شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
زوج شقي!
* تعوَّد ((خالد)) أن يغفو بعد الظهر.. يتغذَّى وينام حتى حلول موعد صلاة العصر، فيستيقظ ويصلي، ويجد في انتظاره كأس الشاي الذي تعده له زوجته.
ويبقى ((خالد)) في هذه الفترة يشاهد ابنه ((فارس)) وهو يتابع برج الأطفال والكرتون، ويحاول أن يقلد ما يراه. إنها لحظات سعيدة لا يفرط فيها هذا الأب الفرح بابنه البكر. فيقضي فترة ما بعد العصر حتى بعد المغرب يلاعب طفله، ويتجاذب الحديث مع زوجته، وكأس الشاي.
لكن ((إلهام)) اليوم تبدو في مزاج متقلب. سألها زوجها:
ـ هل أنت متعبة؟
ـ قالت: أحس بالتعب، خاصة بعد مرات التقيؤ في اليومين الماضيين. جسدي مكسَّر، أو كأنه قطعة زجاج.
ـ سألها: نفذت تعليمات الطبيب؟
ـ قالت: أحاول.. أصل شغل البيت يضطرني أحياناً لمضاعفة الجهد.
اندهش من قولها. اقترب منها ووضع يده على كتفها، وهو يواصل حواره معها:
ـ شغل البيت ما هو أهم من صحتك. بعدين أنت مسؤولة عن شخص آخر تحمليه لي داخلك.
ـ قالت: والله ماني عارفه يا ((خالد)).. إحنا محتارين مع الأول ((فارس)) تفتكر كيف تكون حالتي ومعايا طفلين؟
ـ قال مبتسماً: من فضلك.. طفل وطفلة.
ـ قالت: الله كريم.
ـ قال: ومالك بتتكلمي كده بقرف.. إفرحي يا شيخة، حتى دول الأطفال أحباب الله.
ـ قالت: أحباب الله.. إنما يحتاجوا لخدمة، ويد واحدة ما تصفق يا حبيبي.
ـ قال: آه.. جينا للكلام العميق.. والله التأشيرة راحت، وكلها أيام والخادمة تكون عندك. فرفشي كده. على فكرة.. أنت نسيتي والاّ إيه؟!
ـ قالت: نسيت إيه؟
ـ قال: الليلة إحنا مدعوين على العشا عند أختي.. أفتكر عيب نعتذر في الوقت ده!
ـ قالت: أنت عارف إني أحب أخرج، لأني طول اليوم في البيت ومع المطبخ والغسالة، والكنس، بس أنت فيك طبع وحش يا ((خالد)).. لا مؤاخذة يعني.
ـ لأ.. قولي. ما هو طبعي الوحش يا سيدتي؟
ـ حضرتك.. يتجمع مزاجك كله مع منتصف الليل، لحظتها تحب السَّهر والجماعة، وتحب تجلس لآخر السهرة.
ـ حسب الجلسة.. بعدين أنا رجل اجتماعي، والسهر ما يحلى إلاّ بعد منتصف الليل!
ـ يعني أنا اللي ست انغلاقية؟.. إنما أنا بأصحى بدري مع ((فارس))، وبأكون تعبانة طول النهار، ومطلوب مني أصحى بدري علشان أجهز لك فطارك.
ـ بالاختصار.. نروح، والا ((فيتو))؟
ـ فيتو إيه.. دي أختك لو مارحنا تعملنا ثغرة زي ((الدفرسوار))!
ـ وبعدين في التلبيخ العائلي.. وإنت إيه اللي ذكرك بالدفرسوار.. امرأة سياسية حضرتك؟!
ـ امرأة ست بيت، وست البيت الحقيقية تعبانة وتفكر في الثغرات!
ـ أنا شخصياً عندي ثغرة واحدة بس، أهتم بها وتسعدني.. تعرفي اسمها إيه؟
ـ إذا من كلامك إياه.. بلاش، أنت أحياناً قليل أدب!
ـ يا سلام.. يعني كل الشعراء قليلين أدب؟.. أنا أقصد الثغرة اللي على خدك، اللي يقولوا عنها ((النغزة)).. تجنن لما تضحكي!
ـ وأنت تجنِّن لما تكون صافي ومبسوط.. أحس أنك رجل نموذجي وبتموت في.
ـ أموت بس؟.. ده أنا والله العظيم........
ـ (تقاطعه): كفاية، لا تكمل.. إنما أتذكر قسمك لما تكون زعلان.. شوف نفسك في المرآة وأنت العبوس القمطرير.
ـ هاتي إيدك!
ـ ليه.. إحنا كده أصحاب.. راح تقرا لي الكف يعني؟
ـ هاتي بس، وما راح تندمي!
ـ واحتوى كفها بين كفيه، يقربه من شفتيه، وطبع قبلة.. كأنه يوشم كفها بشفتيه.
ـ أغمضت ((إلهام)) عينيها كأنها في حلم جميل.. ثم ما لبثت أن انتفضت فجأة، وسحبت يدها من. صدر زوجها، ونظرت إليه مبتسمة وعاتبته:
ـ إيه.. أيها المجنون بليلى.. إنت نسيت ولدنا ((فارس)) شوف بينظر لنا كيف؟
ـ ما ينظر أو ينتظر.. ثقافة!
ـ أنت مجنون بجد.. عيب كده!
ـ هو فين العيب.. لما نكشر ما نعجب، ولما نغازل ما نعجب.. الرجال احتاروا يا عالم!
ـ قوم، أفرد طولك وافتح دولاب ملابسي، وأنا أشير على الفستان اللي راح ألبسه، وأنت تطلعه.. ياللا!
ـ حاضر.. إنما بشرط.
ـ شرط في عينك.. أقول لك الولد صاحي!
* * *
شارفت الساعة على الواحدة والنصف بعد منتصف الليل.. و ((إلهام)) تزايدت تثاؤباتها، وبين لحظة وأخرى تلكز زوجها في يده، وتشير له بعينيها إلى الساعة.. لكن ((خالد)) فيما يلوح قد استمتع بالجلسة، ولم يلحظ امتداد الليل، والإرهاق الذي بدا على زوجته، وابنهما ((فارس)) قد توسَّد ذراعه ونام على الأرض.
وقررت ((إلهام)) أن تحسم الأمر.. فرفعت صوتها مضطرة، تعتذر:
ـ معليش يا جماعة.. جلستكم ما تمل، إنما الوقت اتأخر، والا إيه يا ((خالد)) أحسن نمشي؟
ـ لاحظت إلهام، أن وجه زوجها قد امتقع، فقد فاجأته بهذا الحسم، وكان يعرف أنها ترغب في الانصراف من تعدد لكماتها له، وشعر بالحرج.. فقام مستأذناً وهو يقول:
ـ ياه.. صحيح إحنا اتأخرنا، وكمان سهرناكم.
حمل ((خالد)) طفلهما على كتفه، ونقله إلى العربة، ووسَّده فوق المقعد الخلفي، وتحرَّك بالعربة صامتاً، و ((إلهام)) تنظر إلى وجهه. وقررت أن تكسر هذا الصمت:
ـ إيه.. مالك، زعَّلتك يعني؟
ـ زعلت من طريقتك في إنهاء الجلسة.
ـ يعني تفتكر كنا راح ننام عندهم؟.. بعدين أنا أستأذنت بلباقة، والناس نفسهم إننا نمشي لأن أختك كانت تتثاءب!
ـ وأنت كمان.. يمكن نعست. لكن.. ما هي لطيفة لما تقولي قدامهم نمشي.
ـ آه.. آسفة، لازم الرجل هو اللي يؤمر؟
ـ بلاش تريقه من فضلك.
ـ ما هو أنت السبب، وعارف أني تعبانة، وأني......
ـ (قاطعها): خلاص.. مافي لزوم للموشح، إذا كان آخر السهرة عكننة، بلاش نسهر مرة ثانية، ونجلس في البيت أحسن!
ـ يا الله عليك.. ما تفوت حاجة أبداً، وأنا بأحاول أرضيك وأنا تعبانة!
ـ متشكر.. بس لو كانت السهرة عند أختك....
ـ (قاطعته): كم مرة طلبت منك تبطل حكاية أهلك وأهلي.. إحنا كلنا عائلة واحدة، وأختك أختي، لكن.. كل اللي أطلبه منك أنك تعمل حسابي ولا تطول السهرة.
ـ من فضلك.. كفاية كده الكلام في الموضوع ده.
* * *
لزمت ((إلهام)) الصمت.. لكنها بعد دقائق كانت تعاني فيها من الضغط على أعصابها، لم تستطع أن تكبح فرار دموعها من عينيها. كانت دموعها تلمع في ظلال الليل كحبات نجوم!
ولم تفت ((خالد)) الالتفاتة إلى زوجته، فقد شاهد دموعها، لكنه لم يرد أن يتكلم حتى بلغا البيت.
واستبدل كل منهما ملابسه، واستلقى على السرير. أدارت ((إلهام)) وجهها إلى الناحية الأخرى لتنام. وفي صمت الليل.. همس ((خالد)):
ـ أنا آسف.. كم مرة قلت لك لما أغضب لا تجادليني.
لم ترد عليه ((إلهام))، ولكنها تحرَّكت فوق السرير لتشعره أنها متيقظة لم تنم بعد..
ـ قال: سؤال محيرني.. هُمَّا كل الستات لما يزعلوا من أزواجهم يأخذوا وجوههم معاهم للناحية الثانية؟!
ابتسمت ((إلهام)) دون أن يراها، ولم تجبه.
ـ استطرد: طيب.. أنا كمان أدير وجهي للناحية الثانية، وأغيظك.
استدارت نحوه، وقالت:
ـ إنت تبغي إيه بالضبط.. ما تنام. تنكد علي وتصالحني.. لعبة أنا؟
ـ لأ.. عروسة، وأنا طفل.. خلاص سماح لا تكوني قاسية.
ـ خلاص سماح.. تسمح تنام، ما كفاية سهر يا أبو راس مصفح؟!
ـ أنام.. إنما بعد ما تصالحيني.
ـ أنا صالحتك أهو. نام يا أخي.. أنت زوج شقي!
ـ لأ.. صالحيني تحريري ما هو شفهي!
ـ الله يهدك يا مفتري.. هاه، ودي صلحة.
ـ أنا طماع.
ـ وأنا قنوعة.
ـ دمك ثقيل.
* * *
ـ وعلت ضحكاتهما.. تتجاوز سماء الغرفة، وفي أصداء الضحكات كانت ساعة الحائط تدق معلنة الرابعة صباحاً!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1057  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 78 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج