شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عروس الولد!
* عاد ((خالد)) من رحلة باريس. لم يغب عن بيته أكثر من أربعة أيام.. اشتاق فيها لابنه ((فارس)) ولزوجته.. برغم أنه كان يتصل يومياً بالهاتف.
كان يبتسم وهو داخل الطائرة في طريق عودته. تذكر أيام العزوبية، ورحلاته الكثيرة، وسهراته في لندن وباريس، وعواصم أخرى.. واليوم. يجد نفسه في شعور مختلف. حاول أن ينجز مهمته، ويختصر الأيام، ويعود.
وجَّه اللوم إلى نفسه كثيراً منذ أن وصل ((باريس)) لأنه قسا على زوجته في ((الخناقة)) الأخيرة. كان قد فكر في تلك الغضبة ليسافر مخاصماً، وبالخصام يبرر مدة أطول لبقائه في ((باريس)) وللاستمتاع بالرحلة.. لكنه اكتشف أنه لا يطيق ذلك.. لم يعد ذلك الشاب المنطلق، العابث، المرح.. كلما فكر أن ينطلق ليسهر مع أصدقاء له وجدهم هناك، ما يلبث أن يطالعه وجهان: إلهام، وفارس!
احتد في نفسه ذات ليلة، وهو يحاول الخلاص من هذا التسلُّط.
قال:
ـ وبعدين.. أنا وحدي الآن، ولا بد أن أستمتع.
وفي منتصف السفرة.. ترك المكان، واختفى في فندقه ونام.
ـ عجيب.. هل هو الحب، أم القناعة بما أعطاني الله؟!
ساءل نفسه، ولم ينتظر الإجابة.. فقد كان يشعر بشوق حقيقي لبيته.
* * *
وجاء ((فارس)) يرمي بجسمه الغض في حضن أبيه، ويمسك بشاربه الكث كأنه يقول له: لقد اشتقت إليك.
ـ جبت لك هدية تجنن.. تعال نفتح الشنطة.
وأصر ((فارس)) أن يفتح الحقيبة بيده الصغيرة دون جدوى، وهو يقول لأبيه فرحاً:
ـ نوب.. نوب.
ـ قال خالد يسأل زوجته: نوب إيه.. ماني فاهم؟
ـ قالت: يقصد ((أرنوب)) لعبته.. يمكن منتظر لعبة زيها.
ـ قال خالد: جبت لك لعبة أحلى.. تعال شوف!
وناوله علبة مليئة بالمربعات الملونة. و ((فارس)) يقهقه، ويقذف بكل مربع إلى جهة من الغرفة.
ـ قالت إلهام: بالله دي لعبة يعرف لها.. دا صغير يا خالد، وعقله محدود!
ـ اللعبة دي تفتق عقله.. لازم يحاول فيها علشان يبني منها بيت، وينجح في تركيبها.
وانشغل ((فارس)) بالمربعات الملونة، بعد أن حاول والده أن يدله على الطريقة بأسلوب مبسط يتفق واستيعابه.
وتطلع ((خالد)) إلى زوجته:
ـ أما هديتك يا أم فارس.. أعترف أنها حيرتني.
ـ عجيب.. يعني تفهمني إنك ما عندك خبرة بذوق الستّات؟!
ـ حرصت أن أحضر لك هدية تتفق وجمالك!
ـ إيه دا كله.. دا غزل باريسي طازج!
ـ صدقيني الجمال العربي أحلى.. الوجه العربي معبِّر وجذَّاب.
ـ والجسم الأوروبي؟!
ـ رشيق طبعاً.. بس لو تمشوا يا ستات يا عربيات، لو تعتنوا بالأكل!
ـ وبعدين يا خالد؟!
ـ تعالي شوفي هديتك.
ـ الله.. دا فستان سهرة يجنن، وباين عليه غالي جداً يا خالد.. ليه كده؟
ـ ما يغلى عليكي شيْ.. كفاية إنك نجحت في السيطرة على فكري وأنا مسافر.
ـ بتتكلم جد، والا... مجاملة؟
ـ صدقيني.. هناك وأنا وحدي في غرفتي بالفندق، تذكرت أيام الزواج، وشعرت بالحنين لك، واستعدت اللحظات اللي بنتخانق فيها.. ليه أزعلك، ليه تزعليني، خاصة وأنا أفتكر منظر ((فارس)) في حضنك وإنت تبكي وهو يصرخ، وأنا مزعلك. معقول نختلف ومعانا الطفل الجميل دا؟
ـ معليش.. المصارين في البطن بتتخانق!!
ـ صحيح.. إنما الرجل يا حبيبتي له حقوق على الزوجة، والزوجة أيضاً لها حقوق على الزوج، مهما كان حب كل واحد منهما لأول العنقود!!
ـ خلاص لا تفكرني.. أصلك لما تزعل تبقى وحش!
ـ أنا؟!.. وإنت لما تركبي أعصابك تبقي هدير!!
ـ طيب.. قل لي إنت تطلب إيه يا ذئب؟!
ـ أنا ذئب.. ليه؟ والله مستقيم، حتى أسألي باريس!!
ـ كل رجل أمام المرأة.. هو ذئب!
ـ قاعدة دي، والا نظرية؟!
ـ قاعدة والاَّ واقفة.. دي طبيعة الرجل!
ـ أختلف معاك. التعميم هنا خطأ، هناك المشاعر اللي بتكون فوق الغرائز، وتكون أسمى منها. يعني الرجل يفرح بكلمة حلوة، بابتسامة، بنظرة تفيض بالحنان، بلمسة يد.
ـ إيه يا خالد ((فلنتينو)).. سرحت كده مع الغزل، وكأنك طفل.. أنا خلَّفت ((فارس)) وخلَّفتك كمان والا إيه؟!
ـ الرجل طفل في عواطفه.. كل شيء فيه يكبر: أفكاره، عقله، مداركه، صلابته، قدرته.. لكن عواطفه تبقى في أعماقه، عواطف طفل.. يحتاج للحنان، وللرعاية، وللكلمة الحلوة، وللمسة رقيقة.. والمرأة بالنسبة للرجل هي وحدها التي تمنح كل ذلك!
ـ خلاص يا حبيبي.. بدك شوكولاته؟!
ـ رجعنا للسخرية.. ما عندك لحظة جد، ولحظة حب ناعمة؟!
ـ والله الولد مغلبني يا خالد، والله مغلبني أكثر إني بأفكر في مستقبله!
ـ في إيه.. مستقبله من الآن؟!
ـ لازم.. الدنيا مقلوبة ما عاد هناك ثبات.
ـ دائماً الدنيا مقلوبة، وحتى النهر لما يركد يأسن. لازم من الحركة، والتغير؟!
ـ لكني أم.. أخاف على ولدي.
ـ طيب وأنا.. زوجك وحبيبك، وطفلك الكبير؟!
ـ أنت برضك همي.
ـ أنا هم؟!
ـ لازم أرضيك، وأريحك، وأسعدك. وبالإضافة لهذا كله أعرف مطالبك الخبيثة!!
ـ مطالبي غير خبيثة.. ولا بد أنها تكون مطالبك، والا تكوني إنسانة غير طبيعية.. غير البشر!
ـ طيب.. عندي اقتراح في هذا المساء الجميل.
ـ اطرحي.. انما حافظي على أعصابي.
ـ علشان كده.. تسمع موسيقى؟
ـ يا سلام.. وتلبسي اللي جبته لك مع الفستان!
ـ أنت جبت حاجة تانية وساكت، ورِّيني جبت إيه؟
ـ جبت رسالة من تحت الماء!
ـ آه.. رسالة من تحت الماء، بعد منتصف الليل!
* * *
وتعالت ضحكاتهما.. لم يقطعها سوى رنين الهاتف. وخفَّت ((إلهام)) تجيب على الهاتف:
ـ ماما.. أخباركم إيه.. ها.. ما هو معقول!
ـ قاطعها خالد: إيه هو اللي ما هو معقول؟!
ـ إستنى يا شيخ (وتكمل حديثها مع أمها): أيوه يا ماما.. إن شاء الله ما تعبت. والله بشارة حلوة. الآن أجيكم أنا وخالد. مع السلامة.
ـ سألها خالد: طمنيني.. إيه الحكاية؟
ـ اختي ولدت يا خالد.. جابت بنت زي القمر، وماما قالت لي: أختك جابت عروسة لفارس!
ـ وانطلقت إلى دولاب ملابسها لتبدِّل ثيابها. وصوت ((خالد)) يلاحقها:
ترى اسمعي من الآن.. ولدي ما يتجوز بنت أختك!
(ضاحكة): إنت بتتكلم جد.. ما أصدق؟!
باتكلم جد.. وبلاش تكبِّروا الحكاية من الآن!
أما حالك غريب.. بدل ما تقول مبروك؟!
زواج الأقارب صحياً لا ينفع!
يا سيدي.. أنت شايف المأذون واقف على الباب.. لما يكبروا يحلَّها الحلال، وبعدين ماما بتمزح!
أختك متزوجة واحد أجنبي!
يا سلام.. كان يهودي يعني؟
لأ.. إنما العادات مختلفة!
ـ أنت عامل الموضوع قضية.. قوم ألبس وأفرد وجهك.. يا أخي راعي إحساسي على الأقل في لحظة فرحتي الأولى بأختي!
ـ أنا ما بدي أزعلك.. ومن بدري تعرفي رأيي!
ـ أفرض لما يكبر ((فارس)) يحبها، وطلب منك أنك تجوزها له؟
ـ الحب كلام فارغ.. قال حب، قال!
ـ الحب كلام فارغ. وأنت عايش بإيه؟
ـ عايش بعقلي!
ـ الله يكملك بعقلك.. قوم وصلني عند أختي، أحسن لا ينقلب كلامنا غم كالعادة!
ـ أنا كلامي غم؟!
ـ من فضلك.. في السيارة نكمل الكلام!
ـ لا تزعلي.. أنا عندي وجهة نظر.. زواج الأقارب فيه مشكلات، وأيضاً لا ينصح به صحياً!
ـ يا حبيبي.. كل اللي اتزوجوا من الأقارب حصل فيهم إيه؟!
ـ انعكس على أطفالهم!
ـ يا الله نمشي.. وبعدين نتناقش، إنما بالعقل، وبدون عصبية!
ـ والآن... ما تجيبي قُبْلة؟!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1185  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 76 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.