، وقد كان للأغصان ظلال.. ولا ضير أن تطفو الظلال فهي أيضاً جزء من النفس وحديثها وهو حديث قد يعجب القرَّاء، وقد لا يعجبهم، بل إنني على يقين أنها "والضمير هنا يعود على ظلال" ستترك مجالاً رحباًً للناقدين".
لو ألقى القارئ نظرة فاحصة إلى الفقرة الأولى وتمعن في قول عبد العزيز الرفاعي: "أما الأغصان فقد ذوت". لبرزت أمامه بصورة واضحة أن الأغصان في تلك اللحظة حية لم تمت بعد، وإنما هي ذاوية، أي في حالة بين الحياة والموت، فقد يمنُّ الله عليها بالعافية فتعود إلى حالتها الأولى خضراء باسمة وقد تجفُّ وتموت وقد اعتاد البعض أن يطلق على المريض الذي يشفه المرض: إنه يشبه الغصن الذاوي، و "شاعر الأغصان" وهو التوقيع الذي اعتاد عبد العزيز الرفاعي أن يختم به قصائده التي نشر الكثير منها بالصحف المحلية، وعُرِف بها بين الكثير، كان في تلك الفترة التي أعد فيها ديوانه الوحيد "ظلال ولا أغصان" يحس باقتراب الأجل فحجب أحلام صباه عن زورته وهو في تلك الحالة، وأودع ذكريات شبابه آثاره وأشعاره وأحزانه، وشجونه وما سماه زهو الصبا، ونضارة الشباب - في زنزانة الوقار- وقال لها: قرِّي حيث أنت".
وهذه الذكريات بآلامها وآمالها، وأفراحها وأتراحها هي ظلال الأغصان التي كانت غضة رطبة ثم ذوت، ولقد أعلن الرفاعي بجمله القصيرة المعروف بها، أنه لا يجد حرجاً في أن تظهر هذه الظلال إن لم يكن قريباً في مستقبل الأيام والحجة في ذلك نستقيها من قوله: "قِرِّي حيث أنت".
أي أنه طلب بقاءها في مخبئها حتى يأتي من يستطيع أن يخرجها بعد أن تموت الأغصان وتزول عنها الحياة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :529  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 67 من 94
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.