شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
3- فعن عبد الله بن عمرو قال: قال رجل للنبي (صلى الله عليه وسلم): أجاهد! قال: لك أبوان؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد (1) .
والحديث ينبه المسلم إلى رعاية حقوق الوالدين وهي أكثر الحقوق وأولاها بالرعاية.
والأحاديث الشريفة كثيرة في هذا المجال، وكلها تذهب مذهباً واضحاً في تلافي الخلل الاجتماعي الذي ينشأ من العقوق. فالجهاد على عظمته في الإسلام، وكونه ذروة سنامه، إلا أنه في مثل حالة السائل قد يسقط مراعاة لحق آخر، ألا وهو بر الوالدين، وهذا هو "التوازن" مع الموقف.
وفي بر الوالدين تعويد للمسلم على إعطاء كل ذي حق حقه، فإني أجد بار الوالدين ينتقل بره بهما جميع من حوله، وعاق الوالدين ينتقل عقوقه إلى كل من يحيط به فكأن البر بهما، دربة للنفس على تقديم البر لكل ذوي الحقوق.
وهناك "توازن" آخر، وهو في تقديم ما على الابن من دين حيال أبويه، فقد بذلا في صغره كل جهد وكل طاقة، ولم يبخلا عليه، فكان عليه أن يرد شيئاً مما بذلاه من أجله. فالمضمون بدعوته إلى تقديم حق الوالدين على الجهاد في سبيل الله، صيانة "للتوازن" ومجانبة للخلل الذي ينجم من العقوق.
يسترعيني في الحديث إضافة إلى ما أشرت إليه من قيمة في بر الوالدين، وما يترتب عليهما من حفظ "التوازن" الاجتماعي.
يسترعيني نقل معنى الجهاد في سبيل الله وما فيه من بذل وتضحية النفس والمال، وماله من أجر عظيم عند الله إلى بر الوالدين، وما يكون له من ثواب الله، لما يعود به هذا البر من أثر على الحياة الاجتماعية وترابطها وقوتها.
أنتقل من هذا إلى جانب آخر من جوانب البر، والطريقة الخاصة في المعاملة توازناً مع طبيعة من نتعامل معه.
فالمرأة عموماً لها طبيعة خاصة -فهي من ضلع أعوج- تختلف عن الرجل، وتعامل المرأة مع المرأة يختلف عن تعامل الرجل معها، ومن هذه الطبيعة وصى الحديث النبوي بمعاملة الرجل لزوجته معاملة خاصة توازناً مع طبيعتها وظروفها، ليستقيم له أمر الحياة معها، فإن أخل بهذا التوازن وخالف عن هذه الوصية تعكر صفو الحياة الزوجية، وربما تعرضت للانهيار.
4- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: المرأة كالضلع، إن أقمتها كسرته، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج (2) .
فالحديث الشريف يبين كيفية التعامل مع المرأة، بالطريقة التي تتناسب مع طبيعتها لتستقيم معها الحياة، وتسعد الأسرة، ففهم الإنسان أو الشيء ومعرفة الطريقة التي يتعامل بها معه أجدر أن تصون هذا المتعامل من التلف أو الفساد.
والمدخل لكل إنسان طبعه الذي جبل عليه، وبالنسبة للمرأة فقد بيَّن لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) طبيعتها بعبارة موجزة، حيث شبهها بالضلع أي: أنها عوجاء مثله (3) .
أما قوله: إن أقمتها كسرته، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج "كأن فيه رمزاً إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه فيستمر على عوجه... ويؤخذ منه ألا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو ترك الواجب، وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة، وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس، وتألف القلوب وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن" (4) .
وبذلك يشير الحديث إلى ملمحين من ملامح "التوازن" هما: المعرفة والمعايشة للموقف.
فالمعرفة: تقتضي معرفتها الأنثوية، وطبيعتها الجسدية والنفسية، والتي أثبت العلم الحديث فيها؛ أن هناك هرمونات معينة تتحكم في شخصية المرأة فتجعلها متقلبة بعض الشيء، كما أن الدورة الشهرية وما يقارفها من الآلام تجعلها غير قادرة على التركيز فتكون عصبية المزاج، كل ذلك جعل الشارع يسلبها حق تطليق الزوج – إلا إذا اتفق في بداية العقد على أن تكون العصمة بيدها كما ينهى أن تطلق وهي في فترة الحيض، وما أروعها وأدقها حكمة!.
والتعايش مع الموقف: يقتضي الإقرار بتلك الطبيعة، وقبولها بما فيها من اعوجاج أو نقص، فالزوج الذي يعرف طبيعة المرأة ويقر بتلك الطبيعة يمتلك مفتاح شخصيتها فيلين في مواقف، ويشتد في أخرى، ويلوم على تصرف ويغض الطرف عن آخر، وبذلك يتوازن مع طبيعتها وتستقيم بذلك الحياة، وتتحقق السعادة.
أما الجهل بطبيعتها التي جبلت عليها، ورفض التعايش مع تلك الطبيعة الأنثوية والإصرار على التقويم دوماً، فإنه سيؤدي لا محالة إلى نفرة فطلاق، مصدقاً لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها (5) وغني عن التعريف سلبيات الطلاق، وأثره البالغ في إحداث خلل في التوازن النفسي عند الزوجين، والأطفال إن وجدوا.
هذا المضمون الذي يدعو إلى "التوازن" في معاملة المرأة أستعين على أدائه بأسلوب التشبيه وذلك بأن شبه طبيعة المرأة وما فطرت عليه بالضلع، وذلك بجامع الاعوجاج فيهما.
وأسلوب التشبيه يتحقق فيه معيار "التوازن"؛ بأن تتوازن كفتا المشبه والمشبه به، وذلك بإجادة التشبيه في الصفة أو المقدار وقد توازن الطرفان في الحديث، المشبه والمشبه به، وليس مأتى الجمال وجود التشبيه من حيث هو بل ينصب على ناحيتين:
أ- ندرته: "والجرجاني" يعد الندرة من أسرار جمال التشبيه -كما مر- وقد لحظ "الرافعي" تلك الريادة التي كانت مثار إعجاب أصحابه رضي الله عنهم فقال: "وكل ذلك من الأوضاع التي ابتدعها أفصح العرب (صلى الله عليه وسلم)، في هذه اللغة ابتداء، ولم تسمع من أحد قبله، ولا يشاركه في مثلها أحد بعد، وكل كلمة منها -كما رأيت- لا يعدلها شيء في معناها، ولا يفي بها كلام في تصوير أجزاء هذا المعنى وانتظام هذه الأجزاء، ونفض أصباغها عليها، وهذا الضرب من الكلام الجامع هو الذي يمتاز البليغ في كل أمة بالكلمة الواحدة من مثله، أو الكلمتين، أو الكلمات القليلة القليلة وقلما يتفق ذلك الضرب من الكلام في العربية على مثل ما رأيت من الغرابة البيانية، إلا في القرآن الكريم والبلاغة النبوية" (6) .
ب- دقة التشبيه: الذي يجعل طرفي التشبيه متوازيين فتشبيه الرسول (صلى الله عليه وسلم) المرأة بالضلع لا ينصب الجمال فيه على الضلع نفسه، فالضلع يكاد يخلو من الجمال وإنما الجمال هنا في رسم الصورة، وفي بلوغ الصورة الغاية القصوى المراد بها.
وقد جعل "حازم القرطاجني" هذا التوازن بين المشبه والمشبه به هو المعيار الجمالي للتشبيه، وذلك في قوله: "ومن التذاذ النفوس بالتخيل أن الصور القبيحة المستبشعة عندما تكون صورها المنقوشة والمخطوطة والمنحوتة لذيذة إذا بلغت الغاية القصوى من المشبه بما هي أمثلة له، فيكون موقعها من النفوس مستلذاً لا لأنها حسنة في أنفسها بل لأنها حسنة المحاكاة لما حوكي بها عند مقايستها به" (7) .
الأولاد أهم دعائم الأسرة، وتنشئتهم التنشئة السليمة يستوجب الكثير من الوالدين؛ من رعاية واهتمام وتقويم وتعليم. والعدل بينهم في المعاملة من أهم ما يجب أن يراعيه الأبوان لذا حرص رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على لفت انتباه الوالدين لذلك.
5- عن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. وفي رواية الشعبي عن أحمد قال: إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم، فلا تشهدني على جور، أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذن (8) .
ومتن الحديث يدعو إلى العدل في معاملة الأولاد حتى يُنشَأوا على الود والمحبة والتآلف فيما بينهم، لأن ظلم أحد الأولاد عن طريق تفضيل غيره عليه، يولد البغض والشحناء ومساوىء شتى لا يعود أثرها على الأسرة فقط بل على علاقة ذلك الفرد بمجتمعه فيما بعد.
والتوازن في العطاء المعنوي والمادي للأولاد، يتطلب من الوالدين التحكم في عاطفة يصعب السيطرة عليها، ألا وهي المحبة، وهذه قد يختص بها ولد عن سائر إخوانه، مما يسوغ لوالديه معاملته بطريقة مميزة يلحظها بقية إخوانه، فيحقدون عليه ويبغضونه شيئاً فشيئاً.
لذا فقد جاءت ألفاظ الحديث جليلة مساوية لمعنى الجليل التي سيقت من أجله، جاءت تزيد الموقف رهبة وخوفاً.
فابتداء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقول: اتقوا الله، فيه ما فيه من خلق شعور الرهبة والمراقبة الدقيقة لله عز وجل، وهو يناسب جو الأسرة، حيث يظن بعض الآباء جهلاً، أن أولادهم صغارٌ لا يدركون معنى ما يقومون به من تصرفات خاصة لبعض الأولاد، فجاء الأمر هنا بتقوى الله مناسباً تماماً لإبراز حقيقة هامة ألا وهي العدل بين الأولاد في كل شيء.
ثم تعقيبه (صلى الله عليه وسلم) بإغراء الرجل بقضية أخرى ألا وهي بر الأولاد له، تعقيب ذكي فيه استفادة من الموقف، وإغراء الآباء بالعدل فمن من الآباء لا يحلم بذلك البر؟ لا شك إذن أن يزرع الإنسان البذور الطيبة الخالية من الآفات حتى يحصد ثماراً حلوة المذاق.
ومما يندرج في إطار "التوازن" داخل الأسرة وذوي القربى صلة الرحم. فقطيعة الأرحام من أخطر مظاهر الاختلال والانحلال وتفكك أواصر المجتمع، والإسلام يحرص في منهجه على أن يكون عباد الله إخواناً متحابين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :666  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 80 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.