شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((السندويتش)) الثاني!
* انتصف الليل في مدينة ((جدة)).. ومازالت حركة السيارات نشطة، ويحلو للشباب في هذا ((المنتصف)) أن ينطلقوا بعرباتهم كالسهام العمياء.
في حين أن ((خالد)) يمسك بمقود عربته، كأنه يتشبَّث به، وهو يحوقل معترضاً على أسلوب هؤلاء الشباب في قيادة سياراتهم، وجنون مزاحهم فيما بينهم، والتسابق.. ولا يخفي ((خالد)) تخوفه من تهور بعض السائقين، فقد يخبطه سائق شاب منطلق بعربته!
وتضحك ((إلهام)) من تخوف زوجها، وتسخر منه قائلة:
ـ ما هو أنت شباب أيضاً.. والاَّ كل اللي يتزوج يشيخ؟
ـ قال لها: البركة في الزواج!
ـ قالت: تعني أن الزوجة هي اللي بتشيِّب الزوج، والا العكس صحيح يا مبارك؟
ولم يرد عليها.. فقد أطلق عبارته الاستفزازية وصمت، لأنه كان يعاني من استفزاز السرعة التي يمارسها الشباب على الطريق، ويبدو عليه التوتر منذ خروجهما من السهرة.
ولفهما صمت مؤقت.. و((فارس)) ينام قريراً في حضن أمه. وتجاوز ((خالد)) في طريقه مطعماً يبيع ((السندويتشات))، وفجأة قالت له زوجته: لحظة من فضلك يا خالد.. توقف.
ـ فيه إيه؟
ـ أصلي بصراحة ما عرفت اتعشى في بيت أختي!!
ـ انبهرتي بجمال بنت أختك المولودة؟
ـ وبعدين.. راح نفتح الموضوع تاني؟.. أنا بدي سندويتش من المحل اللي تعديناه.
وعاد ((خالد)) بالعربة إلى الوراء، وتوقف قريباً من المطعم، وبقي جالساً أمام مقود السيارة. اندهشت ((إلهام)) وهي تقول له:
ـ الله.. ما تنزل تشتري ((السندويتش))؟!
ـ آسف.. أنا تعبان وماني جوعان. انزلي أنت؟
ـ أنا؟ غريبة.. كيف أنزل أنا وأنت جالس في السيارة؟
ـ وفيها إيه.. نوع من المساواة بين الرجل والمرأة.. ليه دايماً أنا اللي اشتري، اعملي كدة أنت مرة واحدة؟
ـ يعني علشان قلت لك جوعانة؟.. خلاص شبعت!
ـ نفسي أشوفك تعملي شيء بنفسك خارج البيت!
ـ والولد النائم في حضني؟
ـ حطيه بشويش على المقعد.
ـ توترت ((إلهام)) بعناد.. وضعت ((فارس)) على المقعد، ومدَّت يدها إلى جيب زوجها، وتناولت نقوداً، وخرجت تتحدَّاه لتشتري لها سندويتشاً.
وعندما عادت من محل ((الشاورما)) رأت ابنها يصرخ بالبكاء، وأخذته إلى صدرها تهدهده، وهي تنظر شذراً إلى زوجها. قالت:
ـ يهون عليك تخليه يبكي وما تحمله.. كأنك ولا أنت هنا؟
ـ يعني أعمل له إيه.. يبحث عن أمه!
ـ يا سلام!.. اشمعنى لما تكون مشتهي أكلة في البيت، تمسكه بالساعة، وتلاعبه، حتى تعطيني فرصة أطبخ؟
ـ ساعتها يكون مزاجي رايق وماني تعبان!
ـ تعرف إنك أناني وقاسي كمان؟
ـ أمشي.. والا نوقف حتى تاكلي السندويتش؟!
ـ سندويتش دا، والاّ سُمْ سقطرى، وهادا السندويتش!
وقذفت به من نافذة السيارة. وحرَّك ((خالد)) السيارة، وانطلق متوتراً في اتجاه البيت!
* * *
ولم يتبادلا في تلك الليلة أية كلمة.. كل منهما أدار ظهره للآخر، ونام!
ولكن ((إلهام)) بقيت قلقة، متيقظة.. تفكر في الأسلوب الاستفزازي الذي أخذ يتبعه معها زوجها من فترة. كانت تحاور نفسها في صمت الغرفة والليل.. دون أن تصل إلى نتيجة.
هل تبدل زوجها.. ولماذا؟
في بداية الليل، افتعل معها خصاماً من كلمة مازحة قالتها بلسان أمها عن زواج ((فارس)) من ابنة أختها عندما يكبر، وهي كلمة تقال داخل الأسر المتراحمة، ولكن ((خالد)) لم يطقها!
ولم تهدأ حيرتها.. حتى غلبها النعاس، حين كانت ترى في عينيها وجه طفلها ((فارس)) أجمل ما في دنياها، وهو يكبر رويداً، ويتخطى عامه الأول.. ولكن ((خالد)) يشعرها وهو متوتر وعصبي وكأنه نادم على الاقتران بها، وعلى إنجاب هذا الطفل!
لعلها هواجس، أو إسقاطات الغضب عندما تثور الأعصاب!
استيقظت ((إلهام)) مبكِّرة، وهي تشعر كأن معدتها كلها قد قلبت، وركضت تجري إلى الحمام. تقيأت.
صحا ((خالد)) على صوتها في الحمام.. فهرع إليها. وأمسك بها، وغسل لها وجهها بالماء، وهو يقول قبل كلمة ((صباح الخير)):
ـ هذا فضل السندويتش!
ـ أجابته بإعياء: سندويتش إيه.. هو إنت داري عني، من يومين وأنا على هذا الحال!
وضع يده على كتفيها، وضمها إليه، وساندها في المشي، وهو يقول:
ـ يعني إيه.. ما تروحي للدكتور؟
ـ أنا عارفه يعني إيه، والطبيب ماله لزوم.
ـ ليه.. عارفه إيه؟
ـ عارفة الهم الجديد اللي بيعذبك أنت!
ـ هم جديد إيه.. ويعذبني إيه، ما تتكلمي عربي؟
ـ أنا... حامل
ـ أهلاً... لو زغردتُ في هادا الفجر، يقول الجيران عني مجنون!
ـ من جد، نفسك تزغرد.. فرحان يعني، والا....؟!
ـ قصدك علشان بنتخانق.. لأ، دا شيء، وتكوين قبيلة باسمي شيء آخر!
ـ بس أنا ما تحولت إلى أرنبة!
ـ لسه.. أنا بدي ستة!
ـ ليه.. بدك تحارب بهم في فلسطين؟
ـ والله ماني داري.. فلسطين، والا لبنان، والا العالم العربي، المهم... مبروك يا أحلى أم.. يا حبيبتي.. يا عيوني.
ـ كفاية.. سندويتش واحد ما هانت عليك نفسك تنزل من السيارة وتشتريه!
ـ ما كنت أعرف أنك في مرحلة وحام!
ـ ولو.. ما قلت لك إنك أناني.
ـ آسف.. كنت متوتر من الهيصة اللي كانت لي في بيت أختك.
ـ وإنت مالك.. الناس أحرار، يفرحوا على كيفهم، والا البنت ما عجبتك في شكل عروسة لابنك؟!
ـ بلاش نفتح الموضوع.
ـ لأ.. نفتح أبوه وعيلته، قل لي سبب واحد منطقي؟
ـ قلت لك.. أسباب صحية، ويمكن وراثية.
ـ وليه.. لا أختي عندها أمراض، ولا زوجها.
ـ إحنا نتخانق من بدري ليه.. يمكن البنت لما تكبر ترفض ((فارس))!
ـ أنت رجل زئبقي!
ـ وأنت امرأة قشطة.. زبدة!
ـ ما يغريني غزلك.
ـ وما تجهزي الفطار كمان؟
ـ لازم، لأنه واجبي.
وقامت من مجلسها، وإذا بها تضع يدها على فمها، وتركض نحو الحمام مرة أخرى. ولحق بها.
* * *
ارتدت ((إلهام)) ملابسها بعد صلاة العصر، رافقت زوجها إلى المستشفى.
أخبرها الطبيب أن الحمل ثابت، ولكن.. عليها أن تختار الطعام الذي تتناوله في الشهور الأولى.
قالت لزوجها حين خروجهما من المستشفى:
ـ سمعت الدكتور قال إيه.. باين عليه غلس!
ـ مين الدكتور؟
لأ.. المحفوظ، والا المحفوظة التي راح تشرف وتحمل اسمك!
إذا كان الجنين. بنتاً.. فلن تكون غلسة.
ليه.. سبحان الله؟
علشان إنها بنت.. البنات حلوين.
بس الأولاد أكثر فائدة، ويحيوا ذكرك واسمك.
أنا بدي بنت حلوة زي أمها!
أنا لازم أحمل كل يوم علشان تمطر عليَّ محبتك.
يا أجمل أرنبة!
يا أحن ذئب!
بدك اشتري لك سندويتش يا عيوني؟!
لأ.. أشتري لنفسك لأنك راح تجوع كتير!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1167  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 77 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.