شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأرق.. يمتد!
ـ تمدد الأرق في صدره. تصادم نبضه كأنه يلهث، وهو المستلقي فوق الأسئلة الكربونية السخيفة التي طمست إجاباتها!؟
مندثر هو في ثلوجة الأيام لكن الأرق أصبح كهفه الذي يضيع فيه، ويخاف من امتداده!
مشكلة الشباب اليوم أن حضورهم يتبلور في نعش النهار. الليل صمتهم المتقاطع والنهار تقاطعهم المتشابك، الأحلام سخف والخيال وهم والشمس فزع، لقد اقتنعوا بأشياء بدهية.. جلبتها المتطورات المدنية وتعفنت بسبب تكرارها، وافتقدوا أشياء منطقية.. أضاعتها العواطف العقيمة التي لم تنجب حتى الآن مستقبل اللحظة!
احتدت على وجهي نظرات شاب.. جلس أمامي ليحكي على مسمعي فصولاً متناقضة عن المعرفة، والشهادة الدراسية، ولقمة العيش، و ((زغزغات)) الصدر، والتزامات الأسرة!
ـ الأب.. كل همه أن يتخرج ابنه، ويقبض بأصابعه على شهادة تدخله وظيفة براتب كبير يمكنه من فتح بيت، وبناء أسرة، وتجعل الأب يتنفس الصعداء بعد أن انتهى التزامه!
ـ الأم.. محور اهتماماتها - مهما بلغ وعيها - أن تجد لابنها بنت الحلال ((تضبط شبابه)) وتصنع استقراره، وتمد في تاريخ الأسرة!
ـ الشاب ذاته.. طرفه الأول مادي يهتم بالدخل، وبالفيلا، وبالسيارة، وبالمظهر ((الأنيق)) كرجل اجتماعي ومرموق. وطرفه الآخر.. يتخبط في الأحلام، وفي خفقة الصور والتطلع إلى أنثى تحقق أمنية أمه، لأنه يحب أمه، ولأنه يحلم أن يصنع أماً أخرى!!
ثم.. بحجم أبسط قضية اجتماعية.. تصبح الحياة كلها قضية.. تهيجها المفارقات والفشل والنجاح، والخطوة والشلل، والفرصة وضياعها، والاختصار لأشياء كثيرة كان المؤمل لها أن تتسع!!
.. ورأيت على وجهه كآبة كأنها بثور، وفي عينيه بقع كأنها خروم، وحاولت أن أطاوعه لأطوعه فسألته:
ـ ما الذي ضاع منك؟!
ـ لا شيء كسبته أو شيدته!
ـ قلت: وما الذي فعله وجودك طيلة هذه السنوات التي اسمها عمرك؟!
ـ قال: أشياء لا تحصى.. ربما نسيتها كلها لأنه لا شيء واحد منها كان له حجم القاعدة.. درست وتخرجت. مات أبي فبكيت.
رأيت أمي وحيدة فتزوجت من أجل أن لا تكون وحدها. اشتعلت الخلافات فطلقت. ما تعلمته لم يفدني في لحظات الوعي الداخلي بيني وبين نفسي ومفاهيمي، طرأ على بالي رأي غريب ذات ليلة يقول:
إن ((الهواية)) هي تطور الإنسان وابتكاراته، وليس لي هواية سوى القراءة.. أصبحت كالمكتبة المكتظة بأندر الكتب وأغلاها.. لكن أحداً لم يحاول أن يفتح أبوابها وينفض عنها الغبار!
ـ قلت: ولماذا لم تفعل ذلك أنت.. تفعل الدخول من داخلك؟!
ـ قال: حاولت. موهبتي أن أفهم ما أقرأه فقط، ولكنني عاجز أن أمثل هذا الذي قرأته، وأجعله ينطق، ويتبلور، ويخرج شيئاً جديداً.
ـ قلت: ربما كنت لا تثق في نفسك.. عالج نفسك!
ـ قال: بل إني لا أثق في ((جدوى)) ما يفعله الناس، فنحن نفكر في شيء وننفذ ضده، ونحن نشعر بشيء ونتعامل بنقيضه. ونحن نتأكد من شيء ولكننا ندحضه رغم أنه مؤكد في أعماقنا!
ـ قلت: هذه المشكلة.. فما أبعادها، وما حلولها؟!
ـ قال: أما أبعادها.. فالأرق وعدم الثقة في الآخرين وفي تصرفاتهم، وضبابية الإحساس فيضيع الصدق في أغوار كهوفنا النفسية. أما الحلول.. فإنها تبدو كمحاولتنا لإثبات إنسانيتنا، وطيبتنا، وصفائنا.. أشياء ((نظرية)) نتحدث عنها ولا نطبقها!
ـ قلت: هذه نظرة أغرقها التشاؤم، وأنت شاب في عنفوان الأشياء كلها، فلماذا لا تتفوق على توقفك هذا وتقوده بدل أن يقودك؟!
ـ قال: ما هو التشاؤم؟!.. أليس هو فقدك لأشيائك الغالية، ولمواقفك الناصعة، ولأحلامك العذراء. أليس هو التحديق في ((بعد)) واحد بعد أن ضاعت كل أبعادك الباقية؟!.. لماذا ، إذن نصفه بهذه القذارة، ولا نحاول أن نعترف؟!
ـ قلت: بينك وبين الاعتراف بأبسط ما تراه، أو ما تعتقده إرهاق مدمر لا يحتمله إلا الإنسان المشاكس لكل التناقضات، فلماذا لا تبسط التناقضات، وتحدد تناولاتك لها!
ـ قال: تسألني نظرياً، ونحن لا نعيش في عصر جدلي. ربما كان أسوأ من ذلك لأنه عصر مادي.. لكن شجاعة التحديد للأشياء هي القضية.
.. ومضى الشاب من أمامي، وكان كل شيء لحظتها يعبر كالرمح!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :711  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 331 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.