شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
دموع فارس!
* للمرة الثانية يتركها ((خالد)) وحدها ويسافر بعيداً عنها!
كانت المرة الأولى عندما انتدبت الشركة زوجها لإنهاء بعض الأعمال في ((الرياض))، ولم تكن المسافة بعيدة بين الرياض و ((جدة)).. وعاد ((خالد)) إليها بعد. أيام لم تطل، ولكنها عانت فيها من الفراغ والشوق لزوجها، كما عانت أيضاً من مسؤوليتها وحدها عن طفلهما ((فارس))!
هذه المرة أخبرها ((خالد)) أنه سيسافر إلى ((باريس)) في مهمة.. وحاولت أن تقنعه باصطحابه لها ومعهما ((فارس))، غير أنه رفض هذا الطلب، متذرعاً بأن المهمة لا تستغرق وقتاً طويلاً، بل هو سينجز عمله في أقل من أسبوع، ويعود.. والتليفون بينهما يقرب المسافة ويمتص الشوق بعد أن أصبحت الخدمات الهاتفية ميسرة!
وجلست تتذكر شهر العسل.. يومها لم يستطع ((خالد)) أن يخرج بعروسه ((إلهام)) من حدود بلدهما، فالتذكرة مرتفعة السعر إلى أوروبا، وإمكاناته المادية محدودة. وقنعت أن يمضيا شهر العسل في داخل بلدهما، وكانت سعيدة، طالما أن ((خالد)) بجانبها.
وأثارت فكرة سفر زوجها غيرتها من جديد:
ـ كيف سيكون وحده في باريس طوال أسبوع.. إنه في لهب الفتنة!؟
ولكنها ترجع إلى صوابها مرة أخرى، وتقول:
ـ لا.. أعرف أن ((خالد)) يحبني كثيراً، وهو شاب مستقيم، ولو لم يقرر الاستقامة.. لما أقدم على الزواج!
ابتسمت لهذا الإقناع الداخلي منها وإليها.. ولكنه إقناع مذبذب، ما يلبث أن يهتز بين لحظة وأخرى.. وجلست وحدها تبكي!
تذكرت كيف كانت أيام زواجهما الأولى.. وكيف فاضت السعادة من حفافي نفسها!
كانت تفكر أيضاً في طفلهما ((فارس))، ومدى حب والده له، وتعلقه به. صحيح.. ولكن ((خالد)) يذعن لواجب العمل والمسؤولية، وهو يطمح أن يصبح مسؤولاً كبيراً في الشركة، ويتطلع إلى تنمية موارد عيشهم داخل هذا العش الصغير، ولابد أن من واجبات الزوجة: إعانة الزوج والوقوف بجانبه لتحقيق طموحه.
وكانت تسترجع أحلامها القديمة، وتتوقف عند اليوم الأول الذي ولد فيه طفلهما ((فارس))، وفكرتها عن قدوم الطفل الأول الذي يمثل في حياة كل زوجين تثبيت الرباط المقدس بينهما!
إن ولادة الطفل الأول ستعطي حياتهما ذلك المعنى الحقيقي والجميل لتعميق روابط هذه الأسرة الصغيرة التي تكبر مع الأيام! ولكنها- أيضاً- اكتشفت أن مشكلات صغيرة بدأت تولد مع ميلاد الطفل، وكل خوفها أن تكبر تلك المشكلات، وأن تتضخم!
ومن الملاحظات. التي اكتشفتها ((إلهام)) بعد مرور عام على زواجهما ودخولهما في العام الثاني: أن زوجها ((خالد)) انفعالي، كثير الغضب في بعض الأوقات، وللحق فإنها لا تظلمه.. فهو عندما يكون هادئاً يبدو مريحاً، وودوداً جداً.. لكنه لا يتحكم. في أعصابه حينما ينفعل!
ومنذ اكتشفت هذه الصفة فيه، وهي تحاول أن تعالجها تارة، وتحاول أن تمنعها تارة أخرى، برغم أنها لا تقل عنه عصبية، وهذه النقطة قرأت عنها.. فالمطلوب أن تأتي زوجة هادئة للرجل العصبي، وبالعكس، وقراءاتها دلتها أيضاً إلى وقفة أخرى.. فإذا كان الحب موجوداً بين الزوجين، فلا بد أن يحتمل الطرفان تجاوزات كل طرف منهما!
* * *
وعاد ((خالد)) من عمله، ولاحظت أنه لم يحادثها كثيراً. تناول طعامه، واختفى في غرفة النوم ليرتاح، وكأنه يعلن عن قطيعة بينهما!
وعانت من الدهشة أمام تصرف زوجها.. خاصة وأنه سيسافر في فجر اليوم التالي!
وحاولت أن تغفو بعد الغداء في وقت القيلولة.. لكنها لم تستطع، لأنها كانت متوترة، وحزينة.. فهي لم تغضبه في الليلة السابقة وهو يخبرها عن رحلته إلى باريس.. ربما غضب من كلمة قالتها له حينذاك:
ـ بدأت أسفارك، وتتركنا وحدنا.. فخدني وفارس معك!
وتركت دمعة ساخنة تفر من حدقتيها، ولكنها تحتار.. لا تدري إن- كانت تبكي على فراقها له بضعة أيام، أو أنها تبكي حين رفض اصطحابها وابنهما فارس، أو تبكي لجهامته التي عاد بها من العمل، كأنه يشعرها بتأثره واحتجاجه على حوارها في الليلة السابقة عن سفره.
وتركت سريرها.. لم تتمكن من الإغفاءة، بينما ((خالد)) يغط في نومه كما تعود بعد الغداء من كل يوم، ووعدت نفسها أن تصالحه عندما يستيقظ برغم كثافة حزنها على سفره. وقامت إلى ابنهما ((فارس)) وبدلت له ملابسه، وعطرته، وبدا الطفل كما وردة متفتحة.. يضحك وهو لا يعي ما يدور حوله.
وعندما استيقظ ((خالد)) من نومه، حملت إليه ((فارس)) ووضعته في حجره لتكسر حدة الجفوة بينهما.. وابتسمت في وجه زوجها، وفي ابتسامتها دعوة للصلح إن كان غاضباً أو عاتباً!
ولكن ((خالد)) ألقى بابنه على الأرض، وقال وهو يطوح بيديه:
ـ هيا شيلي ابنك من هنا!
إنسابت الدموع من عينيها، وهي لا تعرف سر هذه الحدة. ثم قالت له:
ـ لو يعرف هادا الطفل إنت عملت فيه إيه.. ما كان غفر لك أبداً! ولم يجبها.. بل أخلد إلى الصمت، وقسمات وجهه متوترة.
ـ أردفت تقول له: أحياناً. أحس أنه ابني لوحدي.
ـ يا ستي خديه.. اشبعي بيه، من يوم ما جاء وحياتي انقلبت.. لا نظام، لا راحة، لا اهتمام بي ولا إنت حاسة بزوجك.
ـ ليه؟ عمرك جيت ولقيت البيت ما هو نظيف؟
ـ وفي رأيك.. إن الاهتمام ينحصر في نظافة البيت فقط، أو في المطبخ؟!
ـ هل جيت مرة ولقيت ولدك مهمل ووسخ؟
ـ (ساخراً): لأ طبعاً.. وهل دا يحصل للأستاذ فارس؟
ـ خالد؟!.. إنت بتكره ولدك؟
ـ أيضاً لأ.. إنما أكره الإهمال للزوج على حساب الطفل.
ـ وحتى معاك.. أنا ما قصرت في واجباتي-.. إيه اللي ما هو عاجبك؟!
ـ ولا حاجة.. فضيها سيرة، وخليكي كده مهتمة بفارس وحده، إنما أبوه.. إلى أم عمرو!
ـ تنسى ضحكاتنا لما نكون صافين.. إنت مالك، متضايق من حاجة؟ إن كان علشان رحلتك لباريس، خلاص يا سيدي.. سافر وأنا أجلس، ما هي مشكلة تعمل منها قضية وتسافر زعلان.. حجة يعني!
ـ أف.. الحياة. صارت تقرف.. مشكلات في الشغل، وفي البيت، و... فوق كده، حضرتك. مشغولة عني.. إما بتبدلي ملابس الولد، أو بتحمميه، أو بتطبخي، أو بتكنسي، أو... بترغي في التليفون!
ـ الحمد لله إنت قلتها.. يعني مشغولة على طول، وبالرغم من كده، لما أشوفك متضايق أسألك، وأحاول أخفف عنك، والتليفون ما هو مشكلة.. إن كان مضايقك أقطعه وخلصني!
ـ طبعاً.. صرت إنت مظلومة، وأنا الظالم!
ـ ما أقصد.. لكن إنت لما تكون متضايق وأسألك.. ما تكلف نفسك حتى ترد علي!
ـ أكون زهقان من الكلام في الشغل.. أبحث عن الراحة في البيت!
ـ وكمان لا تنسى إني طول النهار لوحدي بين أربعة جدران، ما أصدق إنك ترجع علشان أتكلم معاك!
ـ والله أنا طبعي كده!
ـ لأ.. إنت أناني ما تحب إلا نفسك.. وما كان لازم تتزوج إذا ما تقدر تتحمل مسؤولية زوجة وأطفال!
ـ إيه الكلام هادا.. إنت اتجننتي؟!
.- لأ.. انما ما عدت احتمل مزاجك المتقلب، واحنا فيها إذا أردت الانفصال
ـ إيه بتقولي يا مجنونة؟!
ـ إنما قبل ما ننفصل.. أحب أقول كلمة لك: أنا كان نفسي في أخت ل ((فارس)).. تعرف ليه؟!.. علشان ماله ذنب يعيش وحداني.. بعيد عن أمه أو عن والده. أنت أناني!
ـ إلهام.. يعني لما كون متضايق، دي طريقتك في امتصاص زعلي؟!
ـ أنا احتملت وعندي قدرة محدودة.. وإذا كان بتحبني لازم تقدر كمان ظروفي، وتقدر حبي لك. أنا فعلاً باحبك، لكن ما أقبل كل شوية تفرغ ضيقك فيَّ أنا!
* * *
تركت ((إلهام)) الغرفة، وحملت ابنها ((فارس)) ودموعها تغطي وجهها.
دخلت إلى غرفة النوم، وأخذت تعد حقيبة ملابسها، والدموع تعيقها أن تبصر جيداً.
و ((فارس)) يدور بين قدميها وهو يبكي بصوت عال، كأنه في هذه اللحظة يشعر بخطورة المشكلة، أو يتصور ضياعه لو حدث انفصال حقيقي بين أمه وأبيه.
وأخذ يعبث وهو يبكي بملابس أمه، وكلما وضعت فستاناً في الحقيبة أخرجه، وهي متوترة. ضربته على يده، فازداد صراخه. وبكت ((إلهام)) وضمت إليها طفلها، وأخذت تمسح على رأسه وتحضنه أكثر ليسكت.
* * *
تركت ملابسها، وجلست على الأرض تضم ((فارس)) في حضنها ودموعها لم تجف.
وأطل ((خالد)) من باب الغرفة، وتسلَّل إلى ((إلهام)) وفارس دون أن تشعر به زوجته، واحتواها بين ذراعيه وهو يقبل رأسها ووجهها. وفارس قد فاجأته حركة والده.. فأخذ يتطلع إليه، ويمد يده نحو فم والده، وهو يقول: بابا... ماما!
ـ خلاص يا إلهام.. متأسف. كنت متعباً ومتوتراً.
وألقت ((إلهام)) برأسها على صدر زوجها، وضمته إليه، وقد تدَّفقت دموع أكثر غزارة من عينيها!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1102  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 75 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .