شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الدكتور أحمد التويجري ))
ثم أعطيت الكلمة لسعادة الدكتور أحمد التويجري القانوني المعروف فقال:
- الحمد لله حمداً يليق بجلاله العظيم، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بهدى وإحسان إلى يوم الدين.
- أولاً: لست قانونياً معروفاً، فهذا فضل تكرم به علي مقدم هذا الحفل أشكره عليه؛ ولكنني تلميذ صغير لا زلت في بداية سلم القانون والقضاء والترافع عندهم، فأرجو ألاَّ ينخدع الحاضرون بهذا اللقب الكبير.
- وثانياً: أتوجه بشكر جزيل إلى سعادة الأستاذ عبد المقصود خوجه، الَّذي طالما اشتقت إلى رؤيته، وطالما اشتقت إلى حضور ندوته، فقد سعت الركبان بأخباره وأخبارها، وقام - جزاه الله خيراً - بواجب قصرت عنه الأمة وأحيا سنَّة كادت أن تندثر؛ قام بواجب إكرام من يتسحقون الإكرام، وأحيا سنَّة إحياء المنازل وبيوت أهل الفضل، بلقاءات الفضل.. والعلم.. والأدب.. والمعرفة..، فأحييه - أولاً - باسم كل الغيورين على تاريخ هذه الأمة، وعلى حضارتها، وعلى مكارم الأخلاق فيها.
- أحييه على أن بقي رمزاً شامخاً للمكارم والفضل والنبل والأخلاق، وأحيي بعد ذلك أستاذي الكريم الخطيب المفوه، والعالم الكبير الأستاذ الدكتور: مصطفى البارودي، الَّذي مذ عرفته وأنا أعرف فيه ثلاث خصال، أعرف فيه الفصاحة في زمن فشت فيه العجمة، وأعرف فيه الإباء في زمن عمَّ فيه الخنوع، وأعرف فيه الوفاء في زمن قلَّ فيه الأوفياء وكثر الجحود والنكران، أحييه هذه الليلة وأقول له: إنك لم ترحل عنا يا أبا مجاهد، وإنما نحن الَّذين رحلنا عنك، فقد قال الشاعر:
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا
ألاَّ تفارقهم فالراحلون هم (1)
 
- كان بودي أن تجود القريحة بأبيات أشارك فيها بهذه الأمسية، تكريماً لهذا الأستاذ الكبير والأخ الفاضل، ولكن قريحتي - كما يقولون - على قدر حالي، فلا تستطيع أن تشمخ إلى مثل هذا المطلب الرفيع، فقصرت كما عودتني التقصير، لذلك أستميحه وأستميحكم العذر أن ألجأ إلى قصيدة أخرى قلتها في وقت ليس ببعيد، في وقت عاشت فيه أمتنا محنة أخرى من محنها، وقد كان الأستاذ بعيداً عنا في ذلك الوقت، ولكنه كان في خاطري عندما قلت هذه القصيدة؛ وقبل أن أبدأ بها أود أن أشير إلى أمر عرفته عن قرب من أستاذي وشيخي الفاضل، فقد درس في كلية التربية في قسم الدراسات الإِسلامية في جامعة الملك سعود عندما كنت أعمل فيها، وقد عرفنا فيه ما لم نعرفه إلاَّ في الأفذاذ من العلماء الحدب على العلم والحرص على التعليم؛ وقد شعرت في ذلك الوقت أن جامعة الملك سعود ترقت درجات كبيرة بوجود الأستاذ مصطفى أستاذاً فيها، وعندما غادرنا شعرت أن الجامعة فقدت جزءاً كبيراً من كيانها العظيم؛ ووجوده الآن في فرنسا في نظري لا يمثل إلاَّ شهادة أخرى على واقع هذه الأمة هو أحد الشهود على واقعنا المرير، فأمثاله الَّذين يتجرعون مرارة الغربة لم يصلوا إلى هذا المقام إلاَّ لأنَّهم شرفاء، إلاَّ لأنَّهم لم يتملقوا، إلاَّ لأنَّهم كانوا أهل صراحة وصدق، ونسأل الله (عزّ وجلّ) أن يأتي اليوم الَّذي تعود فيه هذه النسور وهذه الصقور إلى أوكارها.
- أما القصيدة، فقد كانت بمناسبة مؤتمر السلام في مدريد، عندما تداعت الوفود إلى تلك المدينة تخيلت الجامع الكبير في مدينة قرطبة - الجامع المشهور - وقد وصلته الأنباء أن وفوداً عربية تفد إلى الأندلس، وبعد هذا الانتظار الطويل يشرئب عنقه ليتطلع من هي هذه الوفود، فالقصيدة على لسانه تقول:
أرق وليلي مذ فجعت طويل
أيلام في حمل الهوى متبول
مازلت أرقب في شذاك أحبتي
فمتى سيشفى يا نسيم عليل
أشقانيَ المحرابُ يسأل عنهمُ
مذ فارقوا والمنبر المثكول
والمصحف المطوي يسأل عنهم
قد شاقه الترتيل والتأويل
من هؤلاء القادمون أعقبةٌ؟
والمجد فوق ركابه محمول
أم طارق تشكو القوارب بأسه
والفتح في عزماته موصول؟
من هؤلاء القادمون جلودهم
سمرٌ ولكن في القلوب شغول؟
لم يستقلوا الصافنات وإنما
ركبوا بغالاً سعيهن ثقيل
وتجردوا من كل أبيض صارم
للمجد فيه تلألأ وصليل
جاؤوا إلى مدريد بئس مجيئهم
لا السعي محمود ولا مأمول
جاؤوا إلى مدريد كل عتادهم
قول يفوح مهانة وطبول
جاؤوا إلى مدريد في أيمانهم
شرف البطولة والفدا مقتول
يا أيها الأقصى الأبي وقد جثا
فوق المآذن غاضب ودخيل
من هؤلاء القادمون قلوبهم
شتى تكاد من النفاق تزول
جاؤوا وخلفهم الكرامة تشتكي
وبكل وادٍ وحشة وذهول
جاؤوا وخلفهم العروبة قطعت
مزقاً وجنب السائلين ذليل
إني لأنكر هؤلاء فما همُ
قومي وما أنا منهم منسول
أنا من كرام العالمين صحائفي
بيض ومجدي في الأنام أثيل
قومي هم التاريخ في أعتابهم
صُنع الفخارُ وكُوِّن التبجيل
ركبوا المنايا يوم عزت أنفس
فجرت بهم نوق لهم وخيول
وتقاسموا الدنيا فتوح شهادة
وفتوح هدي ساحهن عقول
كانوا الفضيلة في ذرى عليائها
كانوا المكارم والزمان بخيل
كانوا العدالة شرعة مهدية
كانوا التقى مذ أحكم التنزيل
كانوا الهداية للأنام فكلهم
للعالمين مبلغ ورسول
أنـا مـن أولئك يـا زمـان وإن غـدت
بيني وبينهم ربا وسهول
أنا منهمُ مهما تطاول بعدنا
وبدا لنا بعد الرحيل رحيل
أنا منهم ولسوف يجمع شملنا
حب تجذر في القلوب أصيل
حب تكفكف وجده غرناطة
وتذوب من لوعاته أشبيل
حب على الإيمان شِيدَ بناؤه
عَبِقٌ بطيب المكرمات نبيل
أنا منهم ولسوف يأتي طارق
ولسوف تدحر للعداة فلول
ولسوف تعلو في المآذن صيحة
ويجلجل التكبير والتهليل
فاختر لنفسك ماتشاء فإنه
يوم سيأتي يا زمان جليل
 
- أسأل الله (عزّ وجلّ) أن يأتي ذلك اليوم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1848  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 72 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج